جيل يبحث عن الحقيقة.. فاحذروا أن يسبقكم الإلحاد إليه

دور المربِّي، والأب، والأم، والمبلِّغ هو مسؤوليَّة عظيمة لا تحتمل التَّأخير أو التَّهاون، فكلٌّ منهم مدعوّ ليكون حصنًا فكريًا يحمي أبناءنا من موجات الإلحاد النَّاعم التي تتسلل بخفاء لتنتزع من أرواحهم بوصلة الإيمان ومعالم الهويَّة. فلنصغِ إلى أسئلتهم بقلوب رحيمة، ونرافقهم في رحلتهم نحو الفهم بثبات ورفق، ونغرس فيهم...

دور المربِّي، والأب، والأم، والمبلِّغ هو مسؤوليَّة عظيمة لا تحتمل التَّأخير أو التَّهاون، فكلٌّ منهم مدعوّ ليكون حصنًا فكريًا يحمي أبناءنا من موجات الإلحاد النَّاعم التي تتسلل بخفاء لتنتزع من أرواحهم بوصلة الإيمان ومعالم الهويَّة. فلنصغِ إلى أسئلتهم بقلوب رحيمة، ونرافقهم في رحلتهم نحو الفهم بثبات ورفق، ونغرس فيهم…

 

في زاوية من زوايا غرفته، يجلس مراهق غارق في الصَّمت، يحدِّق في السَّقف وكأنَّما يسائله عن معنى وجوده. تساؤلات كبرى تتقاذفها عزلته: من أنا؟

 

ولماذا وُجدت؟

 

وهل هناك من يسمعني غير هذا الفراغ الصَّامت؟

 

ها هو يُقلِّب هاتفه المحمول، باحثًا عن إجابات بين المقاطع القصيرة والعناوين اللافتة؛ فإذا به شيئًا فشيئًا يغرق في تيَّارات الشَّكِّ والتَّشكيك، لا تأتيه في هيئة عدوٍّ للدِّين؛ ولكن تتسلَّل إليه متزيِّنةً بأقنعة برَّاقة تحمل أسماء مثل “العقلانيَّة” و”الحريَّة في التَّفكير”، فيما هي تمهِّد له طريق الضَّياع من دون أن يشعر.

 

ذلك ما يسمَّى اليوم بـ”الإلحاد النَّاعم”؛ موجة فكريَّة لا تهاجم الإيمان بصوت مرتفع؛ لكنَّها تنزعه من القلوب بهدوء، وتُقصي الله (تعالى) عن المشهد بتهميشه وتقديم الدِّين على أنَّه عبء، لا يتماشى مع “العصر”، ولا يجيب عن تساؤلات العقل الحديث. ويظهر في هيئة محاضرات علميَّة، ومشاهد دراميَّة، وتعليقات ساخرة، ومعلومات مبسَّطة تغزو أذهان الشَّباب عبر وسائل التَّواصل، وتدخل بسلاسة إلى وجدانهم، حتَّى يُصبح الله (سبحانه) فكرة قديمة لا حاجة لها.

 

وتتَّضح خطورة هذا الإلحاد المتخفي حين يستهدف مرحلة المراهقة؛ تلك المرحلة المفصليَّة التي تتكوَّن فيها الهويَّة، وتبدأ فيها النَّفس بالتَّمرُّد على المألوف، والتطلُّع إلى معنى أعمق للوجود؛ فهذه المرحلة ساحة خصبة لصراع خفيّ بين الإيمان والشَّك، وبين الحاجة إلى الانتماء والجرأة على الرَّفض، وبين صوت الفطرة الذي يبحث عن الله (جلَّ جلاله)، وهمسات العالم الرَّقمي الذي يروِّج للفصل بين الإنسان وربِّه (تبارك وتعالى).

