يُشكّل تحولاً كبيراً في مجال أنشطة النقل العابر على طول ممر الشمال-الجنوب

الأهمية الاستراتيجية لجسر الخليج الفارسي في التنمية الجيواقتصادية لمنطقة قشم الحرّة

يُعدّ جسر الخليج الفارسي أحد أهم المشاريع الوطنية على الإطلاق، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن مزاياه الاستراتيجية في التنمية الجيواقتصادية لمنطقة قشم الحرة. هذا المشروع قادر على تمهيد الطريق - من الناحيتين الاقتصادية والجيوسياسية - لتحويل هذه المنطقة إلى مركز اقتصادي نشط، مما يشكل تحولاً كبيراً في مجال أنشطة النقل العابر لإيران على طول ممر الشمال-الجنوب، مع التركيز على منطقة قشم الحرة.

الإمكانات الجيواقتصادية

 

تقع جزيرة قشم في جنوب إيران، وفي أكثر مناطق الخليج الفارسي حساسية، شمال مضيق هرمز الاستراتيجي، وتغطي المنطقة الحرة التجارية-الصناعية قشم مساحة تقارب 300 كيلومتر مربع منها.

 

تتمتع قشم، باعتبارها أكبر جزيرة في الخليج الفارسي، بموقع فريد بين الخليج الفارسي والمحيط الهندي، حيث تمر خطوط الملاحة البحرية لجميع الدول المحيطة “إيران، العراق، الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات وسلطنة عُمان” قبالة سواحلها الجنوبية، كما يمر جزء كبير من حركة الطيران الشرقي-الغربي بالقرب من مجالها الجوي.

 

تُمثّل قشم، بكلّ خصائصها، نافذةً تطلّ على الخليج الفارسي، وبالتالي فإن هذه الجزيرة تقف شامخةً على قناةٍ تعبر منها كميات هائلة من النفط والغاز العالمي نحو الأسواق العالمية، وهذا الموقع الفريد هو ما يميّز قشم عن جزر الخليج الفارسي الأخرى.

 

ولطالما تمتعت جزيرة قشم، بسبب موقعها الجغرافي المميّز وجوارها لجزر هرمز ولارك وهنجام وتنب الكبرى وتنب الصغرى وأبو موسى، بأهمية جيوستراتيجية منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث، حيث حظيت بأولوية استثنائية في كل حقبةٍ زمنيةٍ نظراً لأبعادها الاستراتيجية والجيوسياسية.

 

لقد اتجهت سياسة حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما يخص جزيرة قشم نحو تحويلها إلى منطقة حرة تجارية-صناعية، وصولاً إلى جعلها أكبر قطب اقتصادي وصناعي في المنطقة بأكملها.

 

وقد أسهم اختيار موقع المنطقة الحرة التجارية-الصناعية في هذه الجزيرة، وما يرتبط به من تسهيلات ومزايا قانونية في مجال الأنشطة الاقتصادية، في تعزيز تأثير المنطقة على النظام الاقتصادي الوطني والإقليمي، وجعل هذا التأثير أكثر اتساعاً وحتمية.

 

في حين أن أكثر من 80% من التجارة العالمية اليوم تتم عبر البحار المفتوحة، فإن جزيرة قشم تقع عند البوابة الاستراتيجية لممر الخليج الفارسي، الذي يُعدّ أقرب وأهم مركز اتصال في العالم بين قارة أوروبا وجنوب وجنوب شرق آسيا.

 

الجدير بالذكر أن ممر الشمال – الجنوب الدولي الذي يبدأ من دول أوروبا الوسطى، يتصل في نهاية المطاف عبر الخليج الفارسي وبحر عمان والمحيط الهندي بجنوب شرق آسيا.

 

وتشير التقديرات إلى أن تكلفة نقل كل حاوية عبر هذا الطريق أقل بنسبة 30% من النقل عبر المسار الحالي “البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط”، كما أن الوقت المستغرق أقل بنسبة 50% مقارنة بالمسار الحالي.

 

وبالتالي، تمتلك قشم – بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الاستثنائي عند مدخل مضيق هرمز الاستراتيجي ووجود مصادر الهيدروكربونات في الجزيرة وحولها – مكانة متميزة أيضاً في ممر الشمال – الجنوب.

 

كما أن جزيرة قشم، بعد إنشاء المنطقة الحرة فيها، أصبحت تقع على مسار الرحلات الجوية الدولية من الشرق إلى الغرب حول العالم.

