زعيم الشيعة في عصره

كاشف الغطاء..واجه الغزو الوهابي فكرياً وعسكرياً

ما انفك يحارب اليهودية بيده ولسانه وقلمه بعدما أتقن اللغة العبرية ودرس التوراة حرفاً حرفاً لملاحقة اليهودية

2023-02-27

عبير شمص

على مدى الفترة الزمنية الشاسعة الممتدة بين بداية عصر الغيبة الكبرى، وحتى يومنا هذا، ظلت المرجعية الدينية حصناً منيعاً يلتجأ إليه الناس خصوصاً عند اشتداد الأزمات حيث تظهر الحاجة الفعلية لصوت العقل الراجح والكلمة الراشدة التي تنعكس على الدور الحقيقي للمرجعية، الذي لا يقوم به سواها من حيث الإرشاد والإعداد الفكري والتعبئة الشاملة والدعم المادي والمعنوي حسب متطلبات المرحلة الآنية باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وبناءً على ذلك فقد ظهر على امتداد هذه الفترة قادة من الطراز الأول، استوعبت حياتهم جميع آمال الأمة وآلامها فكانت دراسة سيرتهم الطاهرة تعني دراسة لواقع الأمة المتزامن مع تواجدهم.

ومن بينهم ظهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء، الذي تصادف ذكرى وفاته في هذه الأيام وبالتحديد في 22 من شهر رجب لسنة 1277 للهجرة، هو جعفر بن خضر بن يحيى الجناجيّ الحلّيّ النجفيّ كاشف الغطاء، مؤسّس أسرة “آل كاشف الغطاء” والمعروف بجعفر الكبير وشيخ المشايخ. والتي تنسب إلى قبيلة بني مالك، ويقال إلى مالك الأشتر أحد خواص أمير المؤمنين علي (ع)، وقائد جيشه.  لُقِّب بـــ”كاشف الغطاء” بعد تأليف كتابه الفقهيّ المشهور “كشف الغطاء”.وبها لقبت ذريته من بعده فأصبحوا يعرفون ب (آل كاشف الغطاء). وقد صارت إليه القيادة الدينيّة لشيعة العراق وإيران وغيرهما من البلدان بعد وفاة السّيّد مهدي بحر العلوم، فزادت شهرته ونفوذه الاجتماعيّ والسّياسيّ حتّى غدا مرجعاً للشّيعة في العالم.

مواجهة الشيخ كاشف الغطاء للغزو الوهابي

الشيخ جعفر كان فقيهاً متضلعاً ومتكلماً بارعاً وأديباً واعياً وقيادياً محنكاً، كل هذه المواهب التي امتلكها أهلته كي يمارس دوره القيادي ليس على مستوى إدارة العملية التدريسية في حوزة النجف العلمية بل راح يمارس الدور نفسه على مستويات الانتصار للإسلام من المشككين، والمناظرة مع النواصب والمبغضين إضافةً للدفاع عن مدينة النجف الأشرف ضد الوهابيين علمياً وعملياً. ويُعتبر الشيخ جعفر أول عالم دين شيعي ألّف كتاباً للرد على الوهابية إسمه “منهج الرشاد لمن أراد السداد”. في الكتاب ردّ على الشبهات التي طرحها الوهابيون ضد الشيعة والمعتقدات الإسلامية مثل مفاهيم الشفاعة والتوسل وزيارة الأئمة(ع).

أمّا عملياً عندما اندلعت الهجمة الوهابية في العراق وغزت مدينتي كربلاء والنجف الأشرف نهض الشيخ جعفر كاشف الغطاء مدافعاً عن المدينة ومقدساتها وشعبها وأفتى بوجوب التصدي لهم بل وحمل السلاح بنفسه وقام بتسليح العلماء والطلاب وبقية أهالي المدينة. وهو يعتبر بذلك أول مجتهد قاد بنفسه جهاداً دفاعياً وقام بدور القائد المجاهد ضد الوهابيين الذين حاصروا النجف واتبع قراره الشرعي بنفسه بإذن المجتهد بوصفه ممثل الإمام الغائب(عج)، الذي يستطيع أن يقود الجهاد ضد أعداء الإسلام.

التصدي لأفكار الإخباريين

عاش الشيخ كاشف الغطاء في زمن ذاع فيه صيت وأفكار الإخباريين في الحوزات العلمية وكانوا يتنافسون مع العلماء الأصوليين. في ذلك الزمن، لعب الشيخ جعفر كاشف الغطاء والذي كان يُعتبر من أفضل تلامذة العلامة وحيد بهبهاني (المجدّد الأصولي)، دوراً أساسياً في التصدي لأفكار هذه الفئة، فواجههم عبر دفاعه عن المنهج العقلاني في إستنباط الأحكام الشرعية في محاضراته ومؤلفاته المختلفة.

