في الذكرى السنوية لعملية مرصاد

مرصاد.. حين تصير الجغرافيا مرآةً للكرامة

بين مضيق جهارزبر وكرمانشاه، كُتبت ملحمة لا تزال تُلهم الشعراء، وتُرسم على الجدران، وتُنشد في المجالس. مرصاد، إذاً، ليست فقط كميناً عسكرياً، بل كميناً للذاكرة، يُعيد ترتيب المعاني في زمنٍ تتداخل فيه الحدود بين العدو والصديق.

يصادف اليوم الأحد الذكرى السنوية لعملية مرصاد المليئة بالفخر، في هذه العملية، قامت الفرقة 57 التابعة لقوات الحرس الثوري باسم سيدنا أبي الفضل(ع) من محافظة لرستان، وبالتعاون مع قوات الجيش، بالتمركز في منطقة قصر شيرين وصدّ طريق العدو، مقدّمين ٧٧ شهيداً في منطقة «مضيق جهار زبر».
في أواخر يوليو 1988، شهدت إيران واحدة من أكثر العمليات حساسيةً في تاريخها العسكري والسياسي، وهي عملية «مرصاد». لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت اختباراً للتماسك الوطني، وللقدرة على صدّ الغدر. هذه العملية، التي حملت اسم «مرصاد»، تحوّلت إلى رمز ثقافي للمقاومة، ومرآةٍ تعكس صلابة الهوية الإيرانية في وجه الانشقاق والخيانة.
السياق التاريخي والسياسي
جاءت عملية مرصاد في 27 يوليو 1988، بعد أيام من قبول إيران لقرار مجلس الأمن رقم 598 لإنهاء الحرب مع نظام صدام المقبور.
استغلت زمرة المنافقين، المدعومة من النظام الصدامي، هذا التوقيت لشنّ الهجوم على غرب إيران، بهدف الوصول إلى طهران خلال 48 ساعة. الهجوم بدأ من قصر شيرين، مروراً بإسلام آباد غرب، وصولاً إلى «مضيق جهار زبر»، حيث اصطدموا بالمقاومة الإيرانية التي قلبت المعادلة خلال أيام قليلة.
البعد الثقافي والرمزي
حملت العملية دلالات رمزية عميقة: فالمكان لم يكن مجرد تضاريس، بل مسرحاً للوفاء الوطني، حيث امتزجت الأرض بالدم، والذاكرة بالبطولة. تحوّلت أسماء المدن مثل كرند غرب وإسلام آباد إلى رموز في الوعي الجمعي الإيراني، تُستحضر في الشعر، والمسرح، والفن التشكيلي. الفنانون، وثّقوا وجوه الشهداء، لتصبح مرصاد جزءاً من الذاكرة البصرية للمقاومة.
مرصاد كدرس أخلاقي
كشفت العملية عن هشاشة الرهان على الخارج، كما أظهرت أن القوة لا تُقاس بعدد الدبابات، بل بصلابة الإرادة الشعبية، التي رفضت الانضمام إلى زمرة المنافقين رغم وعودهم الزائفة. في هذا السياق، تُقرأ مرصاد كدرس في الوفاء الوطني،  والتمسك بالهوية رغم الإغراءات العسكرية.
رواية الكرامة الإيرانية
عملية مرصاد ليست مجرد صفحة في كتاب الحرب، بل فصلٌ في رواية الكرامة الإيرانية. إنها لحظة تلاقت فيها الجغرافيا مع التاريخ، والدم مع الفن، لتقول إن الوطن لا يُباع، وإن الخيانة لا تمرّ. وبين مضيق جهارزبر وكرمانشاه، كُتبت ملحمة لا تزال تُلهم الشعراء، وتُرسم على الجدران، وتُنشد في المجالس. مرصاد، إذاً، ليست فقط كميناً عسكرياً، بل كميناً للذاكرة، يُعيد ترتيب المعاني في زمنٍ تتداخل فيه الحدود بين العدو والصديق.
المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة