على أعتاب ذكرى رحيل النبي(ص) واستشهاد سبطيه الإمامين الحسن والرضا(ع)

النبوة والشهادة في مرآة الفن الإيراني

الوفاق: رحلة النبي محمد(ص) واستشهاد سبطيه الإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا(ع) ليست مجرد أحداث تاريخية، بل تجليات روحية وثقافية، وجدت في الفنون الإيرانية وسيلة للتعبير عن الحزن والولاء والقداسة.

في قلب التاريخ الإسلامي، تتجلى رحلة النبي محمد(ص) كمنارة للرحمة والهداية، بينما يشكل استشهاد الإمام علي بن موسى الرضا(ع) لحظة مفصلية في الوجدان الشيعي، محفورة في الذاكرة الجماعية ومجسدة في الفنون الإيرانية التي حولت الألم إلى جمال بصري خالد.

 

من النور إلى الخلود

 

في قلب الحضارة الإسلامية، تتجلى الشخصيات المقدسة كمنارات للمعنى والهوية، لا في النصوص الدينية فحسب، بل في الفنون التي تحوّل الوجدان إلى جمال بصري وروحي. الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، والنبي محمد(ص)، والإمام الحسن المجتبى(ع) والإمام الرضا(ع) ليسوا مجرد رمز تاريخي، بل محور ثقافي وروح في الوعي الإيراني، حيث امتزج الدين بالفن، والولاء بالإبداع، لتتشكل مدرسة فنية فريدة تُعرف بـ”الفن الرضوي”، وتُجسّد النبوة والشهادة في مرآة الجمال.

 

رحلة نبي الرحمة(ص).. من مكة إلى المدينة

 

النبي محمد (ص)، الذي وُصف بأنه “رحمة للعالمين”، خاض رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة، ليس مجرد انتقال جغرافي، بل تحول حضاري وروحي. هذه الرحلة كانت بداية لتأسيس مجتمع قائم على العدالة والتسامح، حيث تحولت المدينة إلى مركز إشعاع ديني وثقافي.

 

في الفنون الإيرانية، تجسدت هذه الرحلة في لوحات المنمنمات الفارسية، حيث يظهر النبي(ص) غالباً محاطاً بهالة نور، تعبيراً عن قداسته، دون تصوير ملامحه احتراماً للمقام النبوي الشريف. وتُستخدم رموز مثل البراق، الطائر المجنح، للدلالة على المعراج، في أسلوب فني يمزج بين الرمز والدقة الزخرفية.

 

الهجرة النبوية والمعراج.. من الرحمة إلى الرمز

 

رحلة النبي محمد(ص) من مكة إلى المدينة كانت تحولاً حضارياً وروحياً، تجسدت في الفنون الإيرانية عبر المنمنمات التي تُظهره محاطاً بهالة نور، دون ملامح، احتراماً لمقامه. يُستخدم البراق كرمز للمعراج، وتُدمج الزخارف النباتية والهندسية لتأطير المشهد، في أسلوب يمزج بين الرمز والدقة الزخرفية.

 

ومن أبرز الأعمال الفنية التي تناولت هذه اللحظة، لوحة “المعراج” للفنان الأستاذ محمود فرشجيان، التي تُجسّد النبي(ص) وهو يصعد في فضاء نوراني، تحيط به الكائنات السماوية، في حركة ديناميكية تُعبّر عن السمو الروحي، دون أن تُظهر ملامحه، بل تكتفي بالهالة النورانية التي ترمز إلى مقامه المقدس.

 

رحيل نبي الرحمة(ص) في الشعر الديني

 

يوم 28 من شهر صفر، هو يوم رحيل النبي محمد(ص)، يوم الحزن العام لأهل السماوات والأرض، ويومٌ وقف فيه الأدباء والشعراء الدينيون في حدادٍ وتأملٍ عميق.

 

إنه يوم الأسى والمصيبة لجميع الجنّ والإنس؛ يوم الرحيل المفجع لأعظم شخصية في الوجود، وهو مناسبة تجلّت بوضوح في أشعار الشعراء الدينيين. ومن بين هؤلاء، الشاعر محمد جواد غفورزاده، المعروف بلقب “شفق”، الذي صوّر أنين مدينة الرسول(ص) عبر التاريخ الإسلامي، وخاصة في عزاء خاتم الأنبياء.

 

جاء في قسم من قصيدة “شفق” : “مدينة.. مدينة النور والكرامة حتى لو سجد فيها الملَك، فذلك لا يكفي.. مدينة، مرآة النبوة من بين الأنبياء، هي الأسبق في الفضل.. مدينة مهبط الوحي والرسالة نور العالم، ومحل سجود آدم.. مدينة، ما شهدته من مشاهد بعد ألف عام، لا تزال حديثاً مجسّداً.. المدينة شاهدة على أحزان فاطمة الزهراء(ع)، هذه الأرض الطاهرة موطئ قدم فاطمة(س)”.

