بات لا يخفي على أحد أن الاحتلال الصهيوني يرتكب جريمة نادرة من نوعها في القرن الـ21، جريمة لم تتوقف عند حدود ارتكاب مجازر عسكرية فحسب، إنما تجاوزها ليرتكب جرائم إبادة تعتمد طرقاً وأساليباً وحشية.
وسط هذه الكارثة التي ستظل لطخة سوداء على جبين المجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن فك الحصار عن أهالي قطاع غزة التي بدأت أجسادهم تتهالك بسبب الجوع، أجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الباحث والقيادي في جمعية العمل الإسلامي راشد الراشد، تحدث خلاله عن حالة التجويع الممنهج التي يعيشها قطاع غزة، وعن أهداف العدو الصهيوني من هذا الأمر.
*هشاشة النظام العالمي
الراشد تحدث عن ما يحدث من مجاعة في غزة من قبل الاحتلال، وعن هدف كيان الاحتلال من تجويع اهالي غزة، قائلاً: في زمنٍ تتباهى فيه الدول بمنظومات العدالة، وتُرفع فيه شعارات حقوق الإنسان في كل محفل، تقف غزة كجرحٍ مفتوح، يفضح زيف هذا الادعاء، ويكشف هشاشة النظام العالمي الذي كنا نظن أنه وُجد لحماية الإنسان، لا لتبرير سحقه.
وأردف موضحاً: ما حدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل مجزرة تطهير ممنهجة، تُرتكب أمام أعين العالم، دون أن يرتجف له ضمير أو تتحرك له إرادة. هناك، حيث يُحاصر الهواء، ويُمنع الماء، ويُجفف الخبز، يُستخدم التجويع كسلاح، ويُمارس القتل البطيء بحق شعبٍ أعزل، لا يملك سوى صوته الذي خذله الجميع.
وقال: لقد سقطت الثقة في النظام العالمي، حين اختار الصمت، وحين تواطأ بالصمت، وحين اكتفى بالإدانة اللفظية بينما كانت الأجساد تُنتشل من تحت الركام. لم يعد بالإمكان الحديث عن منظومة دولية عادلة، أو مؤسسات أممية منصفة، حين تُترك غزة لتواجه المجاعة، والدمار، والعزلة، دون أن يُكسر الحصار أو تُفتح المعابر. إن وصمة العار التي خلفها هذا الخذلان لن تُمحى من جبين الإنسانية، ولن تُغسلها بيانات الشجب، ولا مؤتمرات التضامن الموسمية. غزة كانت وما زالت اختبارًا أخلاقيًا للعالم، وقد رسب فيه الغالبية.
وأضاف: إننا لا نطالب بالشفقة، بل بالعدالة. لا نطلب العطف، بل نُطالب بالحق. فغزة ليست قضية إنسانية عابرة، بل هي مرآة تعكس انهيار القيم، وتُجبرنا على إعادة النظر في كل ما كنا نظنه ثابتًا في هذا العالم.
وعن ما يهدف اليه كيان الاحتلال من تجويع اهالي غزة، أوضح المسؤول في جمعية العمل الاسلامي: في زمنٍ تتفاخر فيه الدول بمنظومات العدالة الدولية، وتُعقد فيه المؤتمرات باسم حقوق الإنسان، تقف غزة كجُرحٍ نازف، يفضح زيف الشعارات ويهز الضمير العالمي. فالإبادة بالتجويع التي يتعرض لها أكثر من مليوني إنسان في القطاع ليست مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل جريمة ممنهجة تُرتكب بدمٍ بارد، وتُدار كأداة ضغط سياسي، وسط صمت دولي مريب. إنها ليست مجاعة طبيعية، بل مجزرة تطهير تُنفذ عبر سياسة التجويع، بهدف كسر إرادة شعبٍ لم ينحنِ، وتفكيك مجتمعٍ لم يساوم.
