غزة في مرآة الشعر والصورة والضمير

الفنّ في مواجهة الجوع.. صرخة الفنّانين الإيرانيين ضدّ الصمت العالمي

خاص الوفاق: بين القصيدة واللوحة، وبين منشور وبرنامج تلفزيوني، يبقى الفن الإيراني صوتاً حيّاً يعاند الصمت، ويتحوّل إلى مرآة ضميرٍ عالميٍ جائع. غزة تقاتل الجوع… والفن لا يزال يصرخ: لا تسكت!

 في عصرٍ تتكاثر فيه صور الموت والجوع، يتجاوز الفن الإيراني حدود التعبير الجمالي، ليغدو أداة مقاومة أخلاقية تعرّي العالم من صمته. ومع اتساع رقعة المجاعة في غزة المحاصَرة، تفاعل فنانون إيرانيون من رسامين وشعراء ومقدّمي برامج ومصممين رقميين مع الواقع الكارثي بلغات متعددة: اللوحة، القصيدة والكلمة الموجعة، في محاولة جريئة لإيقاظ الضمير الإنساني الغافل.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة ووكالة الأونروا، وبعد أكثر من أربعة أشهر على إغلاق المعابر الحدودية، يواجه سكان غزة مجاعة واسعة النطاق وجوعاً قاتلاً.  مشاهد مثل فقدان الأطفال للوعي وهم ينتظرون الخبز، والبحث عن الطعام في الشوارع، أصبحت أمراً يومياً في شمال غزة.
صورة تهزّ العالم
استشهاد رضّع فلسطينيين بسبب الجوع، كما في حالة فادي النجار وسناء اللحام، أثار موجة من الألم والصمت المريب. أصبحت صور أجسادهم الهزيلة صدمةً أخلاقية، أعادت تعريف الجرائم بالصورة قبل الكلمة. 

الفنّ يُحرَق لإطعام الأطفال
في مشهد يفوق الخيال، اضطر الفنان الفلسطيني طه حسين إلى إحراق لوحاته الفنية لصنع الخبز لأطفاله، وقال بصوت متهدّج: «نحن فقط على بُعد خطوة من الموت بسبب الجوع»، في شهادة حيّة على انهيار المعايير والقيم.

 

صرخة «يا رب» على لوحة حسن روح ‌الأمین

نشر الرسّام الإيراني الشهير حسن روح‌الأمین ، لوحة جديدة حول المجاعة في غزة. كتب في وصفها: «يا ربّ، أين شمس الوجود الساطعة؟» الصورة تعكس ظلمة الحصار، ومعاناة الإنسان الأعزل، وأملاً وسط الموت البطيء.

لوحة تحمل مضمون جرائم الكيان الصهيوني في غزة، وتتناول الوضع الإنساني الكارثي وجوع سكان هذه المنطقة المظلومة. اللوحة الجديدة لروح‌ الامین تمثل امتداداً لمسيرته الفنية في التجسيد البصري للمقاومة، المظلومية، والإيمان. السيدة تُكْتَم حسيني قدّمت قصيدة نقدية رسمت فيها صورة مؤلمة لطفل جائع، وأم ثكلى، وصمت الأمم المتحدة الذي لا يُجدي: «عظام الصدر تتوالى وتبرز من القميص…» كما أن بعض المصممين مثل مريم ساده، سيد رضا راعي، سعیده جایدري، زهرا نجار، وعلي سلامت، شاركوا أعمالاً تصويرية عبر الشبكات الاجتماعية، عبّروا من خلالها بطريقتهم عن رفضهم للمجزرة الجماعية.

 

 

الفنّ كضمير إنساني

يصوّر رسّام الكاريكاتير الإيراني سيد مسعود شجاعي طباطبائي طائر السلام وقد تحوّل إلى «ظلّ من عظام»، في استعارة بصرية قوية تُجسّد الجوع الذي ينهش أجساد أطفال غزة. هذه الصورة ليست فقط تعبيراً شعرياً، بل هي تجسيد رمزي لانهيار القيم الإنسانية، حين يُمنع الغذاء والدواء عن الأبرياء، ويُترك العالم في صمتٍ قاتل.

ويكتب كلماته التي تنبض بالألم والضمير الحي، وهي ليست مجرد تعبير فني بل صرخة إنسانية في وجه الصمت العالمي.

 

 

