موناسادات خواسته
في قلب مسيرة الأربعين، حيث تختلط الخطى بالدموع، والولاء بالوجدان، ينبثق مهرجان «روايت راهيان» الدولي للمسرح كواحة فنية نابضة بالإيمان، تُعيد صياغة الحكاية الحسينية بلغة المسرح، الإنشاد، والتعزية. ليس مجرد عرض مسرحي، بل نذر ثقافي، ومشهد حيّ من العشق الذي لا يُشترى ولا يُباع. هنا، الفنانون لا يطلبون أجراً، بل يسيرون على طريق الإمام الحسين(ع) بقلوبهم، حاملين رسائل المقاومة، الوفاء، والدمعة الصادقة التي تسيل من عيون آلاف الزوار. في هذا الحوار، يكشف لنا أمين عام الدورة التاسعة للمهرجان «سيد مصطفى موتورجي»، عن تفاصيل هذا الحدث الإستثنائي، الذي بات منارةً ثقافية في طريق المشاية، وجسراً بين الشعائر والمسرح، بين الإبداع والولاء، وفيما يلي نص الحوار:
عروض فارسية وعربية
أما عن موعد ومواقع إقامة المهرجان يقول موتورجي: كما في كل عام، تبدأ بعض المعابر الحدودية بيننا وبين العراق بالعمل في هذه الأيام. القسم الدولي من المهرجان الذي يُقام في العراق يبدأ من 6 أغسطس ويستمر لمدة 8 أيام، وينتهي في 14 أغسطس، أي قبل يوم من الأربعين في العراق.
عادةً ما تكون عروضنا في العراق موزّعة على 3 أيام في النجف الأشرف، 4 أيام في طريق المشاية، ويوم أو يومين في كربلاء المقدسة، ثم تنتقل الفرق إلى مدينة سامراء المقدسة التي أُضيفت هذا العام كموقع جديد للعروض. هذا العام تغيّر الأمر قليلاً بسبب حرارة الطقس وتغيير نمط العمل، حيث نقيم في موكبين منفصلين على الطريق، لكن فرقنا ستتجول في جميع أنحاء طريق المشاية. سنقيم 4 أيام في موكب عمود 909، ثم ننتقل إلى موكب عمود 1297، لكن عروضنا لن تقتصر على هذين العمودين فقط.
حتى الآن، تم تجهيز 9 مواقع للعروض، وتم التنسيق مع بعض الأصدقاء لتوفير منصة متنقلة في كربلاء المقدسة، مدخل كربلاء المقدسة، وطريق المشاية عند الأعمدة 1100، 600، 200، 909، 1297 وغيرها.
ومن التغييرات هذا العام أننا، خلافاً للسنوات السابقة التي كانت العروض تُقام ليلاً فقط بسبب الحرارة، سنُقيم عرضاً قبل ساعة ونصف من أذان المغرب في موكب 909، حيث تم نصب خيمة كبيرة مزودة بعدة مبردات هوائية، تستوعب من 2000 إلى 3000 مشاهد. وبعد الأذان، ستُقام عروض متنقلة في الأعمدة المختلفة.
فيما يتعلق بمشاركة الفرق التطوعية وبدون مقابل مادي، يقول أمين عام المهرجان: بفضل الله وببركة الإمام الحسين(ع)، نحن المهرجان الوحيد الذي لا يقدّم أي عائد مادي أو جوائز. لا يوجد أي مقابل، وأقول بثقة إن هذا من أكبر الأماكن التي يقصدها الفنانون. فمثلاً هذا العام، بمجرد أن كشفنا عن ملصق المهرجان، تلقينا سيلاً من الطلبات من محبي الإمام الحسين(ع) الذين أرسلوا لنا أفلاماً وأقراص DVD لأعمالهم، رغم أننا لم ننشر دعوة عامة. مهرجان «روايت راهيان» أصبح، بفضل الإمام الحسين(ع)، حدثاً يتابعه الفنانون بأنفسهم، وكل من يشارك في «روايت راهيان» يعتبر مشاركته نذراً ثقافياً، وهذا وسام وضعه الإمام الحسين(ع) على أعناقنا.
