وعقب مراسم الاستقبال الرسمية، وقّع مسؤولون رفيعو المستوى من إيران وأرمينيا بياناً مشتركا وعشر وثائق تعاون في مجالات مختلفة من الاقتصادية، والثقافية والسياسية والسياحية والصناعية والتعليمية والطرق والتنمية الحضرية والفنون والصحة، وذلك في إطار تعزيز مستوى العلاقات بین البلدین. كما وقع رئیس الجمهوریة ورئيس الوزراء الأرميني أیضاً بياناً مشتركاً بشأن الزيارات بين البلدين.
وفي الاجتماع المشترك لوفدي البلدين بحضور كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الأرميني، أكد الرئيس بزشكيان على ضرورة مراعاة مخاوف وقلق إيران ومراعاة اعتباراتها إزاء التطورات الجديدة في المنطقة، بما في ذلك التوقيع الأخير على مذكرة تفاهم بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان وأمريكا.
*مواصلة العلاقات الودّية
وأكد الدكتور بزشكيان، خلال اجتماع الوفود رفيعة المستوى من إيران وأرمينيا بعد ظهر الثلاثاء، أن قرار مواصلة العلاقات الودية بين البلدين هو إيمان راسخ من حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأعلن استعداد إيران لتسريع وضع اللمسات الأخيرة على خطة استراتيجية للتعاون طويل الأمد بينهما.
وأكد رئيس الجمهورية أن العلاقات والتعاون بين إيران وأرمينيا شهد تنام في جميع المجالات، وشدد على ضرورة تكثيف التبادلات والمشاورات بين مسؤولي البلدين لتذليل العقبات والمشاكل التي تعترض تحقيق الأهداف المنشودة وتنفيذ الوثائق المبرمة بينهما.
وأوضح رئيس الجمهورية: إن القواسم التاريخية والثقافية والحضارية العميقة بين إيران وأرمينيا تُشكل أساسًا مُلائمًا لتعزيز التعاون بين طهران ويريفان، على أساس السعي لتحقيق المصالح المشتركة. كما أكد على ضرورة مراعاة مخاوف واهتمامات إيران واعتباراتها إزاء التطورات الجديدة في المنطقة، بما في ذلك التوقيع الأخير على مذكرة تفاهم بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان وأمريكا، وقال: لطالما سعت إيران إلى إرساء الاستقرار والسلام في منطقة القوقاز، وستواصل سعيها لتحقيق ذلك.
* أرمينيا ملتزمة بالحفاظ على علاقاتها مع إيران
من جانبه، أعرب رئيس وزراء أرمينيا عن ارتياحه لزيارة الدكتور بزشكيان والوفد المرافق له إلى بلاده، وقال: لطالما كانت أرمينيا، وستظل، ملتزمة بالحفاظ على علاقاتها الودية والتاريخية مع إيران.
وأشار باشينيان إلى أن إيران وأرمينيا تتمتعان بقدرات متنوعة ومتكاملة، ويجب علينا توظيفها لضمان مصالح البلدين. كما أكد على أهمية الحدود المشتركة مع إيران بالنسبة لأرمينيا، وقال: إن التعاون مع إيران بروح حسن الجوار والحفاظ على علاقات الصداقة وتعزيزها له أهمية استراتيجية بالنسبة لأرمينيا، ولا شك أن اعتبارات إيران ستؤخذ في الاعتبار عند بناء الممر الجديد. وأضاف: أرمينيا مستعدة لإبرام وثيقة استراتيجية للتعاون طويل الأمد بين البلدين.
وتضمنت زيارة الرئيس بزشكيان أيضاً لقاء النخب الأرمينية في مجال الدراسات الإيرانية، والاجتماع مع الجالية الإيرانية المقيمة في أرمينيا، إضافة إلى المشاركة في الملتقى المشترك لرجال الأعمال من البلدين.
*التفاعل والتعامل مع الدول الأخرى
كما أكد الرئيس بزشکیان، خلال لقائه الإثنين مع الجالية الإيرانية في أرمينيا، أن التفاعل والتعاون يجعل عالمنا أكثر جمالاً وسعادة؛ مشيراً إلى أن زيارته لدول الجوار وسائر البلدان تأتي في إطار توسيع العلاقات وتعزيز التفاعلات الودية.
كما شدّد رئيس الجمهورية على أن الانعزال لا يؤدي إلا إلى التخلف عن ركب الحضارة والتقدم؛ لافتاً إلى أن التاريخ أثبت أن الشعوب التي كسرت القيود وانفتحت على الآخرين وتبادلت القدرات والإنجازات استطاعت تحقيق النمو والازدهار، فيما فشلت الحضارات التي لم تستطع التواصل والتفاعل مع الآخرين في مواصلة التقدم.
وأكد رئيس الجمهورية على ضرورة تطوير العلاقات أولا مع الجيران والدول القريبة، ثم مع جميع دول العالم؛ معتبراً أن التقدم الحقيقي يتحقق عبر تبادل الخبرات والقدرات والإنجازات مع الآخرين.
*ممارسات القوى المتغطرسة
وأشار الرئيس بزشكيان إلى أن النهضة العلمية في العصر الراهن ليست نتيجة جهود شعب أو دولة واحدة، بل هي ثمرة التفاعل بين الشعوب والأمم المختلفة؛ مشدداً على ضرورة تحديث وتعزيز العلاقات التاريخية العريقة بين الشعب الإيراني وجيرانه بما يعود بالنفع المشترك على الجميع.
وختم الرئيس بزشكيان بالقول: إن ممارسات القوى المتغطرسة التي تستخدم منجزات العلم للتسلط على الآخرين كما حدث في فلسطين وغزة من ظلم الأبرياء هي ذروة الدناءة ومصدر للعار والخزي؛ داعياً إلى بذل جهود جماعية لوقف هذه الجرائم.
