ويحظى تطوير وتوطين تكنولوجيا أفران تنمية “البلورات الكهربائية” في البلاد، كأحد البنى التحتية الحيوية في مجال علم المواد والتقنيات النووية والدفاعية الحديثة والسلمية، باهتمام جدي في معهد علوم وتقنيات الطاقة النووية الإيراني.
ويعتقد الخبراء أن الوصول إلى هذه التكنولوجيا يشكل نقطة ارتكاز للعديد من الصناعات المتقدمة في العالم، كما يلعب دورًا أساسيًا في مجالات حيوية مثل صناعات الفضاء والطب النووي وأنظمة الرادار والإلكترونيات الضوئية.
* أهمية المواد البلورية في التطور العلمي والتقني العالمي
تُعرف حاليًا معرفة وهندسة البلورات Crystallography كواحدة من أهم فروع العلوم الأساسية والتكنولوجيا. وقد أدى التقدم في مجال المواد البلورية إلى تطوير المكونات البصرية وأشباه الموصلات وأجهزة الليزر وكواشف الإشعاع، وكذلك إلى توسع تقنيات المعلومات.
وتلعب المواد البلورية مثل YAG “جرانيت الألومنيوم والإيتريوم” دورًا محوريًا في تصنيع أجهزة الليزر الصناعية، بينما تُستخدم البلورات الهاليدية والفلوريدية ككاشفات حيوية في الطب النووي وأجهزة الكشف النووية.
* شرح الإنجاز والمواصفات الفنية
يُعتبر إنتاج بلورات كبيرة ونقية ذات تراكيب دقيقة اليوم حجر الأساس في تطوير الصناعات المتقدمة، وفي قطاعات صناعية حيوية مثل الاتصالات، وأنظمة الرادار والحرب الإلكترونية، وتصنيع الهوائيات وأجهزة الاستشعار الحساسة، ومعدات الليزر وتقنيات الفضاء، بالإضافة إلى أنظمة البصريات الإلكترونية الدفاعية، ويعد استخدام بلورات عالية الجودة أمراً بالغ الأهمية.
وعادة ما يتم تنمية البلورات باستخدام أفران كهربائية وبتقنيات متنوعة مثل: طريقة تشوخرالسكي Czochralski، وطريقة بريدجمان Bridgman وغيرها، وعلى سبيل المثال، تُعد طريقة تشوخرالسكي CZ الأكثر أهمية في إنتاج بلورات السيليكون فائقة النقاء لصناعات أشباه الموصلات.
* الخطوات القادمة وآفاق التطور التكنولوجي في إيران
يُعدّ تحسين الأفران والمعدات لتنمية بلورات YAG – خاصة للاستخدام في أجهزة الليزر والومضات “المطلوبة لكواشف الإشعاع” – من الأولويات البحثية، كما أن تطوير القدرة على إنتاج بلورات LiF (Mg,Ti) التي تُعد من المواد الأساسية في صناعة مقاييس الجرعات الإشعاعية الحرارية TLD، مدرج على جدول الأعمال.
وتشير نظرة سريعة إلى أبحاث معهد فراونهوفر في ألمانيا وجامعة MIT الأمريكية إلى أن هذه البنى التحتية تشكل الأساس لتصنيع العديد من المعدات التصديرية والدفاعية في الدول المتقدمة تكنولوجياً.
* السوق المستهدفة والتطبيقات الرئيسية
يُشكّل إنتاج الهاليدات القلوية ذات الأحجام الكبيرة “بدرجة انصهار تصل إلى 1600 درجة مئوية” والبلورات شبه الموصلة ذات درجات الانصهار المنخفضة نسبياً “~950 درجة” جزءاً رئيسياً من سوق المعدات الطبية، وكواشف الإشعاع النووي بما في ذلك GE(Li)، NaI(Tl)، BaF2، LiF(W) بالإضافة إلى الصناعات الإلكترونية والليزرية عالمياً.
وتشير التقارير إلى أن القيمة السوقية العالمية للبلورات الوميضية وأجهزة الكشف ستشهد نمواً ملحوظاً بحلول عام 2030، حيث ستلعب الدول التي تنجح في توطين هذه التكنولوجيا دوراً محورياً في تصدير المعدات الطبية والنووية والدفاعية.
ويُعدّ تطوير تكنولوجيا أفران تنمية البلورات الكهربائية دعامة موثوقة للتكنولوجيات الدفاعية، بالإضافة إلى فعاليتها السلمية والصناعية. ويمثل هذا الإنجاز أحد مكونات القوة العلمية والتقنية للبلاد، وسيلعب تعزيزه دوراً خاصاً في تقليل الاعتماد، ونمو الصادرات التكنولوجية، ودعم الصناعات الدفاعية والنووية.
