أزمة الفقر..الناس بدأوا یطرقون أبواب المؤسسات الخیریة فی مصر

وهذا فیما یرفض بعض المحللین هذه الإحصائیات التی تم إصدارها عن التضخم الإقتصادی فی مصر یقول أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبکنز فی میریلاند ستیف هانک، المتخصص فی التضخم البالغ الارتفاع: إن نسبة التضخم الحقیقیة السنویة “تصل إلى 88%”.

2023-02-26
إن مصر تُعتبر أول دولة عربیة طبّعت العلاقات مع الکیان الصهیونی وهذا عبر إتفاق کامب دیفید عام 1997 والذی جاء ضمن بنوده الإعتراف بالکیان کدولة رسمیة. من الأمور التی توقّعها بعض المحللین أنذاک، أنّه سیتحسّن الإقتصاد المصری إثر هذه الإتفاقیة لأنّ الکیان الصهیونی یفتح لمصر أبواب التصدیر للنفط والغاز والمنتجات الداخلیة ولکن تُظهر الإحصائیات الإقتصادیة والإجتماعیة أنّ کلا المجالین بدءا یتدهوران حتى وصلت مصر الى مرحلة المعاناة الإجتماعیة والتی لایطیقها الشعب.
إمتلاک مصر للنفط والغاز
أوضحت التقاریر الرسمیة ، أن مصر تحتل المرتبة الخامسة بین أکبر منتجی النفط فی إفریقیا بإنتاج یقدر بنحو 556440 برمیلا یومیًا فی عام 2022 بحسب الموقع الإفریقی، ومع زیادة الطلب من الأسواق الأوروبیة، تتطلع مصر إلى تحسین الاستکشاف، مع الترکیز بشکل خاص على حفر آبار جدیدة. وتشیرقائمة تصنیف البلدان حسب إنتاج الغاز الطبیعی استنادًا إلى الإحصائیات الرسمیة العالمیة أنّ مصر تحتلّ المرکز الثالث عشر ضمن هذه القائمة بین الدول المنتجة للغاز الطبیعی.
التضخم الإقتصادی الکارثی
حسب التقاریر التی نشرتها وکالة الأنباء الفرنسیة إن شبح الفقر یقترب من أفراد الطبقة المتوسطة بمصر، فی ظل الأزمة الاقتصادیة المتواصلة وسط خفض قیمة العملة والتضخم المتزاید، مما یدفع أفراد تلک الطبقة إلى تغییر نمط عیشهم بصورة جذریة.
وفی السیاق ذاته یشیر تقریر نشرته وکالة الجزیرة للأنباء إلى أنّه: تخطى سعر صرف الدولار 32 جنیهًا مصریًّا لأول مرة فی تاریخ البلاد، قبل أن یتراجع إلى حدود 29.55 جنیه للدولار فی البنوک الرسمیة، إثر إعلان صندوق النقد تعهدات القاهرة بالتحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن ورفع أسعار الوقود.
وتابع تقریر وکالة الجزیرة: مع فقدان الجنیه المصری نصف قیمته مقابل الدولار منذ مارس/آذار الماضی، ارتفع التضخم فی مصر التی تستورد غالبیة احتیاجاتها من الخارج إلى 24.4%، وزادت أسعار السلع الغذائیة بنسبة 37.9%، وفق الأرقام
 الرسمیة.
هذا فیما یرفض بعض المحللین هذه الإحصائیات التی تم إصدارها عن التضخم الإقتصادی فی مصر یقول أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبکنز فی میریلاند ستیف هانک، المتخصص فی التضخم البالغ الارتفاع: إن نسبة التضخم الحقیقیة السنویة “تصل إلى 88%”.
حاجة الناس إلى المؤسسات الخیریة
إنّ الوضع الإقتصادی الکارثی فی مصر أدّى إلى حالة الفقر بل الإفقار حیث بدأ الکثیر من الناس یطرقون أبواب المؤسسات الخیریة فی البلاد حتى یتمکّنوا من الإستمرار بالحیاة العادیة.
وفی حوار أجرته وکالة الجزیرة للأنباء فی ینایر العام الراهن مع أحمد هشام المسؤول فی مؤسسة أبواب الخیر الأهلیة ، والتی تساعد العدید من الأسر: إن جمهورًا مختلفًا بات یطرق أبواب المؤسسة.
 وتابع هشام:  “کثیرون کانت لدیهم مدخرات یحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، یلجأون إلیها الیوم من أجل تغطیة مصاریف صحیة أو احتیاجات یومیة”، موضحًا أن “غالبیة هؤلاء یعملون فی القطاع الخاص ویکسبون ما بین 4 إلى 6 آلاف جنیه شهریًّا (133 إلى 200 دولار)” ونظراً إلى أسعار السلع فی السوق المصریة هذا المبلغ کـ”لاشیئ” على الإطلاق.
هؤلاء الذین بدأوا یطرقون أبواب المؤسسات الخیریة لم یکونوا من المتسولین أو المحتاجین بل کانوا ذوی العرض والذین لم یحتاجوا إلى أحد فی تغطیة إحتیاجاتهم المعیشیة وفی هذا الإطار قال عنهم الأستاذ هشام: “بعض من یأتون لم یعرفوا هذا من قبل وکانوا یستطیعون تغطیة احتیاجاتهم بأنفسهم، ولأنها المرة الأولى التی یواجهون فیها هذا الموقف، یکون الأمر صعبًا علیهم، ویکادون لا یصدّقون أنهم یحصلون على مساعدة من مؤسسة خیریة”.