ولعّل أبرز هذه المواجهات الفكرية، كانت مناظرته العلمية مع الشيخ محمد بن عبدالنبي النيسابوري أحد أبرز علماء الإخبارييين في ذلك الزمن. بعد إجراء المناظرة، شعر الشيخ الإخباري بخطر بعد خسارته مكانته العلمية في الحوزة النجفية الأمر الذي دفعه لمغادرة مدينة النجف الأشرف، متوجهاً  إلى إيران لاجئاً عند سلطانها. في هذه الفترة، ألف الشيخ للرد على أفكارهم كتابه المشهور “كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء”، وأهداه لسلطان إيران وأذن له فيه بما نص عليه في كتاب الجهاد منه.

محاربة الشيخ كاشف الغطاء لليهود

إنّ لأسرة آل كاشف الغطاء اليد الطولى في محاربة اليهود، فقد حاربهم في العراق الشيخ جعفر صاحب يوم احتلوا أراضي الحلة الفيحاء قرب مرقد ذي الكفل _ وحاولوا تهويد أهاليها وقاربوا ذلك لولا أن ينبري الشيخ للسفر لأهلها مع جملة صالحة من تلاميذه، وما انفك يحارب اليهودية بيده ولسانه وقلمه كما جاء في كتابه كشف الغطاء في الرد على اليهودية بعدما أتقن اللغة العبرية ودرس التوراة حرفاً حرفاً لملاحقة اليهودية، وقد أسلم على يده رهطٌ كثير منهم.

ثم قامت أسرة آل كاشف الغطاء جيلاً بعد جيل بالمحاربة لهذه الفئة بأقلامهم وألسنتهم ونفوسهم. فقد استنهض الشيخ هادي كاشف الغطاء المسلمين واستنفرهم في دفع اليهود عن فلسطين في فتوى نقتبس منها: “أما بعد فقد بلغكم وملأ أسماعكم ما أفتى به علماؤكم الروحانييون زعماء الدين وأئمة المسلمين وحجج الله على العاملين من وجوب الجهاد على كل مسلم في شرق الأرض وغربها”.

كاشف الغطاء وولاية الفقيه

اختلفت الأراء حول مفهوم ولاية الفقيه عند الشيخ، فقد اعتقد بعض العلماء بإيمانه بنظرية ولاية الفقيه في بعض المفاهيم مثل الجهاد والقضاء وتنفيذ الحدود والأمور الحسبية والشؤون المالية، وعلى أنه لم يتحدّث بصراحة عن موقعية ولاية الفقهاء في الشؤون السياسية.

بينما اعتقد البعض الأخر عبر ملاحظة كلمات الشيخ وطريقة تعامله مع الحاكمين على أنها شواهد على مقبولية نظرية ولاية الفقيه عنده، إذ كان يقول:” لو إجتمع في أحد العلماء الفقه وإجادة الحكم فهو أحق للحكم على البلاد ولا حق لغيره بالنسبة إلى هذا الأمر”.

الإصرار على تنفيذ الحدود الإلهية

خدماته الإصلاحية كثيرة وقد عُرف عنه جديته في مكافحة المنكر وأهل الفساد، يذكر المؤرخون عن تفشي العادات والمنكرات في إيران وبالتحديد في مدينة شيراز، حيث انتشرت  مصانع الخمور، فتحرك الشيخ كاشف الغطاء في سفرة تبلغيةٍ وسافر بنفسه إلى هناك، وقد قدم له الملوك القاجاريون الخدمات والتسهيلات وسار في كل أرجاء إيران وهو يحارب المنكرات ولا تأخذه في الله لومة ‌لائم.

ختاماً لقد تنوعت الأدوار التي قام فيها الشيخ  كاشف الغطاء بتنوع الظروف التي مر بها العراق وهو يرزح حينئذ تحت نير الاستعمار العثماني الذي أوصل المجتمع إلى حالةٍ متردية من الفقر والعوز، فكانت البلاد عرضة للهجمات ومطمع للغرباء حيث لا رادع ولا دافع، فكان الأمر يتطلب من الحوزة العلمية المتمثلة بزعيمها الشيخ كاشف الغطاء حزماً تجاه المعتدين وتعبئة تجاه أبناء البلد والمحافظة على العقيدة الإسلامية من الأفكار المنحرفة والتكفيرية.

 

المصدر: الوفاق خاص

الاخبار ذات الصلة