 

وينبغي التنبه إلى حقيقة أننا في هذا الصِّراع، لا يكفي أن نلوم مَنْ يسأل؛ وإنَّما ينبغي أن نصغي إليه ونفهم دوافعه، حتَّى لا تُختطف عقول السَّائلين إلى فضاءات التَّيه؛ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: “بَادِرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ الْمُرْجِئَةُ”؛ أي علِّموهم منذ نعومة أظفارهم، ومع أوائل تفتح عقولهم وتمييزهم، حديثَ أهل البيت (عليهم السلام)، واغرسوا في قلوبهم حبَّ الأئمة ومعرفة التَّشيُّع، قبل أن تمتدَّ إليهم أيدي الضَّلال، وقبل أن تُشوّه فطرهم النَّقية بأباطيل المخالفين، فإنّ النفوس إذا استُدرجت إلى الباطل صعب ردّها عنه بعد ذلك.

 

المحور الأوَّل: ملامح الإلحاد النَّاعم في حياة المراهقين

حين نتأمَّل في بعض العوالم التي تحتضن المراهق اليوم، ندرك أنَّه يعيش وسط فضاء إعلامي وثقافي كثيف، لا يُطرح فيه سؤال عن الله (تعالى)، وينشأ –من حيث لا يدري– على اعتياد الغياب الإلهي؛ فالإلحاد النَّاعم لا يقتحم ذهنه على هيئة أطروحة فلسفيَّة صارمة، وإنَّما يتسلَّل بخفَّة إلى تفاصيل حياته اليوميَّة، فيتخفَّى في ألعابه، وأفلامه، وأحاديثه العابرة، ويزرع الشَّك في صورة ترفيه، ويجتثُّ القداسة متزيِّنًا بشعارات “العلم” و”الحريَّة”.

 

وهكذا إذا دققنا في ألعاب الفيديو الحديثة يغيب الله (تعالى)، ويُستبدل بالإنسان ذاته؛ ذلك، البطل الخارق الذي يغيِّر مصير العالم، أو الكائن المتطوّر الذي يخلق الحضارات ويهزم قوانين الطَّبيعة. وأمَّا في أفلام الخيال العلمي والأنيمي، يُقدَّم الإنسان بوصفه المخلِّص الأوحد، أو تُبنى العوالم من دون حاجة لخالق، ولا نحتاج إلَّا لتقنيات تُنتج المعجزات. وبهذا التَّصوير، يُزرع في وعي المراهق أنَّ الكون مكتفٍ بذاته، وأنَّ الحياة تمضي ولا نحتاج إلى إله يُعبد أو يُتَّبع.

 

ويزداد خطر هذا التَّسلل بشكل كبير حين تخلو السَّاحة الفنيَّة والشَّبابيَّة ممَّن يجسد الإيمان في صورته الجذَّابة والملهمة، فتغيب القدوة الدِّينيَّة التي تحمل في ملامحها جمال الفكر وروعة الإبداع. ونادرًا ما يلتقي المراهق، عبر الإعلام أو منصَّات التَّواصل، بشخصيَّة تجمع بين التَّدين والوعي والإبداع، شخصيَّة تشعره بأنَّ الإيمان هو سبيل للنضج والتَّفرد. ومع غياب هذه القدوات، يبدأ في ترسيخ فكرة خاطئة مفادها أنَّ التَّدين مرادف للتَّخلف، وأنَّ الله (تعالى) غائب عن معادلات النَّجاح والسَّعادة. ويرافق هذا كلّه حملة ناعمة تبثُّ المفاهيم الماديَّة على أنَّها التَّحرر والتَّقدُّم، فكلُّ حديث عن الدِّين يبدو ثقيلًا، وكلُّ إشارة للوحي تبدو كأنَّها قيدٌ على العقل. وتُقدَّم اللذَّة الفوريَّة على أنَّها المعنى الأسمى للوجود، فيما تصبح القيم والأخلاق مسألة نسبيَّة لا تتجاوز المزاج والرَّغبة.

 

ويُتوَّج هذا المسار بخطاب يرفع من شأن العقل؛ لكنَّه عقل منقطع عن نوره الأصيل. ويُقال للمراهق: فكِّر، من دون أن يُرشد إلى كيفيَّة التَّفكير، أو إلى الميزان الذي يُميِّز به بين الصَّواب والزَّلل. فيُترَك عقله يدور في فراغه الخاص، مطالبًا بأن يصوغ وحده منظومة الأخلاق والحقيقة، من غير هدى ولا مرجعيَّة. وحين تأتي اللحظة التي يعجز فيها العقل عن الإجابة، لا يجد القلب مأوى أو طمأنينة؛ إذ إنَّ الوحي، الذي كان يمكن أن يكون النُّور والملاذ، قد أُقصي منذ البدء.