وأضاف:الاحتلال الصهيوني، وفقًا لتقارير حقوقية دولية، يستخدم التجويع كسلاح استراتيجي، يسعى من خلاله إلى فرض واقع سياسي جديد في غزة، يُقصي المقاومة، ويُعيد تشكيل السلطة بما يخدم مصالحه الأمنية. إنه تجويعٌ لا يستهدف المعدة فقط، بل يستهدف الكرامة، والانتماء، والحق في الحياة، لكن الأخطر من ذلك هو خذلان المجتمع الدولي، الذي اكتفى بالإدانة اللفظية، بينما تُنتشل الأجساد من تحت الركام، ويُدفن الأطفال بلا أكفان. لقد سقطت الثقة في النظام العالمي، حين اختار الصمت، وحين تواطأ بالصمت، وحين عجز عن حماية أبسط حقوق الإنسان.
*الصمت الدولي لم يعد مجرد تقاعس، بل صار تواطؤًا
وعن سبب عدم إعلان الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟ ولماذا هذا العجز الدولي امام ما يحدث؟ أوضح الراشد: في غزة، لا تُرتكب المجازر في الخفاء، بل تُبث على الهواء مباشرة، تُوثقها الكاميرات، وتُسجلها الضمائر الحية، بينما الأمم المتحدة تكتفي بالمراقبة، وتغلف عجزها ببيانات “قلق” لا تُسمن ولا تُغني من جوع. لم يعد الصمت الدولي مجرد تقاعس، بل صار تواطؤًا صريحًا، وشراكة سياسية في جريمة إبادة تُنفذ بالتجويع، والتدمير، والتهجير.
وقال: إن عدم إعلان حالة المجاعة في غزة، رغم كل المؤشرات الكارثية، ليس خللًا في المعايير، بل قرارٌ سياسي يُغلف الجريمة بورقة بيروقراطية. فحين يُمنع دخول الغذاء، وتُقصف المخابز، وتُستهدف فرق الإغاثة، ويُحاصر أكثر من مليوني إنسان بلا ماء ولا دواء، فإن التردد في تسمية المجاعة باسمها الحقيقي هو تواطؤ لا لبس فيه.
الأمم المتحدة، التي وُجدت لحماية الإنسان، باتت اليوم تُغطي على جرائم الاحتلال بصمتها، وتُشرعن الحصار بتقاعسها، وتُطيل أمد الكارثة بترددها. لقد تحولت من هيئة دولية إلى شاهد زور، يُسجل الأرقام دون أن يُسمي الجريمة، ويُوثق المعاناة دون أن يُدين الجلاد. إن ما يحدث في غزة ليس مجرد فشل أخلاقي، بل انهيار كامل لمنظومة العدالة الدولية. فحين يُباد شعبٌ أمام مرأى العالم، ولا تُكسر القيود، ولا تُفتح المعابر، ولا يُسمى الجوع جوعًا، فإننا لا نعيش في نظام عالمي منصف، بل في مسرحٍ كبير تُوزع فيه الأدوار، ويُترك الضحايا للنسيان.
*جريمة متعمدة، تُنفذ ببطء، وبغطاء دولي مريب
وحول العجز الدولي لوقف مجزرة الإبادة بالتجويع، أوضح: في غزة، لا يُرتكب الجرم في الظلام، بل تحت أضواء العالم، وعلى مرأى من مؤسساتٍ وُجدت لتمنع المجازر، فإذا بها تُشرعنها بصمتها. الإبادة بالتجويع ليست كارثة إنسانية فحسب، بل جريمة متعمدة، تُنفذ ببطء، وبغطاء دولي مريب. الأمم المتحدة، التي تملك سلطة الإعلان عن المجاعة، اختارت أن تُغلق عينيها، لا لأن الجوع غير موجود، بل لأن الاعتراف به يُدين من يجب أن يُحمى. هذا العجز ليس بريئًا، بل هو تواطؤ سياسي، يُغلف الجريمة بورقٍ دبلوماسي، ويُعيد إنتاجها كل يوم. لقد سقطت منظومة العدالة الدولية، حين باتت تُقايض الحق بالحياد، وتُساوم على حياة شعبٍ يُباد أمام كاميرات العالم. غزة لا تُعاني من نقص في الغذاء فقط، بل من فائض في الخذلان، ومن نظام عالمي هشّ، لا يُنصف، ولا يُنقذ، ولا يستحق أن يُؤتمن على إنسانية أحد.