 

وبالنظر إلى انخفاض أسعار وقود الطائرات نسبياً فيها، فإنه من المتوقع – مع إنشاء محطة دولية للنقل الجوي في الجزيرة – توفير جميع الخدمات الجوية في المنطقة “مثل بيع الوقود، وصيانة الطائرات، ونقل البضائع، وخدمات الركاب وما شابه ذلك”.

 

ويتركّز نشاط المنظمة الرئيسي لمنطقة قشم الحرة على التنمية الاقتصادية للمنطقة. وبناءً على ذلك، جعلت المنظمة استكمال البنى التحتية المادية والرقمية للطرق من بين أولوياتها الرئيسية، وذلك لتهيئة البيئة الملائمة لأهم الفاعلين الاقتصاديين في المنطقة، بما في ذلك المستثمرون المحليون والأجانب في القطاعات الاقتصادية الرئيسية بالمنطقة.

 

 

أهمية جسر الخليج الفارسي في تنمية قشم

 

لا شك أن التحول الذي سيحدثه إنشاء جسر الخليج الفارسي في مجال الاتصال المباشر بين قشم والأراضي الإيرانية الرئيسية، سيلعب دورًا بالغ الأهمية في مسيرة التنمية الاقتصادية للجزيرة، وذلك لأن تشييد هذا الجسر سيجعل قشم تتجاوز وضعها كجزيرة معزولة، وهو ما سيؤثر بشكل ملحوظ على النقل البري.

 

من ناحية أخرى، سيسمح بناء هذا الجسر بزيادة حركة الزوار والسياح المحليين ونمو أعدادهم، مع إتاحة إمكانية الوصول إلى الجزيرة بأقل تكلفة وباستخدام المركبات الخاصة، ومن منظور اقتصاد السياحة، فإن توفير وسيلة نقل سهلة وآمنة وسريعة بين الجزيرة والبر الرئيسي، سيمكن بطبيعة الحال أعدادًا أكبر من السياح من الاستمتاع بجماليات وسواحل قشم.

 

من الجدير بالذكر أن أكثر من مليون سائح يزورون سنوياً جزيرة قشم الخلابة؛ وبالنظر إلى طبيعتها، فإن الوصول إليها متاح فقط عبر الوسائل البحرية والجوية؛ ونظراً لارتفاع تكاليف السفر الجوي بالنسبة لشريحة كبيرة من الشعب الإيراني، فإن أكثر من 90% من الزوار والسياح يصلون إلى الجزيرة باستخدام القوارب البحرية.

 

ومن المتوقع أن يساهم إنشاء جسر الخليج الفارسي في تعزيز أمان السفر إلى قشم وزيادة أعداد السياح المحليين إلى الجزيرة. كما أن إنشاء هذا المشروع سيمكن جسر الخليج الفارسي من لعب دور محوري كطريق اتصال ونقل للبضائع، مما يسهل وصول الدول غير الساحلية – خاصة دول آسيا الوسطى والقوقاز – إلى المياه الدافئة للخليج الفارسي.

 

وبالتالي، من المتوقع أن يصبح دور الجسر أكثر بروزاً في مجالات الخدمات والنقل والتخزين والترانزيت، بالإضافة إلى تدفق رؤوس الأموال نحو جزيرة قشم بشكل خاص.

 

ومن المهم الإشارة إلى أن تشغيل هذا المشروع لن يعزز فقط تسريع وتيرة تدفق البضائع ورؤوس الأموال من إيران والدول الواقعة شمالها إلى جزيرة قشم لتوجيهها نحو الأسواق الإقليمية، بل من المتوقع أيضاً أن يلعب جسر الخليج الفارسي – بالاستفادة من جميع الإمكانيات والسياسات الفاعلة – دوراً محورياً في التبادلات التجارية والاقتصادية بين دول جنوب الخليج الفارسي وحتى الدول خارج المنطقة مع دول آسيا الوسطى والقوقاز.

 

فعلياً، ينطوي تنفيذ مشروع جسر الخليج الفارسي في قشم على فوائد عديدة، فبإنجاز هذا المشروع، ستجد قشم نفسها ضمن ممر الشمال – الجنوب للنقل العابر، لتصبح مخزناً تجارياً ضخماً ومركزاً لتوزيع وإعادة تصدير البضائع.

 

ومن بين المزايا الإضافية لإنشاء جسر الخليج الفارسي خفض تكاليف النقل بنسبة لا تقل عن 30%، وتقليل زمن شحن البضائع بنسبة 40%، بالإضافة إلى التكامل الوظيفي بين ميناء كاوه في قشم وميناء الشهيد رجائي في بندرعباس.

