الأربعين هو معيار لأولئك الذين يحملون في قلوبهم حلم العدالة. هذا التجمع العظيم يحمل رسالة السلام، التضامن، ومناهضة كل أشكال التمييز والظلم. إنه يُظهر كيف يمكن لملايين البشر من معتقدات وثقافات مختلفة أن يجتمعوا حول محور واحد. الأربعين هو تجلٍّ لحركة إنسانية وروحية عظيمة، تجذب سنوياً قلوباً كثيرة نحوها. هذه الظاهرة الفريدة ليست مجرد حدث ديني، بل مؤشر عميق لقياس صفاء الفطرة ويقظة الضمير.
وسط ضجيج الحياة الحديثة وانشغالات الدنيا، يوفر الأربعين فرصة فريدة للإنسان كي يتحرر من غبار الرتابة ويعود إلى جوهر وجوده. كأن نداءً من أعماق التاريخ يدعو الزائرين إلى رحلة داخلية، يسيرون فيها على درب الحقيقة بأقدام قلوبهم، ليغرقوا في محيط لا نهائي من حب الحسين(ع).
مع نهاية شهر محرّم وبداية شهر صفر، يعمّ الحماس والبهجة أجواء السفر نحو المسيرة الأربعينية في كل مكان. في هذا المقال، تم تقديم مجموعة من الكتب التي تتناول موضوع أربعين الإمام الحسين(ع) والسفر إلى كربلاء المقدسة. كتبٌ تأخذك بقلبك قبل أقدامك، لتكون ضيفًا على شاي العراقيين ومواكبهم المفعمة بالصفاء والكرم.
كتاب «إحضارية» أي «الاستدعاء» هو أحدث رواية للكاتب المعاصر الموهوب علي موذني. تستند هذه القصة إلى رحلة الكاتب إلى كربلاء المقدسة ومشاركته في مسيرة الأربعين. الرواية ذات مضمون ديني، وتتنقل بين الماضي والحاضر لتروي حياة صحفي يُستدعى للسفر إلى كربلاء المقدسة، لا يُدعى إليها بل يُستدعى. في «الاستدعاء»، نتعامل مع أحوال زائر الإمام الحسين(ع). تدور القصة حول مسعود، صحفي متردد في الذهاب إلى كربلاء المقدسة، لكنه في النهاية يقرر السفر بناءً على اقتراح من أخته. وخلال الرحلة، يدرك مسعود أنه لم يأتِ بإرادته، بل تم استدعاؤه.
كتاب «خَس بي سر وبا» أي «شوكة بلا جذور» هو سرد لحكاية مراقب قضى سنوات طويلة يراقب الأحداث من أعلى برج المراقبة، وها هو اليوم يمسك بالقلم من جديد ليخوض غمار الحدث ويروي من داخله. في هذا السفر الروحي، لا يزال حسام غارقًا في أجواء الحرب، وكل مشهد يراه يوقظ في ذاكرته ذكريات المعارك، مما يجعل الجمع بين هذين السردين في كتابه أكثر جاذبية. إنه سفرٌ استطاع أن يربط بين ذكريات الدفاع المقدس والمسيرة الأربعينية، ليقدم مشهدًا آخر من هذه المناسبة العظيمة.
رحلته مليئة بالأحداث، حتى إن كل واحد من ملايين المشاركين لو عاد إلى بيته وبدأ بالكتابة، لكان لديه الكثير من القصص غير المروية. قصصٌ يراها كل زائر بعينيه، لكنها تتجلى لكل منهم بشكل مختلف حسب حالته النفسية.
إنها رحلة الأربعين، رحلة غامضة لأولئك الذين يبحثون عن الإشارات.
رحلة، رغم ما فيها من ذكريات مشتركة كالمشي في الطريق، والضيافة، ومديح محمد الجنامي بندائه الشهير «حسين حسين»، تبقى مليئة لكل فرد بأحداث غريبة وفريدة. ذكريات، رغم صعوبتها أحيانًا، إلا أن حلاوتها سرعان ما تتجلى في أفواه السائرين في طريق الامام الحسين(ع).
زيارة الأربعين، في كل عام، تأتي في خضم الحياة اليومية المليئة بالمشاكل، كقارب نجاة يأخذ بيدك ويضعك في ميناء الأمان، عند الامام الحسين(ع).
مكان لطالما اشتاق إليه مقاتلو وطننا، الذين قضوا ثماني سنوات يحترقون شوقًا للوصول إلى ذلك المرقد الشريف، يضربون الصدور، يبكون، يهتفون «كربلاء كربلاء نحن قادمون»، ويرحلون إلى السماء في لحظة الشهادة. واليوم، أحد أولئك الشهداء الأحياء، الذي كُلّف بعد الحرب بكتابة رواية النصر لتلك السنوات المجيدة، يسير في طريقٍ طالما اشتاق إليه رفاقه الشهداء ولم يبلغوه.