وأضاف: لأن العالم لا يعجز، بل يتواطأ. فالعجز الدولي ليس قلة حيلة، بل وفرة مصالح، وتراكم حسابات سياسية تُعلّي كفة الاحتلال على كرامة الإنسان. ما يحدث في غزة من إبادة بالتجويع لا يحتاج إلى لجان تحقيق، بل إلى ضمير حي، والضمير العالمي اليوم ميتٌ تحت ركام الصفقات والتحالفات. الأمم المتحدة، التي تملك سلطة الإعلان والتحرك، اختارت أن تراقب بصمت، لأن إعلان المجاعة يعني إدانة، والإدانة تعني مواجهة، والمواجهة تعني خسارة امتيازات لا يريد أحد أن يفرّط بها. أما الدول الكبرى، فترى في دماء غزة تفصيلًا هامشيًا في خارطة نفوذها، وتُغلف الجريمة بورق دبلوماسي لا يحجب رائحة الجوع ولا صوت الأمهات المنكسرات. إن العجز الدولي هو وجه آخر للاحتلال، أكثر نفاقًا، وأكثر قدرة على القتل، لأنه يقتل الأمل، ويُشرعن الجريمة، ويُعيد إنتاجها كل يوم. غزة لا تُباد وحدها، بل تُباد معها فكرة العدالة، ويُدفن معها ما تبقى من إنسانية هذا العالم. الأمم المتحدة نفسها، رغم وصفها لما يحدث بأنه “أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي”، لم تتخذ خطوات عملية كإعلان المجاعة أو إرسال بعثات تحقيق مستقلة، ما يجعل صمتها شراكة غير مباشرة في الجريمة.
* غزة ليست ورقة تفاوض، بل قضية وجود
وعن كيفية ردع جرائم الاحتلال في غزة، أوضح الراشد: إن وقف مجزرة التجويع في غزة لا يحتاج إلى بيانات إدانة جديدة وكلام عاطفي هش، بل إلى كسر منظومة التواطؤ الدولي التي تُغلف الجريمة بورق دبلوماسي وتُشرعنها تحت مسمى “الحياد”. الحل لا يكمن في انتظار تحرك الأمم المتحدة، بل في إرادة سياسية جريئة وشجاعة تُعيد تعريف العدالة خارج حدود المصالح الغربية. يجب أن يُكسر الحصار بالقوة القانونية، لا بالمناشدات الهشة، وأن تُفتح المعابر بقرارات ملزمة، ويجب أن تُحاكم الدول التي تُسلّح الاحتلال وتُغطي جرائمه، لا أن تُمنح حق الفيتو في مجلس الأمن. الحل يبدأ حين تُعلن الدول الإسلامية أن غزة قضية وجود، وحين تُستخدم أدوات الضغط الاقتصادي والدبلوماسي لفرض ممرات إنسانية، ويبدأ حين تُستبدل بيانات القلق بخطوات عملية يتم فيها تجريم التجويع، وتوثيق الإبادة، ورفع دعاوى دولية ضد الاحتلال ومن يسانده.
وأضاف: غزة لا تحتاج إلى شفقة، بل إلى عدالة تُفرض، لا تُطلب. والمجزرة لن تتوقف إلا حين يُكسر الإجرام ضد الإنسانية، وحين يكسر الصمت، وتُكسر معه كل يد شاركت في تنفيد مجازر التطهير وحصار الحياة، لكن الحقيقة الأعمق التي كشفتها مجازر غزة ليست فقط في فشل المنظومة الدولية في حماية المدنيين، بل في انكشاف العطب البنيوي في النظام العالمي ذاته. فالعالم يُعاني من الإستبداد والديكتاتورية وغياب العدالة، وغياب الديمقراطية الحقيقية على المستوى الدولي. الديمقراطية، التي تُفترض أنها التعبير الأسمى عن إرادة الشعوب، تغيب حين تُصاغ القرارات المصيرية في غرف مغلقة، وتُحتكر أدوات التأثير من قبل قلة مستبدة تملك حق إتخاذ القرار وفق المصالح الضيقة الخاصة، فتُجهض أي محاولة لإنقاذ الأبرياء، وتُعطل أي مسار نحو المحاسبة.
