من يملك الإرادة الحقيقية لإنهاء الحرب؟

بوتين وزيلينسكي بين الحرب والدبلوماسية

 موسكو تتهم الغرب بتعطيل المفاوضات، وباستخدام أوكرانيا كأداة في صراع جيوسياسي أكبر. هذا الاتهام يعكس رؤية روسية تعتبر أن الحرب ليست فقط مع كييف، بل مع منظومة غربية تسعى إلى تطويق روسيا وإضعافها وإعادة تشكيل النظام الدولي على أسس جديدة

في ظل حرب طاحنة دخلت عامها الرابع، وبين ضجيج الاتهامات الغربية وتضليل الإعلام الدولي، تبرز روسيا اليوم كطرف يسعى إلى إعادة ضبط إيقاع الصراع عبر بوابة الحوار المباشر.

 

دعوة الرئيس الأوكراني  زيلينسكي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، رغم ما تحمله من شروط مسبقة وتعقيدات سياسية، تُعيد إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً: من يملك الإرادة الحقيقية لإنهاء الحرب؟

 

من منظور موسكو، لم تكن الحرب خياراً، بل ردّاً اضطرارياً على توسع الناتو، وتجاهل الغرب لمخاوف أمنية مشروعة. فروسيا، التي خاضت مفاوضات طويلة قبل اندلاع النزاع، تجد نفسها اليوم في مواجهة تحالفات عسكرية تحاصرها، وعقوبات اقتصادية تستهدف شعبها، وحملات إعلامية تشوّه مواقفها. ومع ذلك، لا تزال القيادة الروسية تؤمن بأن الحل السياسي ممكن، وأن الحوار المباشر بين الرؤساء هو السبيل الوحيد لتجاوز المأزق الذي صنعته الحسابات الغربية.

 

الدعوة إلى اللقاء، إذن، ليست مجرد مبادرة أوكرانية، بل فرصة روسية لإعادة تعريف مسار التسوية، بعيداً عن الإملاءات، وبعيداً عن منطق الهيمنة. فهل يملك الطرف الآخر الشجاعة الكافية للجلوس إلى الطاولة دون شروط، ودون أوهام النصر الكامل؟ وهل يمكن للغرب أن يتراجع خطوة، ليمنح المنطقة فرصة للسلام الحقيقي، لا السلام المفروض؟

 

بوتين.. بين شروط اللقاء ومناورات الميدان

 

لا يبدو أن الكرملين يتعامل مع الدعوة بحماسة. تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي اتهم فيها زيلينسكي بـ«التعنّت ووضع شروط مسبقة»، تعكس موقفاً متحفظاً، بل رافضاً لفكرة اللقاء في ظل ما تعتبره موسكو «استفزازات أوكرانية» و«تعطيل غربي للمفاوضات».

 

بوتين، الذي يراهن على الوقت، وعلى تآكل الدعم الغربي لأوكرانيا، لا يرى في اللقاء فرصة حقيقية، بل ربما محاولة من كييف لإعادة تدوير الأزمة، أو لكسب نقاط سياسية في الداخل والخارج. ومن هنا، فإن أي لقاء محتمل سيكون مشروطاً، ومحمّلاً بتفاصيل معقدة، تتعلق بالحدود، وبالحياد، وبالضمانات الأمنية، وبمستقبل المناطق التي ضمّتها روسيا.

 

الغرب بين دعم أوكرانيا ومخاوف التصعيد

 

الدور الغربي في هذا السياق لا يمكن تجاهله. فالدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا، تواصل دعم أوكرانيا سياسياً وعسكرياً، لكنها أيضاً تدرك أن استمرار الحرب دون أفق سياسي قد يؤدي إلى نتائج كارثية. تصريحات نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس، التي تحدث فيها عن «تنازلات روسية مهمة»، تشير إلى وجود قنوات تفاوض خلف الكواليس، وإلى رغبة في إيجاد أرضية مشتركة، ولو مؤقتة، لوقف القتال.

