حين ينشد القلب في طريق كربلاء المقدسة

المراثي تمشي معنا.. صوت الرادود في طريق الزائرين

خاص الوفاق: الرادود هو صوت الطريق، ومراثيه هي نبض الزائرين. في كل خطوة نحو كربلاء، هناك بيتٌ يُردّد، ودمعةٌ تُسكب، ورايةٌ تُرفع.

في اجواء زيارة الأربعين، حيث تتلاقى الأرواح على درب كربلاء المقدسة، لا يكون الصوت مجرد نغم، بل يصبح رسالةً، دعاءً، ونداءً من القلب إلى القلب. الرادود الحسيني هو أكثر من منشِد؛ إنه حاملُ وجدانٍ جماعي، يُعيد عبر صوته تشكيل العلاقة بين الزائر والمضيف، بين التاريخ والراهن، وبين الامام الحسين(ع) والامام المنتظر(عج). ثلاث مراثٍ بارزة في الأيام الأخيرة جسّدت هذا التفاعل الروحي والفني، فكانت بمثابة مرآةٍ للمشاعر، والهوية، والولاء. فنذكرها كأنموذج:
على الإحسانِ لكُم شُكرنا
أنشدَ «ميثم مطيعي»، الرادود الإيراني رثاءً تعبيرياً شُكراً لأصحاب المواكب والشعب العراقي الكريم على استقبالهم الحار لزوار الأربعين. كلمات هذه القصيدة من تأليف «بنت الهدى أصغري» و«محمد مهدي سيّار» وجاء فيها:
«على الإحسانِ لكُم شُكرنا .. مدى الأزمانِ بكم فخرُنا.. نعمَ الأيادي. فكيفَ تُشكَر .. الله اكبر الله اكبر أيا أهل القِيَمِ والكرَم .. أيا فخرَ الخدَمِ في الأمَم .. يا ثوبَ عزٍّ. ثوبٌ مُغبَّر .. الله اكبر الله اكبر على الإحسانِ لكُم شُكرنا .. مدى الأزمانِ بكم فخرُنا.. نعمَ الأيادي. فكيفَ تُشكَر .. الله اكبر الله اكبر أيا فخرَ الزمَنِ في الوَلا.. مدى الأزمانِ بكم فخرُنا .. نعمَ الأيادي. فكيفَ تُشكَر .. الله اكبر الله اكبر.. يمكن أن نشير الى التحليل الجمالي والبلاغي للنص الشعري فيما يلي»:
المعاني والدلالات الروحية
-الامتنان العميق: يتكرر قول «على الإحسانِ لكم شكرُنا» ليؤكد أن الشكر لا يكفي أمام عظمة ما يُقدّمه خدام الامام الحسين(ع) من إحسان.
-الافتخار بالخدمة: عبارة «بكم فخرُنا» تُظهر أن الفخر لا يأتي من المال أو الجاه، بل من خدمة زوار الحسين(ع).
-التمجيد الإلهي: تكرار «الله أكبر» يُضفي على النص طابعاً دينياً مقدّساً، ويجعل الشكر مرتبطاً بالعبادة.
الصور البلاغية والتشبيهات
– «يا ثوبَ عزٍّ، ثوبٌ مُغبَّر»: تشبيه بليغ يُظهر أن الغبار على ثياب الخدام ليس عيباً، بل وسام عزّ، فالثوب المغبّر هو ثوب الكرامة.
-«نعمَ الأيادي، فكيف تُشكر؟»: استفهام بلاغي يُعبر عن عجز اللغة أمام كرم الخدام، وكأن الشكر لا يفي بحقهم.
-«أيا فخرَ الخدمِ في الأمم»: تعظيم للخدام بأنهم ليسوا فقط خداماً، بل فخر عالمي، يتجاوز الحدود الجغرافية.
الإيقاع والموسيقى الداخلية
– التكرار الفني: تكرار مقاطع مثل «الله أكبر» و«على الإحسانِ لكم شكرُنا» يمنح النص إيقاعاً إنشادياً قوياً، ويُعزز من تأثيره العاطفي.
-التوازن الصوتي: استخدام كلمات ذات نهايات متقاربة مثل «شكرُنا – فخرُنا – تُشكر» يخلق انسجاماً صوتياً يُناسب الأداء .
في الحقيقة هذا النص ليس مجرد شكر، بل هو قصيدة حب وولاء، تُعلي من شأن الخدام وتُقدّمهم كرموز للكرامة والوفاء. فيه امتزاج بين الشعر والروح، بين البلاغة والعبادة، وبين الأرض وكربلاء المقدسة.
تجدر الإشارة إلى أن الرادود ميثم مطيعي أنشد قبل ذلك رثائية «بجانب خطوات جابر» وكذلك رثائية «أنتم الشرفاء» للإمتنان من الشعب العراقي.
الشاي العراقي
كما أنتج فيديو كليب تحت عنوان «الشاي العراقي» من أداء الرادود الإيراني محمد حسين بويانفر في أجواء اقتراب أربعين الإمام الحسين(ع)،  وهوعمل فنيّ تعبيريّ يُجسّد مشاعر العشق والامتنان تجاه ضيافة الشعب العراقي لزوار الأربعين.
وقد كُتب نصّ هذه الأنشودة من قبل الشاعر محمد رسولي، وجاءت كلماتها لتُعبّر عن تجربة الزائر في طريق كربلاء المقدسة، حيث يتحوّل الشاي العراقي إلى رمزٍ للمحبة والكرم، ويُصبح كلّ موكبٍ محطةً روحيةً تُنثر فيها البركات، ويُتداول فيها الحديث عن ظهور الامام المهدي(عج).