يسير الآن، مستحضرًا ذكراهم، وذكريات معاركه، من النجف إلى كربلاء، ويقول عن نفسه إنه كـ«شوكة بلا جذور» في بحرٍ ينتهي بمحيط الحسين(ع): «أنا شوكة بلا جذورٍ، جرفني السيل ذاك الذي مضى، أخذني معه إلى أعماق البحر».
بحرٌ كل لحظة فيه وكل زاوية تذكّره بالحرب المقدسة. من لحظة ركوبه الحافلة التي ذكّرته بالتوجه إلى الجبهة، إلى التأخر، والضياع، والمواقف الصغيرة التي جعلت من هذا السفر سردًا فريدًا بطعم الدفاع المقدس.
«موكب أمستردام» يمكن وصفه أيضًا كمجموعة من القصص القصيرة. في هذا العمل، يجمع الكاتب روايات لأشخاص انطلقوا من قلب أوروبا وانضموا إلى قافلة الأربعين للإمام الحسين(ع)، ليصوغ منها مجموعة قصصية. هؤلاء الأشخاص يظهرون واحدًا تلو الآخر أمام القارئ، يروون قصصهم: لماذا ذهبوا إلى أوروبا، وكيف أصبحوا من زوار الأربعين. لكن للأسف، فإن الروايات في هذا الكتاب موجزة جدًا، وأحيانًا لا تتجاوز صفحتين أو ثلاث، رغم أن من الواضح أن أحداثًا كثيرة قد وقعت لهؤلاء الرواة. هناك تفاصيل جذابة وخاصة لم يتم التطرق إليها. بعض هذه القصص تمتلك القدرة على أن تتحول إلى كتب مشوقة وناجحة تتجاوز 200 صفحة. كان من الممكن أن تنبثق من هذه الروايات كتب ناجحة مثل «ذكريات السفير» أو «قرية التراب على الرأس». وقد نُشر هذا الكتاب عن طريق دار النشر «عهد مانا»، وهي دار نشر ناجحة، محبوبة لدى الشباب، ومبتكرة في مجالات الثقافة والأدب والتاريخ، وقد نشرت حتى الآن كتبًا بارزة وناجحة.
كتاب «به سفارش مادرم» أي «بناءً على توصية والدتي»، قرأ أحسان حسيني نسب كتاب «روايات من مهمة عائلية في العراق»، وهو من تأليفه. هذا العمل عبارة عن مجموعة تضم أكثر من عشرين قصة ورواية، كتبها المؤلف خلال مشاركته في مسيرة الأربعين في العراق عام 2016 م. في ذلك العام، وكان عمره 29 عامًا، اقترح عليه أصدقاؤه المصورون أن يرافقهم في هذه الرحلة إلى كربلاء المقدسة. لم يكن لديه رغبة خاصة في المشاركة، وفضّل أن لا يذهب إلى كربلاء في فترة ازدحام الأربعين. ومع ذلك، وبفضل تشجيع والدته واعتبار الرحلة مهمة عائلية، قرر أن يشارك.
خلال هذه الرحلة، قام أحسان بجمع وكتابة روايات من الزوار وأصحاب المواكب الحسينية. تتناول هذه الروايات تجارب الزوار الذين واجهوا أحداثًا مختلفة خلال رحلتهم إلى كربلاء في مناسبة الأربعين.
كتاب «سفرنامه با صاد» أي «رحلة بالصاد» هو كتاب من تأليف السيد مهدي موسوي، ويُعدّ مجموعة شعرية على نمط الشعر النيمائي، حيث عبّر الشاعر عن تجربة مسيرته في زيارة الأربعين مشيًا على الأقدام بلغة شعرية نابضة بالإحساس، واضعًا القارئ في قلب هذه الرحلة الروحية.
تتألف المجموعة من أربعين قصيدة، تمثل في الواقع أربعين منزلًا قطعها الشاعر خلال رحلته، ليحوّل كل مرحلة إلى مشهد شعري مليء بالعاطفة والتأمل. جاء في قسم منها: «سهل خطوات جابر وعطية احتضنه التراب لألف وأربعمئة ربيع، ولا يزال تحت جلده يحتفظ ببصمة قدميهما كما يحتفظ الدم الطازج بنداه». جاء في قسم منه: أول مسافري الأربعين لا يزالون يسيرون معنا مشيًا، أسأل عطية في خيالي: «جابر، قبل ألف وأربعمئة ربيع، كيف وجد قبر الصديق الغريب المجهول بعينٍ فقدت نورها؟ بأي بصيرةٍ اندفع نحو كربلاء المقدسة؟» وكان جواب عطية بكلمة واحدة: «برائحة تربة الامام الحسين(ع)».