في كل عام، ومع اقتراب ذكرى الأربعين الحسيني، تتجه أنظار الملايين من المؤمنين نحو كربلاء المقدسة، حيث تُقام واحدة من أعظم المسيرات الدينية في العالم. هذه المسيرة التي تجمع بين الروحانية، التضحية، والكرامة، لم تعد مجرد شعيرة دينية، بل تحوّلت إلى ظاهرة إجتماعية وثقافية وإنسانية تستحق التوثيق والدراسة. وقد أدرك صانعو الأفلام الوثائقية أهمية هذا الحدث، فبدأوا في إنتاج أعمال تسلّط الضوء على جوانبه المتعددة: من الحكايات الفردية إلى المشاهد الجماعية، ومن البعد المحلي إلى الطابع العالمي. في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفلام الوثائقية التي تناولت مسيرة الأربعين.
هذا الفيلم يُعدّ من أوائل الأعمال التي تناولت المسيرة المليونية بعد سقوط نظام صدام المقبور. يُسلّط الضوء على مشاركة فئات مختلفة من المجتمع العراقي: كبار السن، الأطفال، الشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة. يتميّز الفيلم بتوثيقه للحظة التحوّل التاريخي، حيث تحوّلت كربلاء المقدسة من مدينة محاصرة إلى رمز عالمي للحرية والكرامة.
يتكوّن هذا الوثائقي من ١٢ حلقة، كل منها تحمل قصة فريدة. بعض الحلقات تتناول مواضيع عامة، مثل الكرم، الضيافة، والتضحية، بينما تركز أخرى على قصص فردية مؤثرة. من بين الحلقات: «ضيافة الماء»، «ضيف الهور»، «بحثاً عن الجواهر»، «صورة لرضا»، «الإنشاد في المطر»، «جرس القهوة»، «بهذه البساطة»، «عودة المطر»، «التضحية»، «طريق الليل»، «العودة»، و«السيد أكرم». يعتمد الفيلم على المقابلات، ويُظهر مشاعر الشخصيات في مواقف حقيقية، مما يمنحه طابعاً إنسانياً عميقاً.
عمل مميز من إنتاج القناة الثانية الإيرانية، مدته ٧٠ دقيقة، يتناول وحدة الأعراق والمذاهب في العراق من خلال مشاركة شخصيات متنوعة في المسيرة الاربعينية، مثل فيزيائي مسيحي، شيخ من الصابئة، ومسلمين جدد من جنسيات متعددة. الحلقة الأخيرة مخصصة لكربلاء المقدسة، حيث يُسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها الزوار، من التعب الجسدي إلى التأمل الروحي. نال هذا الفيلم جائزة أفضل فيلم عاشورائي في مهرجان «سينما الحقيقة»، ويُعدّ من أبرز الأعمال التي جمعت بين الفن والرسالة.
يروي حياة السيد موسى عميدي، أحد تلامذة الإمام الخميني(رض)، ويُبرز العلاقة بين مسلمي إيران والعراق في ظل حكم صدام المقبور. خلال الحرب الصدامية الإيرانية، رفض السيد موسى دعوة الحكومة الصدامية للقتال، ما أدّى إلى أحداث تشبه ثورة الإمام الحسين(ع). يربط الفيلم بين نضال هذا العالم وبين مسيرة الأربعين، مما يمنحه طابعاً روحياً خاصاً، ويُظهر كيف أن المسيرة ليست فقط حدثاً دينياً، بل امتداداً لنضال تاريخي.
يتناول الفيلم جذور نشأة تنظيم داعش من منظور تاريخي، ويُظهر كيف أن هذا التنظيم ليس وليد اللحظة بل امتداد لمسار تاريخي طويل. يعتمد الفيلم على مصادر أرشيفية، لكنه يحتوي أيضاً على مشاهد حصرية من العراق، تُظهر الواقع كما هو، دون تزييف أو مبالغة. يُسلّط الضوء على العلاقة بين الفكر التكفيري ومسيرة الأربعين، ويُظهر كيف أن هذه المسيرة تُعدّ رداً عملياً على ثقافة العنف والكراهية.
