يوم الصحفي في إيران بين الخلود والرسالة

رواة الحقيقة في زمن الرصاص.. تجلّي الالتزام والرسالة في مرآة الإعلام

خاص الوفاق: هذا العام، لا نكتفي بالتكريم، بل نُجدد العهد، أن نكون رواةً للحق، لا شهوداً على التزييف. أن نحمل أقلامنا كأمانة، لا كأدوات. وأن نُبقي أسماءهم حيّة في ذاكرة الإعلام والمقاومة.

 في زمنٍ تُغتال فيه الحقيقة قبل أن تُنشر، وتُقصف فيه الكلمة قبل أن تُكتب، يقف الصحفي الإيراني في الخط الأمامي، لا خلف المكاتب، بل في قلب الميدان، حيث تُصاغ الرواية وتُكتب بالدم. يوم الصحفي في إيران ليس مناسبة احتفالية عابرة، بل هو وقفة إجلال لضمائر حيّة، اختارت أن تكون صوتاً للمظلوم، ومرآةً للواقع، ودرعاً في وجه التزييف الإعلامي العالمي. هذا العام يحمل طابعاً خاصاً، إذ ارتقى عدد من الإعلاميين الإيرانيين شهداء خلال العدوان الصهيوني الأخير على بلادنا، ليؤكدوا أن الصحافة ليست وظيفة، بل مقاومة، وأن من يكتب بصدق، قد يُكتب اسمه في سجل الخالدين.
الرواة في خطّ المقدّمة
في الثامن من أغسطس، تحتفل إيران بيوم الصحفي، وهو يوم لا يُقاس بالاحتفالات الرسمية، بل يُقاس بدماء من كتبوا الحقيقة في زمن التزييف، وبأقلام من وقفوا في الخطوط الأمامية ليحموا الرواية من أن تُغتال. هذا اليوم، الذي أُقرّ تخليداً لذكرى الشهيد محمود صارمي، مراسل وكالة الجمهورية الإسلامية الايرانية الذي استُشهد عام 1998 في مزار شريف، بات رمزاً لتكريم كل من اختار أن يكون صوتاً للناس، وضميراً للأمة، ومرآةً للواقع.
 الصحافة مهنة من نور ومسؤولية
الصحفي ليس مجرد ناقل خبر، بل هو راوٍ للحقيقة، وصانع وعي، وجندي في معركة الروايات. في ظل ازدواجية المعايير الإعلامية، وتزييف الحقائق على يد الإعلام الصهيوني، تزداد أهمية الصحافة الحرة، كما قال قائد الثورة الإسلامية: «اليوم الحرب، هي حرب الروايات».
الصحفي الإيراني، بالإعتماد على الذوق والموهبة، وبعد اجتيازه التدريب المهني، يتحمّل مسؤولية اجتماعية عظيمة، في نقل الحقيقة، وتوعية المجتمع، وتعزيز الشفافية، خاصة في زمن الحروب المركّبة.
خاصة في الظروف الحالية نتذكر أهمية عمل الإعلام والصحفيين أكثر من قبل، بما أننا نشهد إزدواجية المعايير وتغيير الحقائق على يد الإعلام الصهيوني، حيث يقوم باستشهاد المراسلين ورواة الحقيقة في فلسطين وجميع انحاء العالم، ومنها إيران.
تكريم شهداء الكلمة ودور الصحفيين في معركة الحقيقة
أقيمت احتفالية بمناسبة «يوم الصحفي»، تم فيها تكريم 12 شهيداً إعلامياً استشهدوا خلال الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني. وأشاد معاون وزير الثقافة في شؤون الإعلام محمد رضا نوروزبور، بأداء الإعلام الإيراني، واعتبره مثالاً للتضحية والوحدة الوطنية.
وأكد نوروزبور أن الإعلام هو جزء أساسي من الدبلوماسية والمعركة، خاصة في ظل الحرب المعرفية التي تستخدم المعلومات كسلاح. ووصف الصحفيين بأنهم جنود في مواجهة لا حياد فيها، فإما أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة أو أداة للعدو. كما أنه دعا إلى مواصلة حمل راية الشهداء الإعلاميين، والتصدي للخطاب الزائف الصهيوني، مؤكداً أن كل صحفي هو قائد للرأي العام ومسؤول عن إيصال الحقيقة.
شهداء الإعلام.. رواة الحقيقة الذين لم يتراجعوا
الحرب المفروضة التي استمرت 12 يوماً، والتي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر ومقصود، أسفرت عن استشهاد عدد من كبار قادة القوات المسلحة، وعلماء نوويين، ورجال ونساء وأطفال مظلومين وعزّل، بالإضافة إلى 12 من الصحفيين والنشطاء الإعلاميين الإيرانيين.
يصادف يوم غد الجمعة 8 أغسطس يوم الصحفي والمراسل في إيران، ويحتفل كل عام بهذا اليوم، ورسالتهم العالمية، لكن يوم الصحفي هذا العام في إيران يختلف عن الأعوام السابقة، بما أنه استشهد خلال الحرب المفروضة الصهيونية مراسلون ونشطاء الإعلام الإيراني إثر العدوان الصهيوني المفروض، ففي هذا المقال نقدّم نبذة عن بعضهم.
