أكملت البحرية الروسية في أبريل اختبار سفينة حربية جديدة قوية: “كاسحة جليد قتالية”. تعدّ “إيفان بابانين”، المسلحة بمدفع عيار 76 ملم وسعة 8 صواريخ كروز مضادة للسفن، أول سفينة حربية سطحية في العالم مصممة خصيصاً للقتال في مياه القطب الشمالي المتجمدة. وتدرك روسيا أن نصف الكرة الشمالي هو الحدود الكبرى القادمة للعالم. ويتم فتح الممرات البحرية المربحة الآن أمام الشحن التجاري، حيث أتاحت التقنيات الجديدة الوصول إلى موارد المعادن والطاقة الوفيرة غير المستغلة الكامنة تحت الجليد.
في الواقع، يُقدّر البعض أن القطب الشمالي يحتوي على ما يصل إلى 22% من احتياطيات العالم غير المستغلة من الوقود الأحفوري. وإدراكاً منها لذلك، أطلقت روسيا حشداً عسكرياً كبيراً في القطب الشمالي. كما تعزز الصين وجودها في المنطقة بوتيرة سريعة. ومع ذلك تُتخلف الولايات المتحدة عن الركب، ما يعرّض جناحها الشمالي للخطر.
لقد أشار رجل الدولة الأمريكي العظيم هنري كلاي منذ زمن بعيد: أمننا القومي وسيادتنا يعتمدان على استقلالنا الاقتصادي. وإذا تمكنت الصين وروسيا من الهيمنة على القطب الشمالي وممراته البحرية وموارده الطبيعية، فسنكون أقل حرية بكثير كدولة.
نحن نعتمد بالفعل الآن على صناعات بناء السفن والمعادن الحيوية في الصين. وقد فتح التنافس الدولي على القطب الشمالي الباب أمام الصين للسيطرة على المزيد من موارد العالم المعدنية – أي المعادن التي نحتاجها في كل شيء، من أنظمة الأسلحة إلى التقنيات المتقدمة إلى إعادة بناء قاعدتنا الصناعية. وفي غضون ذلك، بدأت روسيا بشحن الغاز الطبيعي والنفط مباشرة إلى الصين وآسيا عبر طريق البحر الشمالي الذي تم افتتاحه حديثًا، مما يهدد بتقويض الطلب على صادراتنا من الطاقة.
لكن خصومنا يهيمنون على المنطقة؛ حيث تنشر روسيا أكثر من 30 كاسحة جليد تعمل بالديزل والكهرباء، وسبع كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، بالإضافة إلى كاسحات الجليد القتالية. واعتباراً من عام 2024، تشغّل روسيا 32 قاعدة عسكرية في المنطقة، وتنشئ المزيد منها بسرعة. أما الصين، التي لا تملك أراض في القطب الشمالي، فتشغّل 5 كاسحات جليد.
وبالمقارنة، لا يزال خفر السواحل الأمريكي، وهو خدمتنا المسلحة الوحيدة التي تستخدم كاسحات الجليد، يعاني من سنوات من الإهمال في عهد إدارة بايدن. فهو يشغّل 3 كاسحات جليد فقط حاليًا؛ إحداها عمرها يقارب 50 عاماً، ولم يكتمل بناء الثالثة إلا في وقت سابق من هذا العام. وبينما يمكنه القيام بدوريات في الشمال من أكبر قواعده في ألاسكا، لا يزال يعتمد على قاعدة كندية لإجراء عمليات في شرق القطب الشمالي.
ويحاول ترامب تغيير مسار الأمور؛ حيث تشرف وزارة الأمن الداخلي، بقيادة كريستي نويم، على أكبر استثمار بحري في القطب الشمالي في تاريخ الولايات المتحدة. وقد أثبت الرئيس أن هذا الأمر أولوية قصوى: فجهوده لتوسيع الوجود الأمريكي في منطقة القطب الشمالي الشرقي، وخاصةً بالقرب من غرينلاند، خير دليل على ذلك.
وقد خصص مشروع قانون الرئيس ترامب “الجميل الكبير” تمويلاً كافياً لبناء 17 كاسحة جليد جديدة: 4.3 مليار دولار لما يصل إلى ثلاث كاسحات جليد ثقيلة جديدة، و3.5 مليار دولار لبناء سفن أمن قطبية متوسطة جديدة، و816 مليون دولار لسفن كاسحة جليد خفيفة ومتوسطة.
ولسد الفجوة في كاسحات الجليد بشكل أكبر، وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية كاسحات الجليد مع فنلندا وكندا العام الماضي لبناء السفن بين دولنا الثلاث، ما يسمح لنا بتبادل الخبرات، وتدريب القوى العاملة المحلية، وبدء العمل على الوفاء بالتزام ترامب ببناء ما مجموعه 40 كاسحة جليد جديدة.
هذا هو جهد خفر السواحل لبناء أسطول كاسحات جليد متطور، يتيح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية الوصول المستمر إلى منطقة القطب الشمالي، وينافس روسيا والصين بشكل مباشر. وستشق هذه السفن الجديدة القوية طريقها عبر جليد بحر القطب الشمالي، مما يفتح الطريق أمام أمريكا لتوسيع وجودها بشكل كبير في نصف الكرة الشمالي.
ومن الواضح أن الرئيس ترامب والوزيرة نويم يدركان أهمية كل هذا، وضرورته فوراً. وكانت بعض أولى رحلات الوزيرة نويم بعد تعيينها إلى ألاسكا تؤكد أهمية وجود خفر السواحل هناك للأمن القومي الأمريكي.
كما أقرّ مجلسا النواب والشيوخ قانون تفويض خفر السواحل. وبمجرد توقيع الرئيس عليه، لن يقتصر الأمر على توسيع استثمارنا التاريخي في خفر السواحل فحسب، بل سينشئ منصب وزير خفر السواحل الذي سيرفع تقاريره مباشرة إلى البيت الأبيض والكونغرس. فهل ستساعد هذه الإجراءات الحكومة على التخلص من البيروقراطية ومنافسة الخصوم؟