محمد مهدي إيماني بور
يُعَدّ انعقاد “الاجتماع الثاني لقادة مسلمي دول البريكس” باستضافة البرازيل، نقطة تحوّل محورية في مسيرة هذه المجموعة، بل ويمثل ركيزة أساسية لتعزيز تحالف “بريكس” نفسه. إن التشاور والتآزر بين قادة العالم الإسلامي في فضاء البريكس لمواجهة الأزمات الدولية المتصاعدة ليس مجرد مطلب، بل هو ضرورة حتمية.
في جوهره، لا يمكن تصور تبلور أي نموذج للحوكمة والإدارة الجماعية في العالم دون مراعاة جذوره وامتداداته الثقافية. ودول البريكس، بدورها، تُجمع وتعي تماماً الدور التأسيسي الذي تلعبه الثقافة في تشكيل العلاقات الدولية الحديثة.
من هذا المنطلق، فإن اجتماع قادة مسلمي دول البريكس لا يقتصر على كونه مجرد لقاء رسمي لتبادل الأفكار حول الأزمات المتزايدة التي يشهدها عالمنا اليوم. بل وضرورة التوصل إلى نموذج شامل للدعم المتبادل والتعاون والتكامل، وتوجيه العديد من العلاقات التي تبدو في ظاهرها غير ثقافية، ضمن جوهر هذا النموذج المستدام وإطاره الراسخ.
إن العزيمة التي يبديها قادة دول البريكس لتحقيق هذا النموذج الكلي لهي جديرة بالثناء والتقدير. وفي هذا السياق، تبرز ثلاث نقاط أساسية لا بد من إيلائها الاهتمام اللازم.
أولاً: حظيت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاجتماع الثاني لقادة مسلمي دول البريكس بإشادة وتقدير الجميع، بصفتها دولة تعرضت مؤخراً لعدوان الكيان الصهيوني، وفي المقابل، وجّهت أقصى الضربات الممكنة لهذا الكيان.
أبعد من ذلك، كان لمواقف إيران الثابتة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني دور بالغ الأهمية في تركيز اهتمام أعضاء البريكس على المبادئ والحلول التي طرحناها. على هذا الأساس، قُدّم في البداية تعريف مفصّل للمجتمع الدولي، ومن ثمّ تمت الإشارة إلى الخطر الجوهري والماهوي الذي يمثله الكيان الصهيوني وداعموه على البشرية جمعاء، مع استعراض أمثلة على هذا الخطر في الماضي والحاضر والمستقبل.
وقد تم التأكيد بوضوح في هذا الاجتماع على أن تكتلي “بريكس” و”منظمة شنغهاي للتعاون”، بوصفهما مجموعتين ناشئتين وحيويتين أثار ظهورهما بأبعاده الثقافية والاقتصادية والسياسية غضب ورعب أعداء الأمن العالمي في واشنطن وتل أبيب، يجب عليهما أن يضعا مكافحة الظلم، ودعم حقوق الإنسان، والتأكيد على التعايش الديني في صدارة سياساتهما واستراتيجياتهما الشاملة.
والحمد لله، لقد تجلّى لنا أن صياغة هذه الاستراتيجيات الشاملة قد أصبحت هماً مشتركاً بين أعضاء البريكس (وبالتالي منظمة شنغهاي)، وأن دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كدولة ومنظومة رائدة في مواجهة تيار الظلم والهيمنة في العالم، هو دور ملموس ومفهوم تماماً لبقية الأعضاء. إن صياغة الاستراتيجيات الكلية لمجموعة بريكس بناءً على مكونين قيّمين وعمليين، هما الثقافة والجغرافيا السياسية، من شأنها أن تعزز التعاون الجماعي وتكبح جماح التهديدات المشتركة على كافة الأصعدة.
ثانياً: إن للقضايا الثقافية مدخلات ومخرجات. والمكان الذي تتبلور فيه هذه المدخلات في عالمنا اليوم هو هذه المحافل ومنصات التعاون الجماعي مثل “بريكس” و”شنغهاي”. فالتحالفات الناشئة مثل “بريكس”، بالإضافة إلى كونها فرصة مناسبة لخلق توازن اقتصادي وسياسي في العالم المعاصر، فإنها تمثل فرصة لتنمية التعددية الثقافية وتطوير “شرق ثقافي” لا يقتصر على كونه “شرقاً جغرافياً” فحسب.
إن سبب الصمت المتعمد أو الغضب المؤكد لتيار الهيمنة من هذا التآزر بين القادة الدينيين والثقافيين في فضاء البريكس هو أمر واضح وجلي. فالثقافة ليست أداة ولا عاملاً مجرداً، بل هي القوة الدافعة الرئيسية للحياة الجماعية لدول “بريكس” و”شنغهاي”. إن الثقافة هي التي تشكّل الأسس والسياقات الكبرى، بل وتمنح العلاقات الاقتصادية والسياسية، الكلية والجزئية، بين الأعضاء معناها واتجاهها.
ثالثاً: تتعلق النقطة الثالثة بالأساس والسياق الأوسع الذي يجب أن تُعرَّف من خلاله علاقات عالمنا الحالي. نحن اليوم في مرحلة يحتاج فيها العالم أكثر من أي وقت مضى إلى التعاطف والتآزر والتعايش السلمي. وفي ظل هذه الظروف الدولية المعقدة والتوترات الإقليمية والعالمية المتزايدة، فإن تناول قضية مثل التعايش بين الأديان ليس ضرورياً وحيوياً من منظور أخلاقي وإنساني فحسب، بل أيضاً من بُعد استراتيجي وإداري. لذا، يجب في البداية التوصل إلى توصيف مشترك وشامل لما يحدث في النظام الدولي، ومن ثمّ، يجب رسم “الوضع المنشود” وتفعيله بناءً على هذا التوصيف الشامل. وما يربط كل هذه المكونات معاً هو تلك النظرة الثقافية والحضارية.
إن تآزر قادة الأديان في فضاء البريكس يمثل طاقة كامنة يجب تحويلها إلى مُسَلَّمات موضوعية وواقع فعلي. وفي هذا المسار، قد خطونا وسنخطو خطوات جبارة. إن نتاج ومُخرَج هذا التآزر حول هذا الرصيد الاستراتيجي هو إرساء الاستقرار في العالم، ودرء التهديدات المشتركة في فضاء البريكس، وخلق فرص لن يكون لها سقف متوقع.
* رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية