عن شرف الخصومة

في عالم تتشابك فيه المصالح وتتصادم فيه الرؤى، تصبح الخصومة أمرًا لا مفر منه. لكن ما يميز الإنسان الراقي والمجتمع المتحضر ليس غياب النزاع، بل الطريقة التي يُدار بها هذا النزاع. ومن هنا تنبع أهمية ما يُعرف بـ”شرف الخصومة”، بوصفه مبدأ أخلاقيًا وقيميًا، وله امتداداته في القانون والسلوك العام.

المجتمعات المتقدمة تربي أبناءها على مهارات حل النزاع بشكل راقٍ، وتُدرّس قيم النزاهة في الخلاف منذ الطفولة. أما في بعض مجتمعاتنا، فقد تحوّلت الخصومة إلى ساحة للانتقام الشخصي أو حرب إعلامية أو تحريض اجتماعي، مما يفتك بالنسيج الاجتماعي ويضعف الثقة بالمؤسسات…

 

في عالم تتشابك فيه المصالح وتتصادم فيه الرؤى، تصبح الخصومة أمرًا لا مفر منه. لكن ما يميز الإنسان الراقي والمجتمع المتحضر ليس غياب النزاع، بل الطريقة التي يُدار بها هذا النزاع. ومن هنا تنبع أهمية ما يُعرف بـ”شرف الخصومة”، بوصفه مبدأ أخلاقيًا وقيميًا، وله امتداداته في القانون والسلوك العام.

 

الخصومة ليست عداوة

 

الخطأ الشائع أن تُفهم الخصومة على أنها عداء شخصي أو كراهية مستحكمة، بينما الأصل أنها خلاف في الموقف أو الرأي أو المصلحة، يُفترض أن يُدار ضمن حدود الاحترام والعدل. فالقرآن الكريم، في أرقى نماذج التعبير عن شرف الخصومة، يقول: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ” (المائدة: هذا توجيه واضح بأن العدالة يجب أن تُحفظ حتى مع الخصوم، بل إن التزام العدل تجاه من يختلف معنا هو معيار للتقوى الأخلاقية.

 

البعد الأخلاقي

 

شرف الخصومة يعني أولًا النزاهة في الموقف، وثانيًا الامتناع عن التشويه والكذب والتشهير. الخصومة الشريفة لا تسمح باستخدام الأساليب الدنيئة من تشويه السمعة أو استغلال العيوب الشخصية أو الطعن في النوايا. ومن هنا، فإن خصمك ليس عدوك، بل شريكك في تجربة إنسانية تُختبر فيها قيمك.

 

وقد ضربت سِيَر الصالحين مثلًا في هذا، فكم من خصوم في الرأي كانوا إخوة في المودة. وكان الإمام الشافعي يقول: “ما ناظرت أحدًا إلا ووددت أن يُظهر الله الحق على لسانه دوني”. تلك هي الذروة الأخلاقية لشرف الخصومة.

 

البعد القانوني

 

من منظور قانوني، تتجلى أخلاق الخصومة في التمسك بوسائل مشروعة للدفاع، والامتناع عن تلفيق الأدلة أو كتمانها، واحترام خصمك أمام القاضي أو الرأي العام. القانون نفسه يفترض في أطراف النزاع حسن النية، ويعاقب من يتلاعب في الأدلة أو يسيء استخدام الإجراءات القانونية.

 

بل إن كثيرًا من الأنظمة القضائية تنص على مبدأ “حُسن النية في التقاضي”، وترى أن التعسف في استعمال الحق القانوني يعد صورة من صور سوء الخصومة، ويُرتب عليه المسؤولية المدنية وربما الجنائية.

 

الحاجة إلى ثقافة قانونية–قيمية

 

المجتمعات المتقدمة تربي أبناءها على مهارات حل النزاع بشكل راقٍ، وتُدرّس قيم النزاهة في الخلاف منذ الطفولة. أما في بعض مجتمعاتنا، فقد تحوّلت الخصومة إلى ساحة للانتقام الشخصي أو حرب إعلامية أو تحريض اجتماعي، مما يفتك بالنسيج الاجتماعي ويضعف الثقة بالمؤسسات.

 

من هنا، يصبح من واجب المؤسسات التربوية والدينية والقانونية أن تُعيد بناء مفهوم شرف الخصومة في الوعي الجمعي، بوصفه قيمة حضارية، لا رفاهية أخلاقية.

 

خلاصة

 

شرف الخصومة هو أن تختلف بكرامة، وأن تدافع عن حقك بعدل، وأن لا تسقط إنسانيتك وأنت تخوض معركة مبدئية. إن الخصومة الشريفة ليست فقط دليلًا على تحضر الفرد، بل على نضج المجتمع برمته.

 

ولعل أعظم ما يُقال في هذا الباب:

 

“إن الخصومة لا تبيح الظلم، ولا تبرر الانحطاط”.

 

المصدر: شبكة النبأ

الاخبار ذات الصلة