وقال: بعد مجازر غزة فإن العالم بحاجة إلى ديمقراطية تُنقذ الإنسان من أن يُصبح رقمًا في دفتر المصالح، أو ضحية في مسرح النفوذ. فكل قطرة دم تُسفك هناك، هي شهادة على فشل النظام العالمي، وصوتٌ ينادي بإعادة صياغة العالم على أسسٍ أكثر إنسانية، أكثر عدالة، وأكثر ديمقراطية.
وأردف راشد الراشد: لا تُردع جرائم الاحتلال في غزة بالاستنكار العابر، ولا تُوقف المجازر ببياناتٍ مكرورة تُغلف العجز بورق دبلوماسي هشّ. ما يحدث هناك من إبادة ممنهجة لا يُواجه إلا بإرادة سياسية صلبة، تُعيد تعريف الحق خارج حدود المصالح، وتكسر جدار الصمت الذي بات شريكًا في الجريمة.
وأكد بالقول: إن الردع الحقيقي لا يُقاس بعدد البيانات الهشة، بل بقدرة الشعوب والمؤسسات على فرض العدالة، وعلى كسر احتكار الرواية، وعلى تحويل كل جريمة تُرتكب إلى وثيقة إدانة، وكل طفل يُقتل إلى شاهدٍ لا يسقط بالتقادم.
*التجويع سلاح صهيوني ممنهج
من جانبه قال الخبير اللبناني في الشؤون السياسية محمد هزيمة للوفاق: ما يجري في غزة هو أكثر من مجرّد مجاعة، إنه سلاح ممنهج تستخدمه “إسرائيل” لإخضاع شعب بأكمله عبر سياسة التجويع الجماعي. الاحتلال لا يكتفي بالقصف والقتل، بل يقطع الماء، يدمّر البنى التحتية، يمنع دخول الغذاء والدواء، ويحول الحصار إلى أداة إبادة صامتة. الهدف واضح: كسر الإرادة، إذلال السكان، ودفعهم إما إلى الاستسلام أو الهروب. إنها جريمة حرب ترتكب على مرأى العالم.
وعن سبب عدم إعلان المجاعة من قبل الامم المتحدة في غزة أوضح هزيمة: السبب سياسي بامتياز. إعلان المجاعة يعني تحميل الاحتلال مسؤولية قانونية مباشرة أمام المحاكم الدولية، وهو ما تخشاه الدول الكبرى الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذا العجز ليس تقنيًا ولا بيروقراطيًا، بل هو خضوع لمنطق القوة والنفوذ. المؤسسات الدولية مكبلة، تفقد مصداقيتها، وتُترك الشعوب تحت الحصار لأن الجلّاد ما زال يحظى بالحماية من قِبل حلفائه.
وأضاف: الحل يبدأ من كسر الصمت. واستخدام كل الادوات المتاحة والامكانيات الطبيعية في مقدمها سلاح النفط بقطعها عن كيان العدو وعن الانظمة التي تدعمها عسكريا وسياسية ويجب على الشعوب أن ترفع الصوت وتضغط على حكوماتها خاصة شعوب المنطقة وتنظيم حملات اعلامية بكل اللغات بدء من مواقع التواصل وصولا الى المنتديات الدولية، فالردع الحقيقي لا يأتي من قرارات أممية، بل من التحرك الشعبي. ثانيا والأهم، دعم المقاومة بكل اشكالها وفي مقدمها فصائل المقاومة المسلحة، ثالثا: فرض العزلة السياسية والدبلوماسية على الكيان المحتل بدا من الحكومات العربية التي اقيم علاقات معه، رابعا: تفعيل المسار القانوني في المحاكم الدولية، وملاحقة قادة الاحتلال كمجرمي حرب. دون تكلفة حقيقية يدفعها المحتل، لن يتوقف عن ارتكاب المجازر.