رغم العقوبات المشددة والتوترات الجيوسياسية

كيف ارتفعت صادرات إيران من النفط لأعلى مستوياتها؟

خاص الوفاق: تشير بيانات مصادر ثانوية إلى أن صادرات إيران من النفط الخام سجلت في يونيو/ حزيران للمرة الأولى على الإطلاق رقماً قياسياً غير مسبوق بلغ 8/1 مليون برميل يومياً، وهو قفزة تحققت رغم العقوبات المشددة والتوترات الجيوسياسية.

تسجيل الرقم القياسي الجديد أثبت مرة أخرى أن الدبلوماسية الاقتصادية الذكية والاستفادة من القدرات الفنية والإدارية يمكنها ترسيخ إيران كلاعب رئيسي في سوق النفط العالمي، ويفتح هذا النجاح نافذة جديدة لتعزيز البنية التحتية وتنويع الاقتصاد الوطني.

 

ولم تُعلن هذه الأرقام من قبل المسؤولين المحليين، بل كشفت عنها شركة “فورتكسا” الدولية لتتبع ناقلات النفط – مؤسسة موثوقة تُعتبر بياناتها المعتمدة على بيانات الأقمار الصناعية والرصد الدقيق للحركة البحرية مرجعاً عالمياً لتقييم أسواق الطاقة- هذا ما يضاعف مصداقية وأهمية هذا الإنجاز.

 

ووفقاً لبيانات “فورتكسا”، بلغ متوسط صادرات النفط الخام الإيراني خلال 1-20 يونيو 2025 8/1 مليون برميل يومياً “أعلى مستوى مسجل تاريخياً”، بينما تُظهر تحليلات مؤسسة “كبلر” أن متوسط الصادرات حتى 27 يونيو كان 46/1 مليون برميل يومياً “بنمو 46% مقارنة بشهر مايو/ أيار”.

 

وتحققت هذه القفزة في الصادرات رغم استمرار عقوبات “الضغط الأقصى” الأمريكية، كما أن دونالد ترامب الذي أكد مراراً منذ بداية رئاسته عزمه خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وفرض في فبراير 2024 عقوبات مباشرة على وزير النفط الإيراني، وجد نفسه هذه المرة أمام فشل ذريع في تحقيق هدفه، حيث تظهر الأرقام الجديدة أن صادرات النفط الإيراني سجلت أعلى مستوياتها رغم كل هذه الإجراءات.

 

وتعثرت عقوبات الولايات المتحدة وحلفائها مجدداً، حيث لم تتوقف صادرات النفط الخام الإيراني فحسب، بل شهدت مساراً تصاعدياً خلال الأيام الـ12 للحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مسجلةً رقماً قياسياً تاريخياً.

 

في الواقع، أدى أداء القيادة العليا لصناعة النفط في البلاد -خاصة شخص وزير النفط “الوزير الوحيد في الحكومة الرابعة عشرة الذي خضع للعقوبات”- دوراً حاسماً في استمرارية الصادرات والحفاظ على الاستقرار وتجاوز الأزمة.

 

وشكّلت الدبلوماسية النفطية والاستفادة من القدرات اللوجستية واتخاذ القرارات الاستراتيجية في وزارة النفط حزمة من الإجراءات التي ضمنت استقرار مسار الصادرات. ووفقاً لتقارير وكالة الطاقة الدولية، بلغ متوسط صادرات النفط الإيراني في النصف الأول من عام 2025 نحو 7/1 مليون برميل يومياً، مما يعكس استمرارية وتوازناً في مسار المبيعات.

 

وتمكّنت إيران من تحقيق رقم قياسي في صادرات النفط بلغ 8/1 مليون برميل يومياً في يونيو 2025، مما يعكس نضجاً في الإدارة واستدامة في استراتيجية الطاقة للبلاد. وقد تحقق هذا الإنجاز رغم العقوبات المكثفة والتوترات الجيوسياسية، مؤكداً قوة الإرادة في الدبلوماسية الاقتصادية والاستفادة الذكية من القدرات التقنية.

 

وأصبحت إيران الآن ثالث أكبر مصدر للنفط في منظمة البلدان المصدّرة للنفط “أوبك”، وهي على أعتاب منافسة أكثر حدة في الأسواق العالمية. ومن خلال التخطيط الدقيق، يمكنها الاستفادة من هذه الموجة التصديرية لتنشيط الإنتاج المحلي وتعزيز البنية التحتية، مما سيمهد الطريق لنمو اقتصادي مستدام.