أما شهداء الإعلام في هذه الحرب المفروضة الصهيونية هم: إحسان ذاكري، فرشته باقري، نیما رجب‌بور، معصومة عظیمي، علي طهماسبي، معين نظري، رمضان ‌علي جوبداري، أميرحسین طاووسي، محمدجواد الوندي، صالح بایرامي،  فاطمة صالحي، أبوالفضل فتحي.
هؤلاء وقفوا بصمود في الخط الأمامي لسرد الحقيقة، كي لا تُدفن تحت أنقاض الحرب. لم يكونوا مجرد موثّقين للحظات والأحداث، بل كانوا جنوداً متواضعين رفعوا أقلامهم كدروع في وجه الكذب والتحريف. والآن، استقروا في إطار الخلود، وستظل أسماؤهم حيّة في ذاكرة الإعلام والمقاومة.
استشهاد حافظ القرآن 
زوجة الشهيد إحسان ذاكري قبل الزواج، كانت وظيفتها تقتضي التواصل الدائم مع عائلات شهداء الدفاع المقدس ومدافعي المراقد المقدسة. والآن، أصبحت هي نفسها في هذا الموقع، حيث تتواصل معها وسائل الإعلام بصفتها زوجة شهيد.
«هدى رجبي» زوجة الشهيد، تقول وهي تغالب دموعها: «كان زوجي تحت الأنقاض لأربعة أيام، وخلال هذه الأيام، متّ مراراً وعُدت للحياة حتى أُبلغت بخبر استشهاده. كنت أمسك الهاتف باستمرار، أنتظر خبراً من المستشفى يقول: إن إحسان كان فاقداً للوعي وقد استعاد وعيه وطلب الاتصال بي. لكن بعد أربعة أيام، عُثر على جثمانه في القاعدة التي تعرضت للهجوم، وأُبلغت باستشهاده».
«زینب رازدشت»، زميلة الشهيد تقول: «كان حافظاً وقارئاً للقرآن، وأخلاقه لا مثيل لها. كان من أكثر الصحفيين حماساً حين عمل في وكالة «إكنا» الدولية للقرآن».
اسم «فرشته» يليق بها
في لحظةٍ كان نسيم الصباح لا يزال يحمل حرارة جراح الأرض المحتلة، حلّقت مَلاك من نسل النور، بجناحي الشهداء نحو السماء. «فرشته باقري» سيدة الحكاية، راوية البطولة والحق، ابنة الشهيد، وراوية الجهاد، أصبحت هي نفسها شهيدة.
لم تكن فقط ابنة القائد الشهيد اللواء باقري، بل كانت بنفسها في طليعة الجبهة الثقافية لهذا الوطن، تعمل بصمت وإخلاص، تنفخ الروح في الكلمات: لتوثيق أسماء الشهداء، لإبقاء نار الإيمان مشتعلة، لإيقاظ القلوب، وما أعظم السعادة من أن تلتحق صحفية، بقلمٍ مغموسٍ بدماء الشهداء، بركبهم المبارك.
«فاطمة سادات كيائي» زميلة وصديقة الشهيدة تقول: «كانت الشهيدة ابنة اللواء الشهيد باقري، لكنها لم تكن فقط بالاسم، بل كانت ابنة حقيقية للواء عظيم. رغم ذلك، كانت بسيطة، متواضعة، وعاشت كأي مواطن. لم تكن معروفة بسبب اسم والدها، بل بسبب قلبها النقي. كانت تكنّ احتراماً خاصاً للشهداء، ولهذا اختارت أن تكتب وتعمل في هذا المجال. أحياناً، خلال أحاديثنا اليومية، كانت تتحدث عن الشهادة ، كانت صحفية في مجال الشهداء، واستحقت لقب «الشهيدة الصحفية»، عندما سمعنا خبر استشهادها، أول ما قلناه جميعاً: «كانت فعلاً «فرشته» أي «مَلاك»».
إستشهاد رجب بور أثناء أداء مهمته
رغم أن نيما رجب‌بور لم يعد بيننا، فإن ذكراه وتضحيته ستظل خالدة في تاريخ الإعلام الإيراني. لم يكتفِ بتسجيل اسمه ضمن شهداء الخدمة والإعلام، بل قدّم من خلال استشهاده درساً عظيماً في الالتزام، تحمّل المسؤولية، والتفاني، للأجيال القادمة. إرثه هو الحفاظ على روح الجهاد في مجال الإعلام، والسعي الدؤوب لإيصال الحقيقة إلى الناس.
كان موظفاً ملتزماً ومجتهداً في منظمة الإذاعة والتلفزيون للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونال وسام الشهادة الرفيع أثناء أداء مهمته الحساسة.
كتب أحد زملائه:«كنا زملاء لمدة تقارب 15 عاماً. كان رئيس تحرير ماهر ومحترف، رجلاً محباً لعائلته، وزميلاً مؤمناً، خلوقاً، وطيب القلب. حتى في اللحظات التي أُصيب فيها خلال الهجمات على مبنى الزجاج، ورغم أنه كان يستطيع مغادرة غرفة التحرير مع باقي الزملاء، ظل حتى اللحظة الأخيرة مركّزاً على عمله».
صوتهم لا يزال حيّاً
استشهاد هؤلاء الإعلاميين لا يُعدّ خسارة شخصية فقط، بل هو جرح في ضمير العالم الحر. لقد أثبتوا أن الصحافة ليست وظيفة، بل رسالة إيمانية وإنسانية، وأن من يعيش حياة الشهداء، ينال شرف أن يُخلّد معهم.
في يوم الصحفي هذا العام، لا نكتفي بالتكريم، بل نُجدد العهد، أن نكون رواةً للحق، لا شهوداً على التزييف. أن نحمل أقلامنا كأمانة، لا كأدوات. وأن نُبقي أسماءهم حيّة في ذاكرة الإعلام والمقاومة.
المصدر: الوفاق/ خاص