 

إنَّ هذه الملامح مترابطة في صناعة واقع ثقافي يهمِّش الله (تعالى) بذكاء، ويشكِّل عقل المراهق على نمط لا ينكر الدِّينَ صراحة؛ وإنَّما يجعله غريبًا عن وجدانه.

 

المحور الثَّاني: لماذا المراهق أكثر عرضة لهذا النَّوع من الإلحاد؟

ليس من قبيل الصدفة أن يكون المراهق هو الهدف الأوَّل لسهام الإلحاد النَّاعم؛ فهذه المرحلة العمريَّة هي زلزلة فكريَّة وشعوريَّة، يتغيَّر فيها موقع الذَّات من التَّبعيَّة إلى الاستقلال، وتبدأ فيها الأسئلة بالاصطفاف خلف جبهة الشَّكِّ، باحثة عن هويَّة ومعنى ومكان في هذا العالم المتسارع.

 

في هذه المرحلة الحسَّاسة، يتطلَّع المراهق إلى الانفصال عن وصاية الكبار، والسَّير على درب خاص نحو الذَّات؛ فالمراهق يسعى لتأكيد ذاته عبر الاختيار، حتَّى لو خالف السَّائد. وهذا الميل للاستقلال يجعل كثيرًا من المسلَّمات –ومنها الإيمان الدِّيني– موضع تساؤل؛ لأنَّ النَّفس المراهقة ترى في قبولها بلا مراجعة نوعًا من التَّبعيَّة. وهنا، يتلاقى هذا الميل الطبيعي مع نَفَس الإلحاد النَّاعم، الذي يقدِّم الشَّكَّ على هيئة ذكاء، ويصوّر التَّمرد على شكل تحرُّر فكري.

 

إضافة إلى ذلك، فإنَّ المراهقة هي السن التي تتفجَّر فيها الأسئلة الكبرى: من خلقني؟

وما هدفي؟

ولماذا هناك ألم؟

وهل ما أراه من ظلم في العالم يتوافق مع وجود إله عادل؟

… وإذا لم يجد المراهق إجابات صادقة، عميقة، ومحترِمة لعقله من بيئته القريبة –الأسرة، والمدرسة، والمجتمع– فإنَّ أوَّل من يمدُّ له يد “الإجابة” سيكون الإعلام المفتوح، أو صانع محتوى يستند إلى منطق ظاهري جذَّاب؛ لكنَّه مسموم. وتزداد الخطورة حين تكون الأرضيَّة الدِّينيَّة التي نشأ عليها هشَّة، إمَّا لأنَّها قامت على التَّلقين لا الفهم، أو لأنَّها ركَّزت على الطقوس من دون المعنى، أو لأنَّها لم تُشبع الجانب العاطفي والفكري معًا.

 

ولا يمكن إغفال أثر ضغط الأقران، وهو من أعمق المؤثِّرات في تشكيل وجدان المراهق؛ فحاجته إلى الانتماء لمجموعة تمنحه شعور القبول والقيمة قد تدفعه للتخلي عن قناعاته، أو على الأقل إخفائها. فإن شعر أنَّ تمسّكه بها سيجعله يبدو “متخلِّفًا” أو “خارج العصر”، بدأ بالتراجع عنها خجلًا لا اقتناعًا. وفي هذه النقطة لا يحتاج الإلحاد النَّاعم إلى جدلٍ عقلي معقَّد، ويكفيه أن يُلبس الإيمان ثوب “الموضة القديمة”، وأن يُقدَّم كسر الحدود بوصفه حريَّة، لا التزامًا. وهكذا، ينحرف المسار بهدوء، ولا يحتاج إلى صخب النقاشات الفلسفيَّة أو إعلانات الكفر، وإنَّما بانسحاب صامت من ساحة الإيمان، اسمه: اللامبالاة.