وعندما سألناه ما الذي يجعل الناس ينجذبون بهذا الشكل للإمام الحسين(ع) ويسيرون في هذا الطريق، يقول موتورجي: هناك مقولة مشهورة وهي: «أهل البيت(ع) لا يبقون مدينين لأحد». من شارك في السنوات الماضية رأى من البركة والخير في حياته الشخصية ما يجعله يسير في هذا الطريق بعشق.
مثلاً، العام الماضي حدث أمر مثير، حيث واجهنا مشاكل في أحد الأعمدة ولم نتمكن من إقامة العرض هناك. في المقابل، كان هناك استيج سيار من أهل الفن والثقافة في طهران، والتقينا بهم صدفة وتمكنا من إقامة العرض معهم.
عندما يرى الإنسان هذه الأمور، يشعر أن هناك يداً من السماء تُدير كل شيء، وهذه نظرة الإمام الحسين(ع).
وهذا ما يراه الفنانون في هذا الطريق، رغم صعوباته من حرارة السفر بالحافلات وغيرها، فإنهم يعلمون أن هناك من ينظر إليهم من فوق، ويسيرون بعشق.
فيما يتعلق بإقبال الزوّار والتعاون الإيراني العراقي يقول موتورجي: الصور والأفلام من السنوات الماضية تشهد على الإقبال الكبير، لأن المسرح فن حي ويتفاعل مباشرة مع الجمهور، وهو في رأيي أكثر جاذبية من السينما. عروضنا الميدانية واسعة، وفي كل عرض لدينا حوالي 3000 مشاهد، وهم غير ثابتين لأن الجمهور في طريق المشاية متحرك. في عرض مدته ساعتان إلى ثلاث ساعات، يصل عدد المشاهدين إلى 15000 شخص.
ومن علامات الإقبال أيضاً انضمام فرق عراقية من النجف الأشرف وبغداد إلى قافلة «روايت راهيان»، وهم أيضاً يخدمون في هذا الطريق. كنا نخطط هذا العام للإقامة في مكان واحد كمضيفين فنيين للموكب، لكننا تلقينا اتصالات من عدة جهات تطلب منا الاستمرار في التنقل، لأننا كنا نمثل نموذجاً للموكب المتنقل، والآن بدأت المواكب العراقية والإيرانية تتحول إلى مواكب متنقلة، وهذا يتماشى مع روح المشاية التي لا تستقر في مكان واحد. لذلك، عدلنا عن فكرتنا الأصلية وسنُقيم عروضاً في أماكن متعددة، وإذا تحضرون العروض ستلاحظون مدى تأثر الجمهور، والدموع التي تنهمر من أعينهم دليل على أنهم تفاعلوا مع أعمالنا.
عروض مسرحية بموضوع الحرب المفروضة الصهيونية وغزة
وحول العروض المسرحية التي تُقدّم، يقول أمين عام المهرجان: لدينا مجالس تعزية متنوعة بالفارسية والعربية، مثل مجلس الإمام الحسين(ع)، مجلس سيدنا العباس(ع)، مجلس سيدنا القاسم(س)، مجلس الحر، وغيرها. عروضنا الشارعية تتناول مواضيع مثل «شمر العصر»، الحرب المفروضة الصهيونية الأخيرة، وهي متناسبة مع ثقافة عاشوراء. لدينا أيضاً عرض دُمى فاخر للأطفال، وهو معنا منذ عامين. في البداية، كان هناك اعتراضات على وجود الأطفال في هذا الطريق، لكن بعد عرضنا، جلس الأطفال الذين لا يثبتون عادةً لمشاهدة العرض لمدة عشرين دقيقة دون حركة.
لدينا عرض دُمى بمواضيع محرم والأربعين، وعروض أخرى تتناول مواضيع معاصرة مثل الحرب المفروضة الصهيونية وغزة وشمر العصر. فرقة الإنشاد أيضاً تُقدم عروضاً حماسية وأربعينية باللغتين العربية والفارسية.
وأخيراً يقول موتورجي: كل ما لدينا من الإمام الحسين(ع) وثقافة عاشوراء. تناولنا الحرب المفروضة الصهيونية الأخيرة من زاوية عاشورائية، وركّزنا على تأثيرات ثقافة عاشوراء في المقاومة والنصر. هذه هي الرؤية التي سنُقدمها في طريق الأربعين، ونسألكم الدعاء أن نُوفق في هذا الطريق، وأن يقبل الله عملنا .