موناسادات خواسته
في زمن تتقاطع فيه الفنون البصرية مع الذكاء الإصطناعي، وتتحول فيه أدوات التصميم إلى أدوات تحليل وهندسة، يطلّ علينا الفنان والمصمم الإيراني “محمدعلي بلادي فرد” برؤية غير تقليدية للعمل الفني. فهو لا يصف نفسه كفنان محترف، بل كمهندس بصري يسعى إلى حلّ معادلات جمالية وتقنية، ويؤمن أن الفن الحقيقي لا يُخلق من فراغ، بل من تفاعل عميق بين الفكرة والأداة، وبين الحسّ والوظيفة.
في هذا الحوار، يتحدث بلادي فرد عن موقع الفن الإيراني في العالم، وعن تجربته مع الذكاء الاصطناعي، وعن علاقته الروحية بأعمال الأستاذ محمود فرشجيان، التي ألهمته لإنتاج لوحة “كوهر جاودانه” تكريماً لروح الفنان الكبير. كما يناقش أثر الذكاء الاصطناعي على الثقافة والفن، ويطرح تساؤلات جوهرية حول معنى الفن في عصر التقنية، وفيما يلي نص الحوار:
الفن الإيراني بين الأصالة والتقنية
بداية، سألنا الفنان “محمدعلي بلادي فرد” عن رأيه حول مستوى فن الغرافيك الإيراني عالمياً، والخصوصية التي تميز التصوير الإيراني. يرى بلادي فرد أن تقييم مستوى فن الغرافيك الإيراني عالمياً يتطلب دراسة عميقة لا يدّعي امتلاكها، لكنه يلفت إلى أن الفن الغرافيكي في إيران يحمل طابعاً مزدوجاً: جانب بصري فني، وآخر تصميمي وظيفي.
يرى محمدعلي بلادي فرد أن فن الغرافيك الإيراني غني ومتميز، لكنه لا يعتبر نفسه مؤهلاً لتقييمه على المستوى العالمي، نظراً لوجود أساتذة كبار في إيران قدموا أعمالاً رفيعة المستوى. يصف نفسه بأنه يعمل في الجانب الفني والتنفيذي أكثر من كونه فناناً محترفاً، ويؤكد أن تقييم الفن الإيراني يتطلب دراسة معمقة وفهماً شاملاً لتاريخه.
ويقول: أن الغرافيك فن ذو حدّين: أحدهما فني بصري، والآخر تصميمي وظيفي. ومع تطور العصر واندماج الفن مع التصميم والفنون الرقمية، يرى أن من الضروري تقوية المهارات التقنية لدى الفنانين.
بلادي فرد يركّز على الجانب الهندسي من التصميم، ويعتبر أن أعماله وأعمال فريقه أقرب إلى “الهندسة البصرية”، حيث تُنتج الأعمال الفنية باستخدام أدوات تقنية وتحليلات رياضية وفنية. ويضيف أن دخول أدوات مثل الذكاء الاصطناعي فتح إمكانيات واسعة، لكنه يتطلب فهماً عميقاً واستخداماً إبداعياً.
إنه لا يستطيع الجزم بأن أعماله تحمل الطابع الفني التقليدي، لذا يلجأ إلى استشارة أساتذة مختصين، مثلاً لتقييم ما إذا كانت المنمنمات التي ينتجها بالذكاء الاصطناعي تحمل فعلاً خصائص الفن الإيراني.
الذكاء الإصطناعي.. أداة أم شريك في الإبداع؟
يتحدث بلاديفرد عن تجربته مع الذكاء الإصطناعي بوصفه امتداداً لذهنية هندسية نشأ عليها منذ الطفولة. يرى أن هذه الأداة تتيح إمكانيات غير مسبوقة، لكنها تتطلب وعياً في الإستخدام.
ورداً على سؤالنا حول كيفية دخوله إلى هذه المسيرة يقول: الذكاء الإصطناعي بات حاضراً في كل العلوم، من الطب إلى الزراعة، والعديد من المجالات الأخرى، ومنها إنتاج الصور والفيديو.
أما كيف اتجهتُ إلى هذا المجال، فجزء من ذلك يعود إلى الذهنية الهندسية التي كانت لدي منذ الطفولة، ذهنية منشغلة بالرياضيات وحلّ المشاكل، وتسعى إلى تحقيق أقصى استفادة في أقل وقت، والحصول على ناتج عالي الجودة في وقت قصير. بالإضافة إلى ذلك، لدي اهتمام شخصي بالتكنولوجيا وتطور العلم، ومنذ الطفولة كنت أرسم وأصمم يدوياً، وكل هذه الأمور اجتمعت، وعندما حدث هذا التطور في العالم، دفعني أكثر نحو هذا الاتجاه، ووجدت في الذكاء الإصطناعي أداة مثالية لدمج هذه الإهتمامات.