 

إنَّ قابليَّة المراهق للوقوع في شباك الإلحاد النَّاعم تعبير عن عمق إنساني يبحث عن المعنى. لكن إذا لم نحط هذا العمق بالعناية، وإذا لم يجد المراهق من يرافقه بلطف في رحلة الأسئلة، فإنَّ من سيجالسه – عاجلًا أو آجلًا – هو من يقدِّم له أجوبة جذَّابة؛ ولكنَّها ملوثة بالمغالطات؛ وفي هذا المجال قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): “وَإِنَّمَا قَلْبُ الْـحَدَثِ كَالأَرْضِ الْـخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ”(2).

 

المحور الثَّالث: العلامات التَّحذيريَّة على بداية الانجراف

في مسيرة المراهقين الفكريَّة، ثمَّة إشارات دقيقة قد تدلُّ على بداية انزلاقهم نحو ممر الإلحاد النَّاعم، ولا تتطلَّب بالضَّرورة صراخًا أو انكشافًا صريحًا؛ لكنَّها علامات صامتة تنذر بحالة من التَّوتر النَّفسي والفكري. والانتباه إلى هذه العلامات تتيح لنا التَّدخل المبكِّر قبل أن تتعمَّق الهوة بين المراهق وإيمانه؛ ومن أبرز هذه العلامات، الأسئلة الوجوديَّة الحادَّة التي تبدأ تستفز ذهنه بحدَّة، مثل: من خلق الله؟

 

أو لماذا يسمح الله بوجود الشَّر والظلم في العالم؟

 

وهذه الأسئلة في كثير من الأحيان دليل على حالة من الحيرة والتَّحدي الفكري الطَّبيعي؛ لكنَّها تصبح إنذارًا حين تُطرح بلا قدرة على التَّواصل معها أو الإجابة عليها بطريقة توضح حكمة الإيمان وتثبِّت اليقين.

 

وممَّا يزيد من هذه المؤشرات النُّفور المتزايد من المظاهر الدِّينيَّة، أو حتَّى السخريَّة منها. وقد يتحوَّل التَّردد الأوَّلي في أداء العبادات إلى رفض واضح، أو مواقف تهكميَّة من الطقوس والاحتفالات الدِّينيَّة. وهذه السخريَّة التي بدأت أوَّلًا كملاحظةٍ تهكُّميَّة، تتحوَّل إلى جدار عازل بين المراهق والإيمان، تعبيرًا عن انزعاج يحاول التَّملُّص من قيودٍ يراها ثقيلة.

 

كما أنَّ الانغماس في العزلة الإلكترونيَّة، وتبديد الوقت بين وسائل التَّواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونيَّة، ومتابعة المحتوى المتنوِّع، يُعدُّ من الإشارات الدَّالة؛ خاصَّة حين يصبح المراهق غير مكترث للعبادات أو حتَّى للعلاقات الاجتماعيَّة الواقعيَّة، ويزداد تعلُّقه بعالمٍ افتراضي يقدِّم له إجاباتٍ مبسَّطة أو يمنحه ملاذًا مؤقَّتًا، فتكون هذه مؤشِّرًا خطيرًا يستدعي التَّدخُّل.

 

وممَّا يلفت الانتباه الإعجاب المتزايد بشخصيات ملحدة أو مشككة، خاصَّة إذا كان هذا الإعجاب يرافقه تقليد لأقوالهم، أو نشر محتواهم، أو الدِّفاع عن أفكارهم. وهنا تبدأ عمليَّة تحول الهويَّة الفكريَّة إلى ما يشبه التَّبني الكامل لمبادئ الإلحاد النَّاعم.

 

إنَّ هذه العلامات مجتمعة، أو حتَّى بوجود بعضها فقط، تستدعي منَّا اليقظة، والحوار المفتوح، والتَّواصل الصَّادق، والرعاية الفكريَّة، كي لا يُترك المراهق وحده يبحر في عواصف شكوكه، ويواجه إغراءات الإلحاد النَّاعم بلا مرشد أو ملجأ.

