خبزٌ وملحٌ ووداع..

خاص الوفاق: رسالةٌ مفتوحةٌ.. إلى الشهيد إسماعيل هنيّة وبقية الشهداء.. لروحه.. لأرواحهم

غمْرٌ من زهور المحبّة.. وعطر القصيد..

 

وأتذكّر يا أبا العبد..

 

كم كان الوداعُ حميماً، وحزيناً..

 

ظهيرة ذلك اليوم.. قبل أن نفترق..

 

قبل أنْ نُودِّعكم.. وقبل أن نسافر..

 

أبيتَ أن نغادر غزّة الجرح..

 

– قبلة الروح، ومقصد الزائرين –

 

إلّا بعد تناول وجبة الغذاء معكم..

 

في بيتك المتواضع الحميم، بمخيم الشاطئ..

 

وأنْ نتقاسم وإيّاكم رغيف الخبز وحبّةَ الملح، وقبْلةَ الوداع..

 

كي يبقى الحبُّ بيننا، وكي لا تموت الشهامة والكرامة والذكريات.

 

إسماعيل هنيّة..

 

أبو العبد الطيِّب..

 

لن أنسى تلك الأيام الثلاثة التي قضيناها سويّةً بين أحضان غزّة الجريحة..

 

قريباً من طيور أرواحكم البيضاء..

 

التي أبتْ أنْ تغادر سماء غزّة..

 

وبحرها الزاهي بنواس الأبيض الجميل..

 

لن أنسى..

 

لن ننسى ذلك اليوم..

 

يوم قدِمنا أرض غزّة، وتباركنا بعناقكم..

 

واللقاء بكم فوق ثراها الطهور..

 

المجبول بدم الشهداء..

 

من أطفالٍ وشيوخٍ، ونساءٍ، ودمٍ ودموع..

 

لن أنسى..

 

لن ننسى..

 

يوم قدمنا كوكبةٌ من الأُدباء والفنّانين..

 

والنقابيين والصحفيين..

 

لنبارك لكم نصركم المؤزَّر

 

على رصاص الصهاينة المسكوب..

 

على غزّة، وأهلها الشجعان..

 

الرصاص، الذي أمطر بيوتها، وساكنيها..

 

شوارعها، وشطآنها..

 

رمالها وأشجارها..

 

نساءها وأطفالها..

 

شيوخها وقبورها..

 

طيورها، وحمامها..

 

نوارسها، وعنادلها..

 

ولم تجزعُ..

 

وبقيت غزّةُ.. صامدةً صمود الصوان..

 

شامخةً شموخ الجبال..

 

وبقيتم صابرين، متشبثين..

 

بتراب أرضكم، وهواء سمائكم..

 

تقفون في وجه البنادق..

 

والرصاص والموت..

 

بعزيمةٍ لا تقهر..

 

بصدوركم العارية، تتصدّون للعدوان الهمجي الصهيوأمريكي، الغربي..

 

مُردِّدين معاً:

 

“لن نعترف بإسرائيل”..

 

لن نُغادرك يا أرضنا..

 

يا مسقط رؤوس أجدادنا، وأرواحنا..

 

سنبقى.. وسنبقى..

 

نقاوم.. ونقاوم..

 

إلى أن يتحقَّق النصر، ونعود إلى بيوتنا..

 

إلى فيءِ أشجارها..

 

إلى فلسطيننا..

 

وإلى قدسنا الشريف..

 

بعد أنْ نُطهِّره من رجس عدوّنا المغتصب..

 

سارق حياة أطفالنا.. آباءنا.. أُمّهاتنا..

 

وكلّ ما كنّا نمتلك..

 

هذا العدو الذي ما انفّك يعاود..

 

عدوانه الوحشي علينا..

 

من عام النكبة “١٩٤٨”

 

وإلى صبيحةِ السابع من أكتوبر

 

“طوفان الأقصى” /٢٠٢٣/ ..

 

والذي مازال مستمراً إلى صبيحة

 

يومنا هذا /٣١/٨/٢٠٢٤

 

إسماعيل هنيّة..

 

أبو العبد الطيِّب..

 

لن أنسى.. لا..

 

ولن ننسى..

 

الخبز والملح الذي كان بيننا، ظهيرة الوداع..

 

يوم /2010-09-23/

 

لا.. لن أنسى..

 

ولن ننسى..

 

تلك الثلاثة أيّام التى قضيناه معكم..

 

تحت سماء غزّة..

 

فوق ترابها الطهور..

 

وما تبادلناه من أحاديث..

 

عن الشعر، والأدب، والمقاومة..

 

والصمود في وجه المحتلّين الصهاينة..

 

ورعاتهم الأشرار..

 

أعداء الحياة..

 

أعداء الحُرِّيّة والإنسان..

 

قتلة الشعوب، والمحبّة والسلام..

 

الشهيد إسماعيل هنيّة..

 

من الشام إلى سماء طهران..

 

إلى حيث قضيتْ شهيداً..

 

نبارك لك موتك الجميل /شهادتك/

 

من هنا..

 

من أرض الشام..

 

نرفع لروحك أسمى آيات الحبِّ والوداع..

 

إسماعيل هنيّة..

 

من هنا..

 

من بحر اللاذقية..

 

التحيّة والمحبّة والسلام..

 

لك.. ولروحك النبيلة..

 

ولأرواح الشُّهداء الأطهار..

 

المجد والخلود، وجنان السماء..

 

النّصر والعزُّ والمجد لغزّة هاشم..

 

ولعموم أرض فلسطين..

 

والتي ما تزال تُردِّد..

 

قول شاعرها العظيم

 

محمود درويش:

 

على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة..

 

وعلى هذه الأرض سنظلُّ نُقدِّم قوافل الشُّهداء..

 

شهيداً تلو الشهيد، حتى يتحقَّق النصر، ونعود..

 

وتعود فلسطين.. حُرَّةً كريمةً مُحرَّرةً..

 

مُقدَّسةً من رِجْس الطُّغاة..

 

خالدةً خلود القمر..

 

خلود الشمس والحياة.

 

دمشق/ أيلول ٢٠٢٤

 

المصدر: الوفاق/خاص/ بديع صقور