الشعب لایعود یغطّی الحاجات الأساسیة
ووفق أحدث دراسة نُشرت عام 2020، یبلغ متوسط الأجور فی مصر 69 ألف جنیه سنویًّا (نحو 2300 دولار)، أی أعلى قلیلًا من خط الفقر الذی حدده البنک الدولی بـ3.8 دولارات یومیًّا. یعنی راتب کلّ مصری یعادل 191 دولارا شهریاً رغم غلاء الأسعار والذی یستبعدها الناس فی البلدان الأخرى. وفی هذا الإطار تقول  الباحثة فی الجامعة الأمریکیة بالقاهرة هدى عبد العاطی: الذین یحصلون على هذا الدخل لم یعودوا قادرین على تأمین حاجات المعیشة الأساسیة، ولکن لا تنطبق علیهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعیة التی تمنحها الحکومة.
غلاء الأسعار مع إنخفاض الراتب 
شاهد الشعب المصری غلاء الأسعار بشکل مُفاجِئ وضاغط فی حال لم یکون الکثیر من الشعب سابقاً قادرین على شراء السلع الأساسیة قبل هذا التضخم الإقتصادی الکارثی.
البنک الدولی أشار إلى نقطة أخرى فی تقریره وهو حساب معدل التضخم الحقیقی للسلع الغذائیة، بعد طرح معدلات التضخم فی کل بلد- أی انخفاض القیمة الشرائیة للعملة -، ووفق هذا المعیار جاءت مصر فی المرتبة السادسة عالمیاً فی ارتفاع أسعار الغذاء.
فی الإطار نفسه نشر موقع “المصری الیوم” وهو موقع مصری تقریراً تطرق فیه إلى إرتفاع الأٍسعار فی مصر: “أوضح الجهاز المرکزی أن التضخم السنوی جاء لصعود اسعار «الطعام والمشروبات» خلال العام مشیراً إلى زیادة أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 58.3%، مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 35.5%، مجموعة الأسماک والمأکولات البحریة بنسبة 44.2%، مجموعة الألبان والجبن والبیض بنسبة 48.9%، مجموعة الزیوت والدهون بنسبة 21.8%، مجموعة الفاکهة بنسبة 15.7%.”.
وتابع الموقع المصری: “کما ارتفعت أسعار مجموعة الخضراوات بنسبة 38.8%، مجموعة السکر والأغذیة السکریة بنسبة 31.0%، مجموعة منتجات غذائیة أخرى بنسبة 40.9%، مجموعة البن والشای والکاکاو بنسبة 36.0%، مجموعة المیاه المعدنیة والغازیة والعصائر الطبیعیة بنسبة 20.9%”.
الرواتب تکفی لـ4 أیام فقط
تخیّلوا أنّ مصر إحتلّت المرکز السادس فی تصنیف غلاء الأسعار فی العالم بعد زیمبابوی ورواندا ولبنان والمجر وأوغندا فی حال تمتلک ثروات طبیعیة مثل النفط والغاز کما أشیر إلیهما وثروة کبیرة تأریخیة وهی الأمکنة التأریخیة التی تجذب السیاح من مختلف أرجاء العالم وهی لم تُفرض علیها عقوبات إقتصادیة أمریکیة ولا غربیة مثل إیران ولبنان وسوریا.
فی السیاق ذاته أجرت وکالة سی ان ان للأنباء حواراً مع  محمد بائع خضار بإحدى مناطق القاهرة الکبرى وهو إشتکى من تأثیر ارتفاع الأسعار سلبا على المبیعات، والتی تقتصر فقط على أول 4 أیام من بعد الحصول على الراتب الشهری، قائلا: إن المواطنین مغلوبون على أمرهم، بدایة من یوم 10 فی الشهر یتوقف البیع، والذی یقتصر على أول 4 أیام فی الشهر وبعدها یشهد السوق حالة من الرکود فی البیع.
30 ملیون فقیر مطلق فی مصر
الفقیر المطلق وفق المعنى العالمی له یعنی الإنسان الذی لایستطیع أن یغطّی بدخله الشهری أبسط حاجاته الأساسیة على الإطلاق نحو شراء الغذاء وإیجار بیت صغیر وشراء الملابس وغیرهما من الإحتیاجات الضروریة.
وتشیر أحدث التقاریر التی نُشرت عن الوضع الإقتصادی فی مصر ان الإحصاءات الواردة عن الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء المصری إلى أن البلاد تسیر بخطوات حثیثة نحو أتون الفقر، حیث بات أکثر من 30 ملیون مصری تحت مستوى خط الفقر.
وقد قفزت معدلات الفقر خطوات جنونیة خلال العقدَین الماضیَین، من 16.7% عام 2000 إلى 29.7% عام 2021، وسط موجات متتالیة من الوعود التی قطعتها الأنظمة الحاکمة على نفسها لتخدیر شعوبها، لعلّ أکثرها ضجیجًا تلک التی شهدتها الأعوام السبع الماضیة، إذ أطلق الرئیس عبد الفتاح السیسی على عام 2015، وهو العام الثانی لولایته الأولى، “عام الرخاء”.
سنبحث فی القسم الثانی للمقالة والتی ستُنشر بعد قلیل عن دور الکیان الصهیونی فی إفقار الشعب المصری والضغوطات التی فرضت على مصر.
المصدر: الوفاق خاص