*الأرمن يحظون بمكانة محببة وشعبية في المجتمع الإيراني
كما قال الرئيس بزشکیان لدى لقائه مع عدد من الأرمن المتخصصين في الدراسات الإيرانية في يريفان، مساء الاثنين، إن “الأرمن يحظون بمكانة محببة وشعبية كبيرة في المجتمع الإيراني”، مشيراً إلى أن كبار شعراء الفارسية لطالما أثنوا في أشعارهم على نقاء النفس واستقامة الأرمن.
وجاء هذا اللقاء في إطار أولى برامج زيارة رئيس الجمهورية إلى أرمينيا، حيث استمع إلى كلمات مجموعة من الباحثين الأرمن حول القواسم الثقافية والحضارية المشتركة بين البلدين، قبل أن يقرأ على مسامعهم بيت سعدي الشهير: “بنو آدم أعضاءٌ من جسد واحد…”، مؤكداً أنه لو اتخذ الناس هذا القول أساساً للتفكير والعمل لتلاشت الكثير من المشكلات.
وأوضح الرئيس بزشكيان أن القرآن الكريم ذهب أبعد من ذلك، حيث أكد أن لا فرق بين البشر إلا بالتقوى، ومعنى التقوى هو التفكير والعمل بلا خطأ، أي أن قيمة الإنسان بما يقدمه من خير ونفع للآخرين وبما يقلل من أذاه لهم. وأضاف: إن جميع الأديان والأنبياء دعوا البشر إلى الصدق وخدمة الآخرين بلا منّة وحسن المعاملة، وكل فكر أو سلوك يقود إلى الغضب والعداوة والحروب إنما هو وليد النفس الشيطانية وناتج عن فقدان التقوى. وتابع قائلاً: الأرض والحياة قصيرة للغاية أمام عظمة الكون، ولم يُخلق الإنسان ليهدي الألم والعذاب لبني جنسه، ثم يتشدق بالدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
*إدانة الحصار المفروض على غزة
وانتقد رئيس الجمهورية بشدة الحصار المفروض على غزة، حيث يُمنع عن سكانها الماء والغذاء والدواء فيما تتساقط عليهم القنابل ليلاً ونهاراً، بينما تدّعي بعض الدول الداعمة لهذا العدوان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتساءل رئيس الجمهورية قائلاً: كيف يمكن لإنسان أن يقف متفرجاً أمام موت طفل جوعاً وعطشاً؟ مؤكداً أن الأرض والإنسان لم يُخلقا من أجل حياة ملوّثة بالجريمة والقتل.
وفي ختام كلمته، عاد الرئيس بزشكيان ليؤكّد على عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين الإيراني والأرمني، قائلاً: قد ينسى المرء الكثير ممن عرفهم في الماضي؛ لكنه لا ينسى أبداً مَن عامله بالمحبة والخير. الشعبان الإيراني والأرمني لم يعرفا من بعضهما سوى الود والصداقة.
وشدد على أن إيران وأرمينيا يمكنهما، استناداً إلى علاقاتهما الثقافية والتاريخية والحضارية العريقة، تعزيز تعاونهما وتطوير شراكتهما، قائلاً: لقد سررت كثيراً بمحبتكم التي عبّرتم عنها باللغة الفارسية وبلهجتكم العذبة، وأنا على يقين أن هذه الروح الودية ستسهم في تعزيز العلاقات بين بلدينا وتوطيد السلام والاستقرار والصداقة والتقدم لشعبينا.
*مواصلة العلاقات الودّية مع أرمينيا
وفي منشور له على حسابه على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، أكد الرئيس بزشكيان على أن إيران تؤمن بالحفاظ على سيادة أرمينيا وسلامة أراضيها، ومواصلة العلاقات الودية بين البلدين. وأضاف: “في لقائي مع رئيس وزراء أرمينيا، أكدتُ أن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤمن بالحفاظ على سيادة أرمينيا وسلامة أراضيها، ومواصلة العلاقات الودية بين البلدين، ويجب معالجة مخاوفنا بشأن وجود قوات خارجية بالقرب من الحدود المشتركة معالجةً شاملة”.
*الوثيقة الشاملة للتعاون الاستراتيجي ستُحسم قريباً
من جانبه، قال وزير الخارجية سيد عباس عراقجي، عقب اجتماع القمة بين الجانبين: إن قادة إيران وأرمينيا اتفقوا على إتمام وثيقة شاملة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين في المستقبل القريب.
وأوضح عراقجي: أن المباحثات كانت “جدية للغاية”، وشملت مجالات التعاون الاقتصادي بما في ذلك التجارة، الاستثمارات، وتنفيذ المشاريع الفنية والهندسية، إضافةً إلى التعاون الثقافي الذي يحظى بآفاق واسعة بفضل الروابط التاريخية والثقافية بين الشعبين.
وأشار وزير الخارجية إلى أن الجانب الأرميني قدّم خلال اللقاء إيضاحات مفصّلة حول قضايا العبور والطرق الترانزيتية، بما في ذلك التطورات الأخيرة المرتبطة بالمشاورات في واشنطن، مؤكدًا أن يريفان قدّمت ضمانات واضحة باحترام الخطوط الحمراء لإيران، والتزامها بألا يُستخدم التراب الأرميني لتهديد الجمهورية الإسلامية.
وختم عراقجي تصريحه بالقول: إن الطرفين توصلا إلى اتفاق على الإسراع في إقرار الوثيقة الشاملة للتعاون الاستراتيجي، مشددًا على أن الحوار الذي جرى كان عميقًا وجادًا.