قائلاً: في هذه الأيام، إنّ مشاهدة مشاهد الجوع المؤلم لأهالي غزة المظلومين، وموت الأعزاء الذين لم يكن ذنبهم سوى أنهم أرادوا البقاء على قيد الحياة، يقبض القلب. لقد أغلق الكيان الصهيوني الزائف كلّ طريق لإيصال الغذاء والدواء، والعالم يراقب هذه الكارثة في صمتٍ مرير. أفكر في نفسي؛ ربما طائر السلام أيضاً، مثل أطفال فلسطين، لم يبقَ منه سوى ظلّ من عظام بسبب الجوع… ليت هذا الكابوس المرعب ينتهي في أقرب وقت!
الشعر كصرخة ضدّ الجوع
قصائد تعبّر عن الألم والاحتجاج عبّر عدد من الشعراء الإيرانيين المعروفين عن صوت الشعب المظلوم في غزة من خلال الشعر، شارك عدد من الأدباء مساء الجمعة 24 يوليو في أمسية أدبية بعنوان «أنين الخبز وبكاء القمح» دفاعاً عن شعب غزة المظلوم، والتي استضافتها مجموعة هنديران الدولية عبر الفضاء الإفتراضي، وقرأوا قصائدهم.
من خلال أمسية «أنين الخبز وبكاء القمح»، عبّر شعراء من إيران والهند عن غضبهم من المجاعة المصطنعة التي يفرضها الاحتلال. بقصائد مثل «ربطتِ على بطنكِ حجر الصبر، غزة!» جسّدت الانهيار الجسدي والروحي لأطفال غزة، بينما خاطبت قصائد أخرى المؤسسات الدولية بصوت ساخر أو غاضب، متهمةً إياها بالتواطؤ أو العجز.
الشاعر محمد رضا موسوي صابري ربط مأساة غزة بمآسي المجاعات الاستعمارية في إيران والبنغال، مؤكداً أن الاستعمار الحديث لا يختلف عن القديم، بل يستخدم أدوات أكثر قسوة مثل التجويع الجماعي.أما مسعود علوي تبار، فاستحضر النصوص الإسلامية التي تُدين من ينام شبعاناً وجاره جائع، ليُظهر أن ما يحدث في غزة ليس فقط جريمة سياسية، بل انتهاكٌ صارخٌ للقيم الدينية والإنسانية. واختتمت الأمسية برسالة جماعية مفادها أن الكلمة – وإن كانت ضعيفة – أقوى من الصمت، وأن التضامن مع غزة ليس موسمياً أو عاطفياً، بل هو موقف دائم لكل من لا يزال يحمل في قلبه بقية من ضمير.

 

مقتطفات من القصائد التي قُرئت في الأمسية

قرأت الشاعرة «بروانه نجاتي» قصيدتها تحت عنوان: «من جديد ضجيج الزجاج والحجارة» جاء في قسم منها: «غزة وحيدة، غزة حزينة.. من جديد ضجيج الزجاج والحجارة في حصار بحجم مدينة.. الموت منسجم مع الحياة لا أمن، لا نوم هادئ.. الماء والخبز نادران.. هذا عار على عالمنا..». كما قرأت الشاعرة عاطفه خرّمي قصيدتها تحت عنوان «ماذا تفعلون غير المشاهدة؟»، وقالت: «يا سكان العالم المترفين، ماذا تفعلون؟!.. لقد هبّت العاصفة، ماذا تفعلون غير المشاهدة؟!.. هل سمعتم أخبارنا الساخنة؟ هل سمعتم عن مجاعة هنا؟.. عن انفجار في صف الماء والغذاء؟! هل حقوق الإنسان أيضاً مسألة ذوق؟!».

 

أما الشاعر سيد مسعود علوي تبار في قصيدة تحت عنوان «شبعتُ من رؤيتكِ يا جوع» قال: «كفى! لقد شختُ من ألم الأطفال؛ سقطتُ أرضاً في دمعة عيني لن أضع قطعة خبز أخرى على مائدتي؛ فقد شبعتُ من رؤيتكِ يا جوع وقالت الشاعرة «فرزانه قرباني»  في قصيدة «كل يومٍ تقاتلين الجوع»: في ذروة الحزن والهمّ والحنين؛ أنتِ جريحة الخداع والمكر والحيلة ربطتِ على بطنكِ حجر الصبر، غزة! كل يومٍ تقاتلين الجوع».

 

ردود مقدّمي البرامج الاعلامية

قال محمد رضا شهبازي في برنامجه «باورقي»: «لا يُصدّق أن مليونَي إنسان بريء تحت وطأة هذه الكارثة والعالم ساكت. حتى قادة الدول الإسلامية التزموا الصمت.» داريوش فرضيائي في لقاء مع موقع «آن» أكد: «مشاهدة صور الأطفال في ظروف المجاعة، تحطّم قلبي حقاً. الأطفال لا يجب أن يدفعوا ثمن حروب الكبار».

إيمان قياسي، مقدّم برامج، كتب منشوراً في صفحته الرسمية: «سئمتُ من كل هذا الظلم، قلبي يحترق من أجل الأطفال الجائعين الميّتين في غزة.» حامد سلطاني، مقدّم تلفزيوني، كتب في صفحته: «لا تخافوا من الموت، بل اسألوا متى يموت فيكم شيء يُسمّى الإنسانية وأنتم أحياء».

 

ردود الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعي

مليكا زارعي كتبت: «لا مبالاتنا امتدادٌ للجريمة. إذا لم أستطع أن أساعد، فعلى الأقل دعونا نبقى بشراً.» عرفان طهماسبي، المنشد، نشر صورة من غزة وكتب: «حطّموا هذا الصمت المقزّز.»

مارال فرجاد وسيد علي صادقي أعلنا دعمهما لأهل غزة من خلال منشورات «ستوري» بعنوان: «غزة تموت من الجوع».

 

الضمير بين الكلمة والصورة

رغم استمرار صمت العالم إزاء كارثة المجاعة في غزة، لم يكتف الفنانون الإيرانيون بالمشاهدة أو التعاطف، بل تحوّلوا إلى صوتٍ مقاومٍ يصرخ عبر القصيدة، اللوحة، والمنشور الرقمي، ليُعيدوا للضمير العالمي ما فقده من إنسانية.

بين القصيدة واللوحة، وبين منشور وبرنامج تلفزيوني، يبقى الفن الإيراني صوتاً حيّاً يعاند الصمت، ويتحوّل إلى مرآة ضميرٍ عالميٍ جائع. غزة تقاتل الجوع… والفن لا يزال يصرخ: لا تسكت!

 

المصدر: الوفاق/ خاص