 

لكن هذا الدعم لا يخلو من التناقضات. فبينما تؤكد واشنطن على ضرورة التفاوض، تتهم موسكو الغرب بتعطيل المفاوضات، وباستخدام أوكرانيا كأداة في صراع جيوسياسي أكبر. هذا الاتهام، الذي يتكرر في خطاب لافروف، يعكس رؤية روسية تعتبر أن الحرب ليست فقط مع كييف، بل مع منظومة غربية تسعى إلى تطويق روسيا، وإضعافها، وإعادة تشكيل النظام الدولي على أسس جديدة.

 

تبادل الأسرى.. خطوة إنسانية وسط الحرب

 

في خضم التصريحات السياسية، جاءت عملية تبادل الأسرى بين موسكو وكييف لتضيف بعداً إنسانياً إلى المشهد. تبادل 146 أسيراً من كل طرف، يعكس أن هناك قنوات مفتوحة، وأن الحرب، رغم قسوتها، لا تزال تحتفظ ببعض قواعد الاشتباك الأخلاقي.

 

لكن هذا التبادل لا يُقرأ فقط كخطوة إنسانية، بل أيضاً كمؤشر على وجود تفاهمات جزئية، وعلى إمكانية البناء عليها للوصول إلى اتفاقات أوسع. فالتفاوض على حياة الأسرى قد يكون مقدمة للتفاوض على مستقبل الحرب، وعلى شكل التسوية، وعلى طبيعة الضمانات.

 

الميدان بين المسيّرات والهجمات المضادة

 

في الوقت الذي تُطرح فيه فكرة اللقاء، لا تزال العمليات العسكرية مستمرة. أوكرانيا أعلنت عن استعادة ثلاث قرى في منطقة دونيتسك، وعن شنّ موجة من الضربات بمسيّرات على روسيا، ما تسبب في اندلاع حريق بمحطة للطاقة النووية. هذه التطورات تشير إلى أن الميدان لا يزال فاعلاً، وأن الحرب لم تدخل بعد مرحلة التجميد، بل لا تزال قابلة للتصعيد، وللتغيير في موازين القوى.

 

هذا الواقع الميداني يفرض تحديات على أي لقاء محتمل، إذ يصعب الحديث عن تسوية في ظل استمرار القتال، وفي ظل غياب وقف إطلاق نار شامل، أو حتى هدنة مؤقتة. ومن هنا، فإن أي لقاء بين زيلينسكي وبوتين يجب أن يُسبقه تفاهمات ميدانية، تضمن الحد الأدنى من الاستقرار، وتفتح الباب أمام نقاش سياسي جاد.

 

التحديات.. من الثقة إلى الضمانات

 

أكبر تحدٍ أمام اللقاء المحتمل هو غياب الثقة. فكل طرف يرى في الآخر خصماً وجودياً، ويشكك في نواياه، ويضع شروطاً مسبقة ، هذه الشروط المتضاربة تجعل من اللقاء مهمة شبه مستحيلة، ما لم تتدخل أطراف ثالثة، قادرة على تقديم ضمانات، وعلى إدارة التفاوض بحيادية. وهنا يبرز دور الدول الوسيطة، التي قد تلعب دوراً في تقريب وجهات النظر، وفي بناء الثقة، وفي صياغة إطار تفاوضي متوازن.

 

روسيا تفتح الباب.. فهل تملك كييف الجرأة؟

 

دعوة زيلينسكي للقاء بوتين، رغم تعقيداتها، تُعيد فتح نافذة للحوار. لكن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد. روسيا، التي خاضت الحرب من موقع الدفاع عن أمنها، لا تزال تؤمن بأن السلام ممكن، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع.

 

وفي انتظار ما ستؤول إليه هذه المبادرة، يبقى السؤال الأهم: هل تملك كييف الإرادة السياسية للتحرر من الضغوط الغربية، والجلوس إلى الطاولة بواقعية؟ وهل يمكن للغرب أن يتراجع خطوة، ليمنح المنطقة فرصة للسلام الحقيقي، لا السلام المفروض؟

 

المصدر: الوفاق