 

استشهاد الإمام الحسن المجتبى(ع)

 

استشهد الامام الحسن بن علي(ع) في 28 صفر وهو ابن سبع وأربعين سنة، وأقام مع أبيه بعد وفاة جده بثلاثين سنة، وأقام بعد وفاة امير المؤمنين(ع) عشر سنين، واستشهد مسموماً على يد زوجته جُعدة بنت الأشعث الكندي بأمر من معاوية بن أبي سفيان.

 

قال الشيخ المفيد: “وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم”، ففعلت وسمّت الإمام الحسن(ع)، فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد. فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء، ولقد دفن في البقيع بالمدينة المنورة.

 

وهناك أشعار كثيرة في رثاء الإمام الحسن(ع) كما يقول الشاعر الإيراني “محمود جوليده”: “من دون حبّ الحسن(ع)، لا تُحلّ عقدة القلب، فلا عشق يُوثّق إلا عشق الحسن(ع).. وإن كان الحسين(ع) ملح مائدة كل فيض، فلا كمال للفيض دون اسم الحسن(ع).. أحزان قلب فاطمة كانت أسرار الحسن(ع)، وشرح تلك الأسرار لا يُمكن أن يُفصّل..”.

 

استشهاد الإمام الرضا(ع).. مأساة النور في طوس

 

الإمام علي بن موسى الرضا(ع) رمز للعلم والحكمة، وقد نُقل قسراً إلى خراسان بأمر الخليفة العباسي المأمون، حيث استشهد مسموماً في مدينة طوس “مشهد حالياً”. هذا الحدث ترك أثراً عميقاً في الوجدان الشيعي، وارتبط بالحزن والولاء.

 

الفن الإيراني، خاصة في العصر الصفوي، تناول هذه المأساة بأسلوب تعبيري مؤثر. تظهر لوحات تصور الإمام الرضا(ع) في لحظات التأمل أو في حضرة السم، محاطاً بألوان قاتمة تعكس الحزن، بينما تُستخدم الزخارف النباتية والكتابات القرآنية لتأكيد القدسية.

 

ومن أبرز الأعمال التي خلدت الإمام الرضا(ع)، لوحة “ضامن الغزال” للأستاذ محمود فرشجيان، التي تُصوّر اللحظة الأسطورية التي يُروى فيها أن الإمام أنقذ غزالة من الصياد. اللوحة تُجسّد الإمام وسط الطبيعة، تحيط به الغزالة في نظرة استعطاف، بينما تتناغم الألوان والرموز لتُعبّر عن الرحمة الإلهية، والقداسة الإنسانية، في مشهد يتجاوز الواقعية نحو التجريد الروحي.

 

 

الشعر الفارسي في رثاء الإمام الرضا(ع)

 

عادةً ما يتناول الشعر الفارسي في رثاء الإمام علي بن موسى الرضا(ع) مظلوميته، غربته، واستشهاده في خراسان. وتُعالج هذه الأشعار مضامين مثل السمّ، العطش، الآهات والأنين، والمصائب التي حلّت بالإمام وأهل بيته(ع). وهي تعكس مشاعر دينية عميقة، وتُجسّد ولاء الشيعة لهذا الإمام العظيم.

 

الشاعر الإيراني الحاج غلامرضا سازكار يقول في قسم من قصيدته: “كعبة أهل الولاية هي صحن الإمام الرضا(ع) ومدينة خراسان هي كربلاء الإمام الرضا(ع).. في يوم المحشر، الله هو مشتري دموع كل من بكى هنا، بكى لأجل الإمام الرضا(ع).. من هو ملاذ الجميع سوى ابن فاطمة؟ وما رضا الله إلا رضا الإمام الرضا(ع)؟.. يُرفع على الأكفّ هديةً لله إذا نزلت دُرّة دموع، فهي عند قدم الإمام الرضا(ع).. السمّ سُكب، وأشعل ناراً في القلب وكان دم الكبد غذاء الإمام الرضا(ع)..”.

 

الفن كذاكرة وهوية

 

إن رحلة النبي محمد(ص) واستشهاد سبطيه الإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا(ع) ليست مجرد أحداث تاريخية، بل تجليات روحية وثقافية، وجدت في الفنون الإيرانية وسيلة للتعبير عن الحزن والولاء والقداسة. هذه الفنون لا تنقل الحدث فحسب، بل تعيد تشكيله في الوعي الجمعي، لتبقى الذاكرة حيّة، والهوية متجذرة في الجمال.

 

 

 

المصدر: الوفاق