 

المحور الرَّابع: كيف نحمي عقول المراهقين؟

1. تربويًّا: حماية عقول المراهقين من الانجراف إلى الإلحاد النَّاعم تبدأ من بيئة تربويَّة صادقة ومرنة، تنبني على أسس العلاقة الإنسانيَّة الحقيقيَّة، لا على التَّسلط أو الإملاء؛ فالمراهق، في مرحلة البحث عن الذَّات، يحتاج قبل كلِّ شيءٍ إلى أن يشعر بأنَّ هناك من يسمعه ويفهمه، ومن يصغي إليه بصدر رحب ويمنحه حريَّة التَّعبير عن أفكاره ومشاعره.

 

لذلك، من الضروري أن تقوم العلاقة بين المراهقين وأولياء أمورهم أو معلميهم على الصَّداقة والاحترام المتبادل. وليست الصَّداقة هنا تفريطًا في الانضباط، وإنَّما وسيلة لفتح قنوات الحوار وكسر الحواجز التي قد تمنع التَّواصل الصَّادق؛ فعندما يشعر المراهق أنَّ صوته مسموع، وأنَّ أفكاره تلقى تقديرًا لا استهزاءً أو قمعًا، ينمو لديه شعور بالأمان الفكري، ويصبح أكثر استعدادًا للمشاركة والانفتاح بدلًا من الانغلاق والانكفاء.

 

ولا ينبغي النَّظر إلى تساؤلات المراهق على أنَّها تمرد سلبي، وإنَّما يُفترض التَّعامل معها، وأنَّها علامة صحيَّة على وعي متنامٍ وحبٍّ للاستكشاف. ومن المهم تشجيعه على طرح الأسئلة والسَّعي لفهم الإجابات، مع توجيهه إلى أنَّ الهدف من السُّؤال هو الوصول إلى الفهم الحقيقي، لا لفت الانتباه أو إثبات التَّفوق.

 

كما ينبغي إعادة ربط الدِّين بمشاعر الحبِّ والرَّحمة، لا أن يُقدَّم من خلال الخوف وحده؛ فالكثير من المراهقين الذين ابتعدوا عن الدِّين كانوا يحملون تصوّرات قاسية ترتبط بالعقاب والجمود، فلم يروا في الإيمان سبيلًا إلى السَّكينة أو مصدرًا للقوَّة النَّفسيَّة، وغابت عنهم معاني الطَّمأنينة، وثقلت أرواحهم بما ظنُّوه تقييدًا لا تحريرًا. وهذا يتنافى مع جوهر الدَّعوة الإلهيَّة التي قال عنها (تعالى): (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (3)؛ فالحكمة والموعظة الحسنة تفتح القلوب، وتعيد للإيمان وجهه المشرق الذي يطمئن الأرواح ولا ينفِّرها.

 

2. فكريًّا: إلى جانب التَّربيَّة، يحتاج المراهق إلى دعم فكري يُمكِّنه من مواجهة الأسئلة التي تملأ ذهنه، وأوهام الإلحاد النَّاعم التي تحاول إقناعه بأنَّ الدِّين “غير منطقي” أو “غير متجدد”؛ لذلك، من الضَّروري أن نقدَّم له أجوبة عقلانيَّة واضحة؛ لكنَّها عميقة في معناها، وتخاطب عقله وتُثبِّت إيمانه بطريقة غير تقليديَّة، تتجاوز الحفظ والاقتباس إلى الفهم الحقيقي.

 

مثلاً، يمكن أن نبدأ بالحديث عن “دليل النِّظام” على وجود الله (تعالى)؛ لأنَّه لا يحتاج إلى تعقيد فلسفي أو تأمُّلات بعيدة، ويكفي أن نفتح أعيننا على ما حولنا، فنرى أنَّ هذا العالم –بكلِّ تفاصيله الكبيرة والدَّقيقة– يخضع لنظام دقيق وتناسق مدهش، لا يمكن أن يكون وليد الصُّدفة أو نتاج الفوضى.

 

 

المصدر: وكالات