وتشير التقارير المنشورة من مصادر دولية موثوقة إلى أن السوق العالمية لأنواع الأفران وأنظمة تنمية البلورات Crystal Growth Systems ستشهد نمواً ملحوظاً خلال العقد المقبل، حيث تجري حالياً منافسة شديدة بين الدول المتقدمة لاحتلال حصة أكبر في هذا السوق.
ووفقاً للبيانات المنشورة من مصادر مختلفة، بلغت قيمة سوق معدات تنمية البلورات في عام 2023 ما يقارب 5/1 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2033. وقد تم تقدير معدل النمو السنوي المركب CAGR لهذا السوق للفترة من 2024 إلى 2033 بنحو 8/7%، مما يعكس اتجاهًا تصاعديًا للطلب في الصناعات القائمة على التقنيات المتقدمة.
وفي الوقت نفسه، تشير التقارير إلى أن القيمة الإجمالية للسوق العالمية للبلورات “بما في ذلك التطبيقات الإلكترونية والبصرية والزخرفية وغيرها” بلغت في عام 2024 حوالي 57/4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 44/6 مليار دولار بحلول عام 2033، حيث يُظهر هذا النمو معدلاً سنوياً يقارب 9/3%.
وتتركز الاستخدامات الرئيسية لهذا السوق في مجالات أشباه الموصلات، البصريات الإلكترونية، الفضاء والدفاع، المعدات الطبية النووية، الطاقات المتجددة، الليزر ومعدات الاتصالات.
ويعد تطوير التقنيات الحديثة التي تتطلب بلورات عالية النقاء والدقة، إلى جانب النمو المتزايد في إنتاج معدات الليزر وكواشف الإشعاع، بالإضافة إلى حركة الأسواق العسكرية والفضائية، من أهم محركات هذا النمو.
وتشمل الطرق الشائعة عالمياً لتنمية البلورات تقنيات مثل: تشوخرالسكي CZ، وبريدجمان، والمنطقة العائمة Floating Zone، حيث تمتلك كل تقنية منها دولاً وشركات رائدة متخصصة فيها.
ومن الناحية الجغرافية والتنافس الإقليمي، تحتل منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر حصة سوقية وأسرعها نمواً، حيث تستحوذ دول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية على حصة كبيرة في هذه الصناعة، وذلك بفضل البنى التحتية الضخمة، والدعم الحكومي الكبير، ووجود شركات دولية فاعلة.
أما أمريكا الشمالية والدول الأوروبية، فعلى الرغم من سيطرتها على جزء مهم من السوق والتقنيات المرتبطة به، إلا أنها تواجه تحديات تنافسية تقنية، خاصة في مواجهة التقدم الآسيوي المتسارع.
تجدر الإشارة إلى تفوق آسيوي واضح في معدلات النمو، وتحول موازين القوة التكنولوجية نحو الشرق، واشتداد المنافسة في مجال الابتكارات التقنية.
وتضم شركات مثل GT Advanced Technologies “الولايات المتحدة” وSumitomo Electric “اليابان” وAXT وSaint-Gobain “فرنسا” بين أبرز اللاعبين في هذا السوق. وفي منطقة الشرق الأوسط وبالأخص إيران، لا يزال التواجد في السوق العالمية محدوداً؛ لكن البلاد تمتلك القدرة على تعزيز مكانتها في التطبيقات الاستراتيجية والصناعات الدفاعية والطبية نظراً لامتلاكها قدرات تقنية وعلمية وتركيزها على تطوير وتوطين التكنولوجيا.
ويُقدّر سوق معدات تنمية البلورات في عام 2024 بـ5/1 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2033 “بمعدل نمو سنوي 8/7%”، بينما يُتوقع أن يرتفع السوق العالمي للبلورات من 57/4 مليار دولار في 2024 إلى 44/6 مليار دولار في 2033 “بمعدل نمو سنوي 9/3%”، وتتصدر دول شرق آسيا، خاصة الصين واليابان، هذا السوق بشكل ملحوظ.
وتمثل إيران فرصاً هامة في تطوير علوم المواد البلورية وأشباه الموصلات لتعزيز القدرات المحلية في مجالات الدفاع والليزر والمعدات الطبية، وهذه التطورات يمكن أن تسهم في خفض الاعتماد على العملات الأجنبية، كما تتيح فرصاً لخلق ميزة تصديرية خاصة في منطقة غرب آسيا.
في الختام، يمكن القول أن السوق العالمية لأنظمة تنمية البلورات تشهد تطوراً سريعاً وملموساً، حيث تهيمن الدول الآسيوية وخاصة الصين واليابان على هذا المجال بشكل واضح، وفي حال استمرار إيران في دعم الأبحاث العلمية والاستثمار في البنى التحتية ومساندة الشركات القائمة على المعرفة، فإنها ستكون قادرة على تحقيق حصة أكبر في مستقبل هذا السوق، لاسيما في المجالات الاستراتيجية مثل الدفاع والطاقة النووية والطب.
