في ذكرى إستشهاد السيدة رقية(س)

صرخة طفلة هزّت ضمير التاريخ

خاص الوفاق: منذ تلك الليلة الموحشة، تحولت السيدة رقيّة(س) إلى رمز فني وأدبي مؤثر في الوجدان الاسلامي والإنساني، فظهرت قصتها في اللوحات، المسرحيات، المراثي، والقصائد، ولم تكن مجرد سرد بل استعادة لصرخة ظلم تمزق الضمير.

ليست الطفولة بريئة فقط، بل شاهدة صامتة على أبشع ما ارتكب في التاريخ. في خرابة الشام، حيث الجدران تئن من الألم، وقلب طفلة يئن من الفقد، تَجلّى أعمق مشهد مأساوي بعد عاشوراء: السيدة رقيّة بنت الإمام الحسين(ع)، كانت منارة البراءة في ظلام الأسر، وذاكرة الأمة في وجه الجهل والقسوة.

منذ تلك الليلة الموحشة، تحولت السيدة رقيّة(س) إلى رمز فني وأدبي مؤثر في الوجدان الاسلامي والإنساني، فظهرت قصتها في اللوحات، المسرحيات، المراثي، والقصائد، ولم تكن مجرد سرد بل استعادة لصرخة ظلم تمزق الضمير.

السيدة رقيّة(س) كانت أصغر بنات الإمام الحسين(ع)، وقد عانت مصائب كثيرة من كربلاء المقدسة إلى الشام. وبحسب الروايات التاريخية، عندما وصلت ضمن قافلة السبايا إلى خرابة في الشام، وبسبب بكائها الشديد، أمر يزيد الملعون بإحضار رأس والدها إليها. فلم تحتمل المشهد، وبعد أن بكت وتحدثت إلى والدها، التحقت به، كما ورد في المصادر التاريخية. في هذا المقال نتطرق إلى السيدة رقية(س) في مرآة الأدب والفن باختصار.

العروض المسرحية

العروض المسرحية حول السيدة رقيّة(س)، التي تُعد من أكثر شخصيات كربلاء مظلومية، غالباً ما تتناول واقعة عاشوراء وأسر عائلة الإمام الحسين(ع). هذه المسرحيات عادةً ما تُجسّد مشاهد العطش، نهب الخيام، واستشهاد السيدة رقيّة(س) في خرابة الشام. والهدف منها هو تذكير الناس بمظلومية ومصائب أهل البيت عليهم السلام، وخصوصاً السيدة رقيّة(س). فنذكر بعضها:

– مسرحية «سركذشت» أي «السيرة»: هذه المسرحية عمل فني وتربوي تهدف إلى تعريف الفتيات المراهقات بشخصية السيدة رقيّة(س)، وكيفية استشهادها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على واقعة عاشوراء وما تبعها من أسر أهل بيت الإمام الحسين(ع). جميع عناصر هذه المسرحية، من التمثيل والتسجيل الصوتي إلى الإخراج، تم تنفيذها من قبل ٦٠ فتاة مراهقة، يتمتعن بمهارات متعددة مثل التمثيل والإلقاء.

وكانت طريقة تنفيذ العرض يُقدّم بأسلوب «بلاي باك»، حيث تم تسجيل الأصوات مسبقاً بواسطة مذيعين محترفين وطالبات.

– مسرحية «خرابة الشام»: هي التي تم عرضها بالتزامن مع أيام استشهاد السيدة رقيّة(س)، من قبل فرقة بنات الحسن(ع) بمدينة طهران، تحمل مشاهد مؤثرة، لا تروي فقط مأساة الطفولة في وجه الظلم، بل تجسد بصرياً صرخة البراءة أمام القسوة. السيدة رقيّة(س) هنا ليست مجرد شخصية تاريخية، بل تمثل الرمز الأزلي للظلم الواقع على المستضعفين، وتصبح صورتها في «الخرابة» مرآة للإنسانية حين تُترك بلا سند.

– مسرحية «درّة الخرابة»: تُعد مسرحية «دُردانة خرابه» أي «درّة الخرابة» المنشورة على موقع «تيوال» من المسرحيات التي تناولت هذا الموضوع، حيث تصوّر مشاهد من واقعة كربلاء والشام، مع التركيز على شخصية السيدة رقيّة(س).

كما أن قصة سبايا كربلاء واستشهاد السيدة رقيّة(س) تُعرض أيضاً في مسرحية «آخرین منزل»، وهي من الأعمال التي تهدف إلى تذكير الجمهور بواقعة عاشوراء وتسليط الضوء على مظلومية أهل بيت الإمام الحسين(ع)، وخصوصاً السيدة رقيّة(س)، وتترك أثراً عميقاً في نفوس المشاهدين.