وثائقي مؤثر يصوّر عظمة المسيرة المليونية للأربعين، ويستند إلى كلمات الإمام الخميني(رض)، الإمام الخامنئي، آية الله بهجت، وحجة الإسلام بناهیان، مما يمنحه طابعاً فكرياً وروحياً مميزاً. يُظهر الفيلم كيف أن الأربعين ليست فقط مناسبة دينية، بل رسالة عالمية تدعو إلى الوحدة، المحبة، والعدالة.
الفيلم من إخراج علي مؤمني، يروي قصة الزوار الباكستانيين الذين يقطعون آلاف الكيلومترات للوصول إلى حدود ميرجاوه في إيران، ومنها إلى كربلاء المقدسة. يُظهر الفيلم كرم الأهالي واستقبالهم الحار للزوار، ويُسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها الزوار في رحلتهم الطويلة.
الفيلم من إخراج مهدي أميني، يروي قصة الزوار الذين وصلوا إلى مهران في أيام الأربعين، لكن بسبب إغلاق الحدود لم يتمكنوا من إكمال رحلتهم. يُسلّط الضوء على مشاعر الحرمان والاشتياق، ويُظهر كيف أن الحب للإمام الحسين(ع) يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية.
فيلم «مشتي إسماعيل» من إخراج مهدي زمانبور، ويروي رحلة «مشتي إسماعيل»، فلاح كفيف من شمال إيران، الذي يختار السفر إلى مسيرة الأربعين بدلاً من إجراء عملية جراحية لعينيه. يُظهر الفيلم رحلته الروحية من قريته إلى كربلاء المقدسة، ويُسلّط الضوء على العلاقة بين الإيمان والتضحية.
الفيلم من إنتاج وحيد جاووش وإخراج أمين مقدمي، ويروي معاناة إمرأة عراقية في عهد صدام المقبور، ويعرض شعائر الأربعين التي كانت ممنوعة آنذاك. أما فيلم «غير قابل للبيع»، فيتناول ذكريات أب وابنه من خدام الزوار في الأربعين، ويُظهر كيف أن الخدمة في هذه المناسبة تُعدّ شرفاً عظيماً.
من ستوكهولم وكاراكاس إلى كربلاء المقدسة
«من ستوكهولم إلى كربلاء المقدسة» يروي قصة مصطفى، رياضي سويدي يشارك في المسيرة. أما «من كاراكاس إلى كربلاء المقدسة» فيروي تجربة صحفي فنزويلي في هذه الرحلة الروحية، ويُظهر كيف أن حب الإمام الحسين(ع) لا يعرف حدوداً.
«المعبر» يربط بين الأربعين والدفاع المقدس، ويُظهر كيف أن التضحية في سبيل الحق هي قيمة مشتركة بين الحدثين. «النخل لا يموت» يروي قصة شباب متعافين من الإدمان يؤسسون موكباً في طريق النجف إلى كربلاء المقدسة، ويُظهر كيف أن الأربعين تُعدّ فرصة للتطهير الروحي.
إنّ الأفلام الوثائقية حول الأربعين الحسيني ليست مجرد أعمال فنية، بل هي سرديات إنسانية تعبّر عن الحب، التضحية، والوحدة. من خلال عدسة هؤلاء المخرجين، نرى كيف تحوّلت مسيرة الأربعين إلى حدث عالمي يجمع بين الشعوب والثقافات، ويُظهر عمق الارتباط الروحي بالإمام الحسين(ع). إنّ هذه الأعمال تُعدّ جسراً بين الماضي والحاضر، وتُسهم في نقل رسالة كربلاء المقدسة إلى العالم، بلغة الصورة والمشاعر، لتبقى ذكرى الأربعين حيّة في وجدان الإنسانية. وما بين خطوات الزوار، ودموع العاشقين، وعدسات المخرجين، تتجلّى كربلاء المقدسة كرمز خالد للحق، والوفاء، والحرية.