“كوهر جاودانه”.. تكريم بصري لروح الأستاذ فرشجيان
لوحة “الجوهرة الخالدة” هي عمل بصري رقمي أنجزه الفنان محمدعلي بلاديفرد تكريماً للأستاذ محمود فرشجيان بعد وفاته. تتوسط اللوحة قبة الإمام الرضا(ع)، في إشارة إلى البعد الروحي الذي كان حاضراً في أعمال فرشجيان، وتعبيراً عن الامتنان والتقدير لإرثه الفني والديني. العمل نُفذ باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لكنه يحمل حساً وجدانياً عميقاً، وتجمع بين الرمزية الدينية والأسلوب البصري المعاصر، وتُعد مثالاً على كيف يمكن للتقنية أن تخدم الروح، حين تكون الفكرة صادقة والرسالة واضحة. وهي من أبرز أعماله، فقال حول هذه اللوحة: لوحة “كوهر جاودانه” أي “الجوهرة الخالدة”، فقد كانت تكريماً للأستاذ فرشجيان الذي كان له تأثير عميق في وجداننا الفني منذ الطفولة. بعد وفاته، شعرت أن من واجبي إنتاج عمل يخلّد إرثه، فكانت هذه اللوحة التي تضم قبة الإمام الرضا(ع)، وقد لاقت ترحيباً واسعاً.
أثر الذكاء الإصطناعي على الفن
عندما سألنا بلادي فرد عن رأيه حول تأثير الذكاء الإصطناعي على الفن، قال: بشكل عام، أراه تأثيراً إيجابياً، لكن لا يخلو من الجوانب السلبية. المشكلة أن البعض يركز على السلبيات فقط، ويتجاهل الإمكانيات الهائلة التي يتيحها. الأمر يشبه السكين: يمكن أن تنقذ به حياة من خلال عملية جراحية بالمستشفى أو ترتكب به جريمة. المهم هو كيف نستخدمه. الذكاء الاصطناعي يتيح لنا إنتاج أعمال لم يكن ممكناً تنفيذها سابقاً، من حيث الوقت والتكلفة والجودة. لكن يجب أن نستخدمه بوعي، وإلا فقد يتحول إلى أداة مدمّرة.
من الفكرة إلى التنفيذ
شرح بلادي فرد أن الأداة ليست هي الأساس، بل الفكرة والرسالة. يبدأ العمل دائماً من الإلهام، ثم يُقرر ما إذا كان سينفذه بنفسه أو يسلمه لفريق متخصص. وقال: الأداة ليست الأهم، بل الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجمهور. قد تكون صورة، نصاً، أو فيديو. الفكرة هي الأساس، وإذا كانت قوية، يمكن تنفيذها بطرق متعددة. أحياناً أقرر أنني لا أستطيع تنفيذ الفكرة، فأعطيها لفريق متخصص. لكن غالباً ما ننفذها بأنفسنا باستخدام أدوات متنوعة، منها الذكاء الاصطناعي.
أما المواضيع، فبعضها يأتي بطلبات خارجية، وبعضها ينبع من إحساس داخلي. مثلاً، العمل الأول الذي نفذته للأستاذ فرشجيان (لأنني نفذت عملين له)، كان عملاً نابعاً من القلب، لأن تقريباً كل من يرتبط بالأعمال الفنية مثلي، منذ الطفولة، تأثّر كثيراً بأعمال الأستاذ فرشجيان، وكانت دائماً نموذجاً لنا.
وكان هذا قبل وفاة الأستاذ، حيث كنت دائماً أتابع مقابلاته، وأسلوب حياته، وتفكيره. وبعد وفاته، شعرت أن من واجبي تنفيذ عمل ما، فأنجزت العمل الأول من القلب،ثم تلاه عمل ثانٍ تقديري، يحمل مضمون الشكر والتقدير لجهود الأستاذ، وكان عملاً إنتاجياً لنا، وهو عمل “الجوهرة الخالدة”.
نقطة مهمة يجب أن أذكرها هنا، هي أن الكثير من أعمالي تُنفّذ بشكل جماعي، من ابتكار الفكرة، حيث قد يشارك عدة أشخاص، حتى مرحلة التنفيذ، إلى أنه يصل إلى النتيجة النهائية. معظم أعمالي تُنفذ بشكل جماعي، من الفكرة إلى التنفيذ، لضمان الجودة والسرعة.
شهادة وجدانية
في ختام الحوار، يتحدث بلاديفرد عن الأستاذ فرشجيان بكلمات تحمل بعداً روحانياً عميقاً، وقال: أنا شخصياً أشعر أن الأستاذ فرشجيان لم يكن إنساناً عادياً. دائماً كان لدي هذا الإحساس تجاهه، وكأن الله قد نظر إليه وقال له: “اذهب واترك أثرك”. كان يجب أن يأتي إلى هذا العالم ويُنجز فيه عملاً ما. ولا أقصد فقط الأعمال الفنية، بل مجموع الجهود التي بذلها، والأعمال التي أنتجها، لها تأثير في هذا العالم، وأعتقد أن هذا التأثير كان يجب أن يتحقق من خلاله، وكأن هذا الحمل كان على عاتقه، وأن الله اختاره ليُنجز هذه المهمة، وقد أنجزها بأفضل شكل ممكن.
لقد عمل في مجالات متعددة، دينية وغير دينية، لكن أعماله الدينية كانت ذات خصوصية كبيرة، لدرجة أنني لا أرى نفسي في مستوى يسمح لي بإبداء رأي فيها، لأنها تحمل خصوصية عالية من حيث ارتباطها بأهل البيت(ع)، ومن حيث المستوى الفني والجودة العالية للعمل الفني.