في أربعينية استشهاد محمد سعيد إيزدي المعروف بـ«حاج رمضان»، أحد القادة البارزين في محور المقاومة، نشر السيد محمد هاشمي، رئيس منظمة «أوج» الفنية الإعلامية، مذكرة تناول فيها مواقف وتوجهات هذا الشهيد، جاء فيها:
“في أربعينيّة القائد الشهيد محمد سعيد إيزادي (الحاج رمضان)، نطوي أربعين يوماً على غيابه الجسدي، ولكنّ حضوره المعنوي يتعاظم في الوجدان، وسط مجازر النازيين الجدد في غزّة، وصمود الشعب الفلسطيني الذي أثبت أنّ المقاومة ما تزال قلب هذه الأمّة النابض.
الحاج رمضان، القائد الإيراني الذي نذر عمره لفلسطين، لم يكن مجرّد ضابط ظلّ أو عنصر دعم لوجستي. بل كان جسراً حيّاً بين طهران وغزّة، عقلاً مُفكّراً يحمل عبء القضية، ومُجاهداً يحمل قلبها. لأكثر من أربعة عقود، قاد محور دعم فلسطين داخل إيران، بصمتٍ وزهد، وبتكليفٍ عقائدي لا يخالطه تردّد.
لم يكن الحاج رمضان قائداً عسكرياً فقط؛ بل كان منظّراً في فقه المقاومة، وواحداً من أولئك الذين مزجوا بين ميدان الحرب وميدان الفكر. تشبّع بفكر الإمام الخميني(قدس)، ونهج الإمام الخامنئي، وتحوّل إلى صوتٍ فكريّ للمقاومة في قلب الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي سرديات كثير من المقرّبين، هو الأقرب إلى الشهيد قاسم سليماني: شجاعةٌ في الميدان، وبصيرةٌ في القرار، وعمقٌ في النظرة، وسعةٌ في الفقه السياسي والقرآني.
كان يؤمن أنّ المقاومة تتجاوز المدفع والسلاح، وتتحوّل إلى منظومة ناعمة، إلى عقلٍ جمعي، وإلى سردية تؤسّس وعي الشعوب وتعيد تعريف النصر. لم يكن يرى الهزيمة الميدانية نهاية المعركة، بل كان يراها محطة من محطات الانتصار الأخلاقي، استلهاماً من سيرة الإمام الحسين عليه السلام.
أعلنَ بصدقٍ وثقة أنّ «طوفان الأقصى» عملية فلسطينية خالصة، من التصميم إلى التنفيذ. ودافع عنها بشرف، معتبراً نفسه حارس الجبهة الخلفية وداعمها بلا تردّد. لم يطلب شيئاً، ولم يسعَ إلى الأضواء. لكنّه كان عنواناً لصمودٍ إستراتيجي استمر 48 عاماً، ولم يتغيّر.
بحسب شهادة الدكتور خليل الحيّة وعدد من قادة المقاومة في غزّة، كان الحاج رمضان واحداً منهم، لا حليفاً من بعيد. أسهم بشكل مباشر في تطوير القدرات التكتيكية والتقنية لكتائب القسّام، وسرايا القدس، وغيرها من الأجنحة، وعمل على تمكينهم من الموارد والخطط والمواقف.
في إيران، لم يكتفِ بقيادة محور الدعم؛ بل سعى إلى تكوين رأي عام إستراتيجي داخل الإعلام الإيراني، يُدرك مركزية فلسطين. كان يوجّه الإعلاميين إلى اعتبار فلسطين «إكسيراً» لوحدة الأمّة، ونقطة تقاطع بين السنّي والشيعي، والعربي والعجمي. وكان يرى أنّ الكيان الصهيوني يخوض حرباً نفسيّة وإعلامية موازية، ويغطّي ضعفه الحقيقي بقوة الصورة، بينما تغفل المقاومة عن نقاط قوّتها السردية.
«لا تنتظروا توازناً عددياً في الإعلام مع العدوّ»، كان يردّد، «بل اصنعوا الأثر». دعا إلى إعلام مبادر، شبابي، خفيف وسريع، يختار الزمان والمكان بعناية، ويراهن على الأثر النوعي لا على الحجم الكمي: «ابحثوا عن الأثر الكبير لا الوسيلة الكبيرة».
كان عاشقًا للقرآن، يربّي نفسه ويهذّب فكره بآياته، ويرى أنّ التمسك بالقرآن في الإعلام ليس ترفاً بل ضرورة. وحين يتحدّث عن فلسطين، كان يرى فيها محطةً على طريق قيام الحكم الإلهي على الأرض. «من لا يرى الإسلام إلا فردياً وغير سياسي، يُعيد إنتاج يهودية أخرى»، هكذا كان يعبّر، ويرى أنّ المقاومة هي التجلي السياسي الحقيقي للإسلام في العصر الحديث.
كان الحاج رمضان يوصي الإعلام المقاوم بالهجوم لا الدفاع، وبالابتكار لا التكرار، وبالعمل النوعي لا الكليشيهات المكرّرة.
في شخصه، كان بسيطاً، حسن الخلق، صوفيّ الروح، صاحب نظرة نافذة لا تُنسى. لم يكن فقط عقل المقاومة، بل كان قلبها وروحها. ومَن عرفه، لا يستطيع أن ينسى سلوكه الحسني، ولا عزيمته العاشورائية، ولا نظرته التي كانت كالحُجّة، تُحرّك فيك اليقين بأنّ النصر وعدٌ إلهي، والمقاومة طريقٌ لا رجوع عنه”.