 

من فرض العقوبات على الوزير إلى نفي تراجع المبيعات

 

كما ذُكر سابقاً، في شهر فبراير من العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على “محسن باك نجاد” وزير النفط الإيراني، ردّاً على جهوده لزيادة الصادرات النفطية، خطوة وُصفت بـ”العقوبة ضدّ المساعي الوطنية”، إلا أن الوزير باك نجاد لم يتراجع عن سعيه لتعزيز الصادرات النفطية، حيث أكد في لقاء إعلامي: “تهدف العقوبات إلى تقييد مبيعات النفط؛ لكننا اعتمدنا حلولاً خاصة تتكيف مع هذه القيود، ولهذا السبب لم تُحدث هذه العقوبات تأثيراً ملحوظاً على مسار مبيعات النفط الخام الإيراني في السنوات الأخيرة”.

 

وحول ما إذا كانت إيران لا تزال تعتبر النفط مصدراً للدخل أم أنها اتجهت نحو التنمية، قال باك نجاد: “نحن نعتبر النفط ثروة وطنية؛ لكننا في نفس الوقت نسعى لتفعيل مفهوم “صيانة الاحتياطيات” بشكل صحيح، والبعض يظن أن صيانة الاحتياطيات تعني ترك النفط في باطن الأرض للأجيال القادمة؛ لكن الواقع -وفق التقديرات الدولية- يشير إلى أن العالم قد يتجه تدريجياً نحو تقليل دور الوقود الأحفوري في تلبية احتياجات الطاقة”.

 

وأكمل وزير النفط قائلاً: “بطبيعة الحال، هذا الرأي له معارضوه، حيث يعتقد الكثيرون أن الوقود الأحفوري سيحافظ على دور محوري في تلبية احتياجات الطاقة طالما توفر. لذا، كلما تمكنا -في ظل ظروف اقتصادية ملائمة ومراعاة الكفاءة والمعايير الاقتصادية- من استخراج النفط الخام وتحويله إلى ثروات منتجة على الأرض، نكون قد استثمرنا فعلياً في مستقبل البلاد”.

 

وحول اختلاف منهج إدارة ترامب الثانية عن فترة رئاسته الأولى، أوضح وزير النفط: “في المرحلة السابقة والآن، ظلت هناك شعارات حول تقييد مبيعات النفط الإيراني؛ لكننا نعتقد بقدرتنا على تجاوز هذه القيود، كما أثبتت التجربة أن هذه الضغوط لم تُحدث تأثيراً حاسماً على استمرارية صادرات النفط الإيرانية”.

 

بصمة النفط الإيراني في خريطة الطاقة العالمية

 

الحقيقة أنّه منذ اكتشاف النفط كوقود وبدء عملية استخراجه وتصديره، لطالما برز اسم إيران في مختلف المجالات، مما جعلها أحد اللاعبين الكبار في قطاع الطاقة العالمي. لقد بلغ تأثير إيران حداً يجعل أي تهديد أو عقوبات تستهدفها تؤثر حتماً على الأسعار العالمية وإنتاج الدول الأخرى.

 

ويعلم العالم ويقر بأن استبعاد إيران -إحدى أقدم الدول المنتجة والمصدرة للنفط- من قائمة المصدرين العالميين هو ضرب من المستحيل، وكل محاولة لتحقيق هذا الهدف ستكون كـ”دخان يعود ليزعج عيون المُعَاقِبين وحلفائهم” في نهاية المطاف.

 

وتشير أحدث الإحصاءات الصادرة عن منظمة البلدان المصدّرة للنفط “أوبك” إلى أن إيران سجلت نمواً بنسبة 14% في عوائد صادرات النفط خلال عام 2024، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين أعضاء المنظمة من حيث زيادة الإيرادات النفطية.

 

نمو الإيرادات النفطية الإيرانية

 

حققت إيران، في العام الماضي، عائدات صادرات نفط بلغت 776/46 مليار دولار، مقارنة بـ129/41 مليار دولار في عام 2023. وجاءت فنزويلا في المرتبة الثانية من حيث تحسن الأداء، حيث ارتفعت عائداتها النفطية من 088/13 مليار دولار في 2023 إلى 372/18 مليار دولار في 2024.

 

ومن اللافت أن أربع دول أعضاء فقط في “أوبك” حققت أداءً إيجابياً في زيادة الإيرادات النفطية خلال 2024، وهي: إيران وفنزويلا ونيجيريا وغينيا الأستوائية. بينما شهدت إيرادات “أوبك” الإجمالية انخفاضاً بنسبة 4% من 678 مليار دولار في 2023 إلى حوالي 652 مليار دولار في 2024.

 

المصدر: الوفاق