 

ووفقاً للتوقعات، لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً بعد اكتمال الجسر حتى تثبت قشم مكانتها كالمحور الثانوي لممر النقل العابر والمركز الرئيسي للتخزين والتوزيع للبضائع لدول آسيا الوسطى والمستفيد الرئيسي من ممر العبور الدولي، وذلك بفضل المزايا التنظيمية والقانونية التي تتمتع بها المناطق الحرة مقارنة بالبر الرئيسي.

 

كما أن تنفيذ هذا المشروع سيسهم في تعزيز حضور المستثمرين المحليين والأجانب في قشم، ووضع المنطقة على مسار النقل العابر للبضائع، ومن خلال استغلال القدرات التصديرية، سيرتفع دخل الفرد للسكان والفاعلين الاقتصاديين في قشم.

 

يُعتبر جسر الخليج الفارسي جزءاً من المخطط الشامل لربط قشم بالبر الرئيسي الإيراني، حيث تقوم منظمة منطقة قشم الحرة بتنفيذ هذا المشروع الاقتصادي الضخم بالتنسيق مع نائبية التخطيط والرقابة الاستراتيجية التابعة لرئاسة الجمهورية وأمانة المجلس الأعلى للمناطق الحرة.

 

ويتضمن هذا المخطط الشامل للربط أربعة مكونات رئيسية: إنشاء جسر الخليج الفارسي، وتطوير وتجهيز الميناء الدولي كاوه، وإنشاء خطوط سكك حديدية تربط ميناء كاوه بشبكة السكك الحديدية الوطنية في منطقة بندرعباس، وإكمال وإنشاء طريق سريع بري يربط ميناء كاوه بالطريق السريع الوطني في بندرعباس، مع التركيز على جسر الخليج الفارسي كمحور رئيسي لهذا المشروع.

 

تنفيذ عمليات إنشاء جسر الخليج الفارسي كأحد الركائز الأربعة لمشروع شبكة الربط الشاملة للخليج الفارسي يعتمد على أربعة مشاريع رئيسية هي: الميناء والجسر والطريق البري والسكك الحديدية، حيث سيخلق مساراً جديداً يربط جزيرة قشم بالممرات التجارية الإقليمية ويوصلها بشبكة الطرق الوطنية.

 

ويبلغ طول جسر الخليج الفارسي3/430 متراً، ويتكون من عوارض بحرية بطول 360 متراً وأعمدة مثبتة في قاع البحر، بعرض سطح يصل إلى 32 متراً، ويشمل تصميمه أربعة مسارات لحركة المركبات ومساراً واحداً للسكك الحديدية ومساراً للطوارئ وممراً للمشاة، وسيتمكن هذا الجسر بعد اكتماله من ربط جزيرة قشم بالبر الرئيسي بشكل دائم وفعال.

 

ويقع هذا الجسر في المنطقة الفاصلة بين جزيرة قشم وبندرعباس، وسيسهم – بالإضافة إلى تطوير ممر الشمال – الجنوب – في تطوير رصيف كاوه وتمكين إنشاء طريق سريع وسكة حديدية على هذا المسار.

 

مع إنشاء جسر الخليج الفارسي، يصبح نقل البضائع عبر منطقة قشم الحرة مجدياً اقتصادياً، حيث سيتم نقل الغالبية العظمى من البضائع التي كانت تمر عبر ممر الشمال – الجنوب عبر هذا الجسر، مما سيمكن تنفيذ عمليات الاستيراد والتصدير وفق مجموعة من اللوائح والأنظمة المبسطة.

 

وبناءً على ذلك، ستشهد تكاليف النقل وزمن عبور البضائع من جزيرة قشم انخفاضاً ملحوظاً، كما ستنخفض التكلفة الإجمالية للسلع والخدمات بفضل إنشاء شبكة نقل بري وسكك حديدية.

 

ويتمتع هذا المشروع بأهمية استراتيجية كبرى على المستوى الوطني من حيث الأبعاد الاقتصادية والعمرانية والصناعية والسياحية والاجتماعية، حيث يؤدّي دور الحلقة الواصلة بين الطرق البحرية حول سواحل قشم وشبكة النقل البري والسكك الحديدية الوطنية، ضمن إطار ممر نقل بضائع آسيا الوسطى وعمليات الاستيراد والتصدير.

 

 

المصدر: الوفاق