اللوحات الفنية

نشر الفنان التشكيلي حسن روح‌الأمین، في صفحته الشخصية أعمال كثيرة عن السيدة رقية(س) منها لوحة بعنوان: «سدّ راهم عنبرين مويي شده» أي «عطرك المعطّر بشَعرٍ عنبريّ سدّ طريقي»، كما رسم لوحة أخرى تحت عنوان «خرابة الشام» التي تناول فيها اللحظة التي رأت السيدة رقيّة(س) في خرابة الشام رأس والدها، بدأت تناجيه وتقول: «یا أبَتاهُ، مَنْ ذَا الَّذي خَضَبك بِدِمائك! یا أبَتاهُ، مَنْ ذَا الَّذي قَطع وَرِیدَیْك! یا أبتاهُ مَنْ ذَا الَّذي أَیتمني علی صِغَر سِنّي!».

جاء في البيت الشعري الذي يصف اللوحة: «أخاف من ظلمة ليالي هذا الخراب.. جئت بك لتكون شمسي المضيئة..».
اللحن البصري في هذه اللوحة لا يُروى فقط، بل يُشعَر: طفلة تلتف حول الضوء، لا لتحتضنه، بل لتغادر معه.

أما لوحة «السبايا» هي لوحة زيتية رسمها في شتاء عام  2015 م. أبعاد اللوحة هي 128 × 147 سم، وكتب روح الأمين في وصف هذا العمل: «لقد كرهت السفر من جديد.. متى تأخذني إلى المنزل يا أبي؟».
هذه الكلمات عندما تُقال بصوت طفلة، لا تُسمع فقط، بل تُهزّ الأرواح.

الأدب والرثاء

العديد من الشعراء في إيران والعالم العربي تناولوا قصة السيدة رقيّة(س) كجسر بين البراءة والمقاومة. والقصائد التي تصف لحظة التحاقها بالوالد، تشكّل نمطاً خاصاً يُسمّى بـ«الرثاء الطفولي»، حيث يتقاطع الحزن مع الحنان، واللوعة مع الدعاء.

كما عُلّقت على مرقد السيدة رقية(س) أبيات من الشعر للشاعر سيد مصطفى جمال الدين جاء فيها: «في الشام وفي مثوى يزيد مرقد.. ينبيك كيف دم الشهاده يخلد.. رقدت به بنت الحسين(ع) فاصبحت.. حتى حجارة ركنه تتوقد.. هيا استفيقي يا دمشق وايقظي.. وغدا على وضر القمامة يرقد.. واريه كيف تربعت في عرشه.. تلك الدماء يصوغ منها المشهد.. سيظل ذكرك يا رقية عبرة.. للظالمين مدى الزمان يخلد.. رؤيا بنات السيد هاشم الثلاث».وهناك ثمة عدد من الكتب حول السيدة رقيّة(س) يمكن الرجوع إليها، من أبرزها:

– «السيدة رقيّة بنت الحسين(ع)؛ وثيقة مظلومية سبايا أهل البيت(ع)»: الكتاب من تأليف هادي عميدزاده، ويتناول هذا الكتاب مظلومية السيدة رقيّة(س) وسبايا أهل البيت(ع)، ويُقدَّم كمرشد تربوي للعائلات المسلمة.

– «عزيز بابا رقيّة»: يضم هذا الكتاب 40 قصة قصيرة وجذابة عن السيدة رقيّة (س)، مكتوبة بلغة بسيطة وعذبة للأطفال.

– «ريحانة كربلاء: دراسة حول السيدة رقيّة(س) ومقامها»: يتناول هذا الكتاب بحثاً حول حياة السيدة رقيّة(س) ومقامها الشريف.

– «رقيّة خاتون(س)»: هذا الكتاب من تأليف أحمد عليزاده، ويتناول هذا العمل حياة السيدة رقيّة (س) من منظور تاريخي وعاطفي.

انعكاس حيّ للوجدان المقاوم

إن تجلي قصة السيدة رقيّة(س) في مرآة الفن والأدب هو انعكاس حيّ للوجدان المقاوم. فكل لوحة، وكل بيت شعري، وكل أداء مسرحي، هو محاولة للإبقاء على صوت تلك الطفلة حياً، لا ليبكي فقط، بل ليرشد ويُنير. ورقيّة، رغم عمرها القصير، أصبحت أطول صرخة في وجه يزيد التاريخ.

المصدر: الوفاق/ خاص