الأنشودة تُصوّر الزائر كمن تحرّر من ذاته، وسلك طريق النور، حيث كلّ خطوةٍ نحو كربلاء المقدسة هي خطوةٌ نحو السماء، وكلّ رشفةٍ من الشاي هي جرعةٌ من العشق الحسيني، الفيديو كليب يأتي مع الترجمة العربية والإنجليزية وجاء فيها: كل العشّاق في الطرق عشّاق الساقي، عشّاق الساقي..قد شربنا من  الشاي العراقي، من يد الساقي.. كل العشّاق.. جذب المحبة هذا ما ساقني الى الحكاية..أسير مع العاشقين، متحررا من نفسي نحو كربلائه.. من الأرض إلى السماء.. ينهمر في هذا الطريق..». ويمكننا التحليل الشعري للنص العربي، كما يلي:
  المعاني والدلالات الروحية
– العشّاق بالساقي: تعبير رمزي عن العشق الإلهي، حيث يتحوّل الشاي إلى رمزٍ للشراب الروحي الذي يُسقَى في طريق كربلاء المقدسة.
– التحرّر من الذات: «متحرّراً من نفسي، نحو كربلاء المقدسة» يُشير إلى الفناء في الحب الحسيني، حيث يُترك الأنا خلفاً.
– الضيافة الإلهية: «رزقك يأتيك في كل لحظة» يُجسّد كرم الطريق الحسيني، حيث يُعطى الزائر رزقه الروحي والمادي.
الصور البلاغية والتشبيهات
– الشاي كرمز للعشق: استخدام الشاي العراقي كرمزٍ للشراب الروحي الذي يُسقَى من يد الساقي، أي خدام الحسين(ع).
-الطريق كسماء: «من الأرض إلى السماء، ينهمرُ في هذا الطريق» يُحوّل الطريق إلى فضاءٍ مقدّس، تتنزّل فيه البركات.
-الموكب كحلقة ظهور: كل موكب يُصبح مكاناً يُتداول فيه الحديث عن الإمام المهدي(عج)، مما يُضفي بُعداً مهدوياً على النص.
الإيقاع والموسيقى الداخلية
-التكرار الفني: تكرار «أهلاً وسهلاً» يُعزّز من الإحساس بالضيافة والدفء، ويُضفي طابعاً إنشادياً.
– التنقل بين الصور: من الشاي إلى الطريق، من الأرض إلى السماء، من القلب إلى النور—كلها صور تُخلق حركة داخلية في النص.
هذه القصيدة ليست مجرد وصفٍ لرحلة الأربعين، بل هي نشيدٌ روحيٌّ يُجسّد العشق، الفناء، والانتظار. فيها امتزاجٌ بين الرمزية الصوفية والواقعية الحسينية، وبين الضيافة العراقية والعشق الكوني.
لا تسقط الراية
اما الرادود محمد الجنامي أيضا له لطميات ومراثٍ في هذه الأيام ومنها «قصيدة حماسية للمشاية وأربعينية الإمام الحسين(ع) من كلمات الشاعر كرار حسين الكربلائي تحت عنوان «لا تسقط الراية» جاء في قسم منها: «لبيك يا حسين..لو تقع الرؤوس .. ما تقع الراية..كل رَبعُ الحسين مشاية مشاية..عند المواكب هالخدمة واجب.. بيرقهم اعتلى.. بحب ومودة.. كلمتها واحدة. هله بالزائر هله..» لطميّة «لا تسقط الراية» تُعدّ من الأعمال الحماسية التي تُلهب مشاعر الزائرين في طريق الأربعين، وتُعبّر عن الثبات، الولاء، والهوية الحسينية التي لا تنكسر رغم كل التحديات. تُنشد هذه القصيدة في مواكب المشاية، وتُصبح بمثابة نشيد جماعي يُردّده الزائرون وهم يسيرون نحو كربلاء، حاملين راية الامام الحسين(ع) في قلوبهم وأقدامهم.
اللطميّة تُعبّر عن ثقافة المشاية في العراق، حيث يُقدّم الشعب خدماته للزائرين حباً بالحسين(ع). وهي أيضاً رسالة إلى العالم بأن نهج الحسين(ع) لا يُهزم، وأن الزائرين هم امتداد لثورة كربلاء. كما أن الإشارة إلى الزهراء(ع) ودموعها تُضفي على المسير بُعداً وجدانياً عميقاً، وتربط بين الحاضر والماضي المقدّس.
 صوت لا يُنسى
الرادود هو صوت الطريق، ومراثيه هي نبض الزائرين. في كل خطوة نحو كربلاء، هناك بيتٌ يُردّد، ودمعةٌ تُسكب، ورايةٌ تُرفع. المراثي الأربعينية ليست مجرد فن، بل شعيرة وجداني–ثقافي يُعيد تشكيل الذاكرة، ويُجسّد الحب الذي لا يسقط… تماماً كما لا تسقط الراية. هكذا، تُصبح المراثي الأربعينية طقساً وجدانياً يُعيد تشكيل الذاكرة، ويُجسّد الحب الذي لا يسقط… تماماً كما لا تسقط الراية. فالرادود هو صوت الطريق، ومراثيه هي نبض الزائرين.
وفي كل خطوة نحو كربلاء المقدسة، هناك بيتٌ يُردّد، ودمعةٌ تُسكب، ورايةٌ تُرفع. إنها رحلة عشق لا تنتهي، بل تتجدّد كل عام.
المصدر: الوفاق/ خاص