ساحة «آزادي» في حداد سيّد الأحرار

«محرّم شهر».. تلاقي الفنّ والحزن والمقاومة في قلب طهران

خاص الوفاق: فعالية «محرّم شهر» ليست مجرد احتفاء شعائري، بل هي فعل مقاومة ثقافية، تُعيد تعريف الفضاء العام وتُحوّله إلى مرآة للهوية والكرامة.

في قلب العاصمة الإيرانية، تحديداً عند ساحة آزادي، تتجلّى فعالية «محرّم شهر»كحدثٍ ثقافي وشعائري فريد، حيث يلتقي الفنّ بالحزن، وتنبض المقاومة في تفاصيل التصميم والمشاركة الشعبية. هذه الفعالية التي باتت تقليداً سنوياً، لا تكتفي بإحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين(ع)، بل تُعيد إنتاجها بصرياً، سمعياً، ووجدانياً، لتصبح ساحة آزادي منبراً حضارياً يُجسّد وجدان الأمة الإيرانية في مواجهة الألم والعدوان، ويُكرّس حضور الإمام الحسين(ع) في الذاكرة المعاصرة.
 

«محرّم شهر» في ساحة آزادي

 

في ليالي شهر محرّم، إكتست ساحة آزادي بأجواء شعائرية من خلال إقامة فعالية «محرّم شهر»، لتكون منصة للبرامج الفنية والثقافية التي حظيت بإقبال كبير من الجمهور.

هذه الليالي، حين تمرّ بمحيط ساحة آزادي في طهران، يتملكك شعور خاص وتتنفس هواءً مختلفاً. ففي بلدٍ تسيطر عليه منذ أكثر من شهر أجواء حزن محرّم والحرب المفروضة التي دامت 12 يوماً، تبدو هذه النقطة من العاصمة وكأنها تنغمس في الحزن بطريقةٍ خاصة، حزن يختلف في طبيعته، حزن محرّم وصفر، حزن الإمام الحسين(ع). في هذه الليالي، تشهد ساحة آزادي إقامة الدورة الثالثة من الفعالية الشعائرية «محرّم ‌شهر» خلال الفترة من 22 يوليو حتى 5 أغسطس، والتي ترتكز على الفعاليات الفنية، الشعائرية، والثقافية، حيث شهدت فعالياته حضوراً واسعاً من المواطنين على اختلاف شرائحهم وأعمارهم.

وانطلاقاً من ذلك، في تقريرٍ مختصر نسلط الضوء على ما يجري داخل هذا الحدث، الذي يُقام بالتعاون مع مؤسسات ثقافية ودينية في البلاد كـ «هيئة الإذاعة والتلفزيون»، «منظمة الدعوة الإسلامية»، ومجموعات الهيئات الدينية، وكذلك مع استلهام من الأجواء البطولية التي نشأت إثر استشهاد عدد من القادة والنخب الإيرانيين في الهجمات الأخيرة للكيان الصهيوني، تم اختيار الشعار المحوري لهذا العام: «إيران الحسين(ع) منتصرة إلى الأبد» ليكون محور برامج شهر محرّم وأربعين الإمام الحسين(ع).

وتم تصميم الرمز الأساسي لـ «محرّم شهر» مستلهماً من مفاهيم عاشورائية. «سفينة النجاة» المستوحاة من الحديث النبوي الشريف، نُصبت كنموذج مركزي في ساحة آزادي بمساحة تبلغ 730 متراً مربعاً، وتضم 5 صواري و19 شراعاً، وفوقها أُقيمت أجنحة الضيافة والنذور، وقد استقبلها عشّاق الإمام الحسين(ع) في العاصمة بحفاوة بالغة.

إلى جانب ذلك، هناك منصة ثقافية تتضمن فعاليات مثل حضور خطباء ورواديد بارزين، ومجموعات تمثيلية ذات طابع شعائري، إضافة إلى الفنانين المشاركين، وهذه الفعاليات تستهوي جمهوراً من مختلف الأعمار والطبقات.

 

إيران الحسين(ع) منتصرة إلى الأبد

من جهته قال المدير العام للشؤون الثقافية في بلدية طهران مصطفى زيبائي نجاد: منذ عامين، تم تصميم وتنفيذ فعالية دينية وفنية تحت عنوان «محرّم شهر» في أواخر العقد الثاني من شهر محرّم في ساحة آزادي، وها نحن هذا العام نشهد إقامة الدورة الثالثة من هذا البرنامج.

وأشار زيبائي نجاد إلى التصميم الخاص لديكور مدخل ساحة آزادي، وقال: هذا العام، تم تصميم المدخل على شكل «باب القبلة»، ليُضفي جواً روحياً وسماوياً عند دخول الزائرين إلى «محرّم شهر».

 

وأضاف: كما أن «موعد الفنانين» هو من الأقسام الأخرى لهذه الفعالية، حيث تؤدي فيه الفرق الموسيقية عروضاً خاصة. وتستقبل مواكب الحسين(ع) هذا العام الزائرين بشكل خاص، باستضافة عائلات الشهداء والفنانين.

 

تكميل قطع صور شهداء الإقتدار

تكريم شهداء الإقتدار وإظهار وحدة الشعب الإيراني في مواجهة الأعداء كان جزءاً من فعالية «محرّم شهر». وقال حميد صالحي من بلدية طهران: إن بلاطات مزينة بصور شهداء الإقتدار تم تصميمها على شكل قطع لغز (بازل)، ويقوم المواطنون بإكمالها طيلة 12 ليلة، وبعد اكتمالها تُثبّت هذه البلاطات في 14 موقعاً من المدينة.

 

تصميم لوحات عاشورائية عملاقة في خيمة الفنّ

في الجانب الفني، أقيمت «خيمة الفن» التي تضمنت كتابة 10 لوحات وكتيبة ضخمة بأبعاد 20 × 5 متر وبمساحة 100 متر مربع، بمشاركة أساتذة الخط ومساهمة جماهيرية.

مجتبی صادقي، أستاذ الخط، أوضح أن تنفيذ هذه اللوحات العاشورائية التي تحمل مضامين عاشورائية ومقاومية تتم بمشاركة الجمهور؛ حيث يتم إعداد التصميم الأولي من قبلهم، ثم يُطلب من المواطنين استكمال العمل.

وأضاف أن هذه اللوحات ستُنصب على طريق مشي الزوّار في الزيارة الأربعينية، وعند الحدود والمدن العراقية المقدسة.

 

معرض مستلزمات الزيارة الأربعينية

من الأقسام الجاذبة أيضاً في فعّالية «محرّم شهر» معرض مستلزمات الزيارة الأربعينية. يحتوي المعرض على نحو 70 جناحاً تُعرض فيها منتجات متنوعة تتعلق بالزيارة الأربعينية مثل العربات اليدوية، الحقائب، الملابس، الأغذية المقوية، المراوح المحمولة، أحذية المشي، مستلزمات الحجاب، الأشياء الثقافية، وغيرها من الاحتياجات الأسرية لهذه الرحلة الروحية، وكلها تُقدّم بأسعار مناسبة.

 

عرض مسرح ورقي للأطفال

في إحدى زوايا الساحة تلمح خيمة الأطفال الحسينيين، المصممة بطابع تفاعلي، حيث تُقام فيها أنشطة مثل الرسم، تصميم الشموع واللوحات، وتشكيل رموز مستوحاة من «سفينة النجاة» الخاصة بالإمام الحسين(ع)، إلى جانب برامج تتناسب مع أعمار الأطفال والمراهقين.

مسؤول هذه الأجنحة، السيد مظفري، قال: في خيمة الأطفال نحكي للأطفال قصة من القرآن، ويقومون بعرضها على شكل مسرح باستخدام تقنية المسرح الورقي.

