فيما 5 دول غربية ترفضها

هل تدفع الضغوط الدولية نتنياهو للتراجع عن خطة احتلال غزة؟

بلجيكا تستدعي سفيرة الكيان الصهيوني، والمحكمة تأمر بوقف تصدير المعدَّات العسكرية إليه، سلوفينيا تحظر الاستيراد من المستوطنات الصهيونية وإسكتلندا تبحث فرض مقاطعة رسمية

منذ مصادقة المجلس الوزاري الأمني المصغر “الكابينت” على خطة رئيس الوزراء الصهيوني لفرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة، تردد العديد من الأسئلة بشأن قدرة الجيش الصهيوني على تحقيقها، لاسيما أن تبني هذا الطرح جاء في ظل خلافات علنية عميقة على المستويين السياسي والأمني في كيان الاحتلال؛ لكن إصرار نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية بغزة- ومعه وزراء اليمين المتطرف على التوجه نحو هذا السيناريو كان جامحاً وتم تمرير خطته بعد جلسة للكابينت استمرت أكثر من 10 ساعات.

 

وبعد أن أصبح على المؤسسة الأمنية الإذعان لهذه الرغبة، وبات قادتها بين خياري التنفيذ أو الإقالة، ربما يبحث وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير عن الطريقة التي يمكن بها المضي قدماً لتطبيق رؤية نتنياهو المتمثلة في 5 مبادئ، هي نزع سلاح حركة حماس، وإعادة جميع الأسرى الأحياء منهم والأموات، وتجريد غزة من السلاح، وفرض السيطرة الأمنية على القطاع، مع إنشاء إدارة مدنية لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية.

 

وفي الوقت الذي لم تأبه فيه حكومة نتنياهو لعاصفة الانتقادات الدولية التي قوبلت بها الخطة الجديدة بشأن غزة، بل بادرت لتوجيه الاتهامات للدول التي عارضتها بأنها تكافئ حماس، يبدو أن الهوة بين تل أبيب والمجتمع الدولي آخذة في الاتساع مع تبني المزيد من دول العالم مواقف لا تنسجم مع مزاج صانع القرار الصهيوني وداعمه الأقوى وربما الأوحد الآن الولايات المتحدة.

 

ووضع التطور الأخير الجيش الصهيوني في موقف صعب يتخطى مخاوفه التي أعرب عنها علانية والمتمثلة في حالة الإرهاق بين الجنود واهتراء الآليات الثقيلة والدبابات بسبب الحرب التي شارفت على إتمام عامها الثاني، وسط تحذيرات من تحول السيطرة على غزة إلى “خطر وفخ تكتيكي”، حسبما نقل موقع “والا” العبري عن مصادر عسكرية.

 

المواقف الدولية تتبلور في صورة إجراءات فعلية

 

العملية الجديدة التي لم يطلق عليها حتى الآن اسم يضاف إلى سابقاتها من العمليات، التي كان آخرها “عربات جدعون”، ربما تعد الأخطر في حرب الإبادة على غزة، بحسب الكثير من المراقبين، ليس بسبب التحذيرات التي أطلقها ساسة وعسكريون صهاينة فحسب من سقوط المزيد من القتلى في صفوف الجيش والتضحية بمن تبقى من الرهائن، ولكن بسبب مواقف العديد من دول العالم التي بدأت تتبلور في صورة إجراءات فعلية تتعدى حدود التنديد والإدانة.

 

فأعلن وزراء خارجية أستراليا وألمانيا وإيطاليا ونيوزيلندا وبريطانيا رفضهم قرار الكيان الصهيوني شن عملية عسكرية إضافية واسعة النطاق في قطاع غزة، مؤكدين وحدة موقفهم في الالتزام بتنفيذ “حل الدولتين” من خلال مفاوضات. ودعا الوزراء، في بيان مشترك، الكيان الصهيوني إلى إيجاد حلول عاجلة لتعديل نظام تسجيل المنظمات الإنسانية الدولية الذي وضعته أخيراً. ففي أوضح تحول في موقف ألمانيا حيال التصعيد العسكري الصهيوني، أعلن المستشار فريدريش ميرتس تعليق منح أي تراخيص جديدة لتصدير أسلحة يمكن استخدامها في القطاع، مع احتمال تعليق تسليم أسلحة من صفقات مبرمة سابقاً إذا كانت هناك إمكانية لاستخدامها في غزة.

 

سحب تراخيص وحظر استيراد

 

وفي السياق ذاته، جاء قرار هولندا بسحب ثلاثة تراخيص لتصدير مكونات سفن حربية إلى الكيان الصهيوني بسبب تدهور الوضع في غزة ومخاطر “الاستخدام غير المرغوب فيه”، بالتزامن مع مناقشة طارئة في البرلمان الهولندي لمقترحات بحظر شامل للسلاح وعقوبات أوسع مع الاعتراف بدولة فلسطين.

 

وتزامن ذلك مع استدعاء بلجيكا سفيرة الكيان في بروكسل احتجاجاً على خطة السيطرة على غزة أو احتلالها كما سمّتها وسائل إعلام إسرائيلية، وذلك للتعبير عن رفض الدولة الشديد لقرار حكومة نتنياهو والتحذير من تداعياتها. ولم يكن استدعاء السفيرة الصهيونية مجرد إجراء دبلوماسي للتعبير عن رفض تلك الخطوة؛ لكنه كان شاهداً على التأكيد على موقف بلجيكا المؤيد لحل الدولتين مع التعبير عن رؤية مفادها أن هدف القضاء على حماس “لا يبرر عمليات غير متناسبة تزيد معاناة المدنيين الفلسطينيين”.

 

هذا كما أمرت محكمة بلجيكية الحكومة “الفلمنكية” بوقف تصدير المعدّات العسكرية إلى الكيان الصهيوني بعد اكتشاف شحنة في “ميناء أنتويرب” في وقت سابق من هذا العام. وجاء القرار استجابةً لدعوى قضائية رفعتها 4 جمعيات فلمنكية في حزيران/ يونيو 2025 تطالب بوقف الدعم العسكري لـ”إسرائيل” بسبب الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.

 

من جانبها، حظرت سلوفينيا استيراد منتجات المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، في خطوة وضعتها ضمن إطار الردّ على سياسة الحكومة الصهيونية التي تُقوّض فرص السلام الدائم. وقالت الحكومة السلوفينية في بيان لها: إن “إسرائيل” ترتكب في الضفة الغربية انتهاكات خطيرة ومتكررة للقانون الإنساني الدولي. وأضافت: يتعيّن، تالياً، على سلوفينيا ألّا تكون جزءًا من سلسلة تغضّ الطرف عن أعمال البناء غير القانونية، ومصادرة الأراضي، وعمليات الطرد.

 

فرض مقاطعة رسمية

 

هذا وكشفت صحيفة “ذا ناشونال” الإسكتلندية عن أن الحكومة الإسكتلندية تدرس فرض مقاطعة رسمية لـ”إسرائيل”، على خلفيّة حرب الإبادة الصهيونية المستمرّة على قطاع غزة، وذلك بناءً على اقتراح تقدّم به الزعيم المشارك لحزب “الخضر” الإسكتلندي، روس غرير، فيما أعلن متحدث باسم حكومة عن أن “الوزراء سوف ينظرون في الاقتراح”. ونقلت الصحيفة عن غرير مطالبته، في رسالة، رئيس وزراء إسكتلندا جون سويني بـ”تَبنّي مبادئ حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات من “إسرائيل”، وفرض العقوبات عليها”، والتي تهدف إلى الضغط على اقتصاد الكيان. ورحّب غرير باعتراف سويني بأنّ “هناك إبادة جماعية في فلسطين”، لكنّه أشار إلى مخالفته لتصريح سويني القائل؛ إنّه يحاول فعل كل ما بوسعه لضمان ممارسة الضغط على “إسرائيل”.

 

إلى ذلك، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “دويتشلاند تريند” صدرت نتائجه، ان 66% من الألمان يريدون من حكومتهم ممارسة مزيد من الضغط على الكيان الصهيوني لتغيير سلوكه تجاه غزة. وهذه النسبة أعلى مما كانت عليه في أبريل/ نيسان 2024 حين أظهر استطلاع رأي أجراه معهد فورسا أن نحو 57% من الألمان قالوا إن على حكومتهم تشديد انتقادها للكيان الصهيوني على أفعاله في غزة. ويعتقد 47% من الألمان أن حكومتهم لا تفعل كثيراً للفلسطينيين، مقابل 39% يرفضون ذلك، حسبما أظهر الاستطلاع. ويشعر 31% فقط من الألمان أن لديهم مسؤولية أكبر تجاه الكيان بسبب الأحداث التاريخية -وهو مبدأ أساسي في السياسة الخارجية الألمانية- بينما يرى 62% من الألمان غير ذلك.

 

وألقت هذه المواقف المتوالية بظلالها على الداخل الإسرائيلي، حيث نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين في الجيش مخاوفهم من تداعيات المقاطعة الدولية فيما يتعلق بشراء الأسلحة ومواد الصناعات الدفاعية.

 

تخبط صهيوني

 

ووسط قنبلة السيطرة على غزة بالكامل ووضع أهداف فشل الجيش في تحقيقها على مدار 22 شهراً، دون تنسيق مع قادة المؤسسة الأمنية، تجلى التخبط في التصريحات التي تناقلتها وسائل إعلام صهيونية عن كاتس وزامير.

 

فذكرت إذاعة جيش الكيان أن وزير الدفاع سيطرح في اجتماع الحكومة المقبل قرار استدعاء 430 ألف جندي على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة، بينما نقلت هيئة البث عن رئيس الأركان تقديراته أن خطة السيطرة على غزة ستحتاج إلى 200 ألف جندي احتياط، في حين أوردت “القناة 15” أنه سيتم إرسال 250 ألف أمر استدعاء لجنود الاحتياط.

 

ويرى مراقبون أن إدراك مسؤولي الكيان لتشابك الموقف داخلياً وخارجياً وما تنطوي عليه الخطة الجديدة من مخاطر ربما دفع بعضهم لترك الباب مفتوحاً أمام التراجع عنها، ورهنوا ذلك بتلقي مقترحاً للصفقة أو طلب من جانب حركة المقاومة الاسلامية حماس للانخراط في المفاوضات مجدداً، حسبما جاء على لسان زعيم حزب شاس آرييه درعي.

 

 

 

المصدر: الوفاق