أحمد الكومي/ باحث وصحفي فلسطيني
لم تكتف واشنطن بذلك، بل تعمد روبيو، المعروف بمواقفه المحافِظة في السياسة الخارجية، خاصة تجاه الكيان، زيارة حائط البراق وأداء طقوس تلمودية رفقة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما لو أنها ضربة أمريكية وإسرائيلية أخرى لعواصم 57 دولة إسلامية.
زيارة روبيو تعني الغطاء الأمريكي الصريح للعدوان على الدوحة، وبالتالي هي تعبير عن أكبر دعم سياسي للكيان في مواجهة الموقف العربي والإسلامي، كما تعبر في المقابل عن محاولة أمريكية مكشوفة للتنصل مع تبعات العدوان أو تحمل مسؤوليته.
وبالمناسبة، فإن عدد زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى حائط البراق خلال العام الجاري 2025 كان أربع مرات على الأقل. وهي من أهم مظاهر التزام الإدارة الأمريكية بدعم الكيان ومواقفه، عدا عن استخدام الرمزية الدينية والسياسية للقدس كرسالة للمنطقة وتأكيد على الموقف الأمريكي.
إذن، العرب في الدوحة والغرب في القدس، والفجوة كبيرة جدًا في المواقف والفعل، مع اندفاع التمدد الأمني الإسرائيلي في المنطقة، وإعادة الهندسة الجارية وفق مقاس سيادة تل أبيب.
القمة في الدوحة قد تكون استثنائية في الظروف التي قادت لها، وحدّة الكلمات ونبرة خطاب كل دولة، لكنها لن تخرج عن سقف الممكن عربيًا وإسلاميًا. أما البيان الختامي فلم يكن بحدة ولا تحدّي الرسالة التي كتبها رئيس الكنيست الصهيوني من أربع كلمات تعليقا على قصف الدوحة: “رسالة لكل الشرق الأوسط”.
ما نتج عن القمة لم يؤشر إلى وجود إرادة جادة للتأسيس لفعل عربي جماعي بل طغى السلوك الحذِر، فقد أظهرت القمة وجود “استعداد” لتوحيد الموقف، وليس إعلان مباشر بذلك. ورغم ذلك تظل القمة غير اعتيادية، فقد ظهرت على وجوه القادة العرب والرؤساء علامات عدم الارتياح للجموح الإسرائيلي في المنطقة عندما تصل الأمور حدّ استهداف الحليف الأعلى موثوقية للولايات المتحدة، وهي قطر.
حالة النشوة وتحدّي الإرادة الدولية التي يعيشها نتنياهو، والفرصة التي يتم تشخصيها إسرائيليًا لـ “تنظيف المنطقة” من أعداء الكيان، ولو تطلب الأمر كسر القواعد والأعراف الدولية، وتهديد العلاقات مع الحلفاء وفرص التطبيع، والاطمئنان لمواقف وردود فعل العواصم العربية، كل ذلك يضع القمة الحالية ومواقف الزعماء تحت الاختبار، حتى الضربة الإسرائيلية التالية، بعد الدوحة.
كان على قادة القمة أن يقرأوا جيدًا زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الكيان ضمن سياق الأحداث الأخيرة، ليقرروا أن المنطقة أمام منعطف تاريخي خطير تميل فيه السياسة الأمريكية تجاه المنطقة نحو دعم الحلول العسكرية والأمنية وإطلاق يد الموساد والتدخل المباشر والتسلّح وانكشاف دولي أكبر في حماية السيادة العربية، وكل ذلك على حساب الاستقرار الإقليمي والتسويات الدبلوماسية.
إن بقاء اختلاف مصالح الدول العربية وأولوياتها وتراكم أزماتها بالإضافة إلى تفاوت مستوى علاقاتها مع الكيان والولايات المتحدة، سيجعل إرادة هذه الدول في التجاوب مع دعوات وحدة الموقف العربي أضعف بكثير وربما منعدمة، ما يعود بها إلى حالة الحياد، وبذلك تضيع قمة الدوحة بين “أرشيف القمم العربية” ويفقد العرب الفرصة الثمينة لاستعادة دورهم المؤثر، وعلى الأقل حماية سماء دولهم.
لن يتوقف الكيان ونتنياهو عن مساعي إعادة هندسة الموقف العربي تجاه المقاومة الفلسطينية؛ عبر تحميلها مسؤولية ما تسميه تل أبيب “إيواء وتغذية الإرهاب”، وسيضرب ثانية عواصم هذه الدول، التي قد تجد أخيرًا أن الحلّ هو في تشارك المخاوف والأعباء الأمنية مع الكيان، وليس في قمة أخرى.