 

أطفال المقاومة

من أبرز مفاجآت هذا العام، كانت «خيمة الأطفال الشهداء»، التي أقيمت تكريماً للأطفال الذين استشهدوا في الحرب المفروضة الأخيرة، عبر تصميم مستوحى من صور واقعية لغرف أطفال دمّرتها الصواريخ الصهيونية.

من جهته قال حميد رضا عموزاده، معاون الشؤون الثقافية والاجتماعية في بلدية طهران: «إن تصميم الجناح كان لتخليد شهداء الأطفال في الحرب المفروضة، وهو مستوحى بطريقة ما من الصور التي لقيت رواجاً واسعاً خلال الحرب المفروضة، وهي صور لغرف أطفال ملطخة بالدماء والصواريخ. وحاولنا في هذا الجناح أن نستذكر الأطفال الإيرانيين، وكذلك نحيي ذكرى الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا على يد الكيان الصهيوني».

 

تجمّع لدعم أطفال غزة

وفي نفس السياق، ليلة محرّم الرابعة في «محرّم شهر» تميزت بأجواء مختلفة، إذ شهدت تنظيم تجمع كبير لأهالي طهران دعماً للشعب الفلسطيني، خصوصاً الأطفال الذين يعانون ظروفاً قاسية هذه الأيام.
بهدف التعبير عن التضامن مع أولئك الأطفال، أقيم التجمّع الكبير في ساحة آزادي، وعبّر أهالي العاصمة عن مشاعرهم تجاه أطفال فلسطين المظلومين. كما انطلقت حملة «إيران متعاطفة» في إطار «محرّم شهر» لجمع المساعدات الشعبية من أجل أهل غزة.

 

 

برامج الليلة الرابعة من الفعالية اكتست بطابع المقاومة ودعم فلسطين. وبدأت الفعالية بكلمة من «رسالت بوذري»، حيث تحدّث عن معاناة أطفال غزة. وقدّمت الفرق الفنية أناشيد وروايات مسرحية ركّزت على موضوع غزة وظلم الكيان الصهيوني تجاه الأطفال الفلسطينيين.

كما ألقى كلّ من حجّة الإسلام سيد عليرضا حسيني، محمد علي بياباني كلمتهم وقصائد رثاء لشهداء كربلاء وشهداء غزة. وتم تخصيص ليلة محرّم الرابعة إلى سيدنا علي الأكبر(ع)، وقدّم روح الله بهمني مرثية في ذكرى استشهاد ابن سيد الشهداء(ع).

 

 جوازات الزيارة الأربعينية 

كما تمّ تخصيص مركز لتسجيل وإصدار جوازات الزيارة الأربعينية ضمن فعاليات «محرّم ‌شهر»، وذلك بالتعاون مع إدارة الجوازات في ساحة آزادي، لتسهيل الإجراءات على الزائرين دون الحاجة لمراجعة أماكن أخرى.

 

رمز ديني

فعالية «محرّم شهر» ليست مجرد احتفاء شعائري، بل هي فعل مقاومة ثقافية، تُعيد تعريف الفضاء العام وتُحوّله إلى مرآة للهوية والكرامة. من «سفينة النجاة» إلى خيمة الأطفال الشهداء، ومن لوحات الخط إلى بلاطات الشهداء، يتجلّى الحسين(ع) في كل زاوية من ساحة آزادي، لا كرمزٍ ديني فحسب، بل كقصة شعبٍ لا ينسى شهداءه، ولا يتنازل عن حقه في التعبير، الفن، والحرية. وفي هذا التداخل بين الحزن والفن، تُكتب فصول جديدة من ذاكرة عاشوراء، بلغةٍ يفهمها كل من مرّ من هناك، حتى لو لم ينطق بها.

 

المصدر: الوفاق/ خاص