تصاعد الغضب داخل شركات التكنولوجيا الأميركية التي تتواطأ مع الاحتلال الصهيوني

التكنولوجيا في خدمة الإبادة..

ما يحدث داخل شركات التكنولوجيا الأميركية ليس مجرد تعاون تقني، بل هو تجسيد لتحالف أيديولوجي واقتصادي بين الهيمنة الأميركية والصهيونية. الولايات المتحدة، التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، تسمح لشركاتها بتقديم أدوات متطورة تُستخدم في قصف المدنيين، مراقبة الفلسطينيين، وتضليل الإعلام العالمي

الوفاق / في زمنٍ يُفترض أن تكون فيه التكنولوجيا أداة لتحسين حياة البشر، نشهد تحولاً مروّعاً في وظيفتها، حيث تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في عمليات عسكرية تستهدف المدنيين، وتُسخّر منصات التواصل لنشر الدعاية وتضليل الرأي العام. هذا التحول لم يمرّ بصمت داخل كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، بل فجّر موجة غضب واحتجاجات غير مسبوقة من داخل المؤسسات نفسها، حيث قرر موظفون كسر حاجز الصمت  ومواجهة التواطؤ مع الاحتلال الصهيوني في حربه على غزة.

 

من داخل المكاتب.. شرارة الغضب تشتعل

 

بدأت الشرارة من داخل شركة «أمازون»، حين أوقف المهندس الفلسطيني أحمد شحرور عن العمل بعد مطالبته العلنية بإنهاء عقود الشركة مع الحكومة الصهيونية. شحرور لم يكن الوحيد، فقد شهدت شركات مثل «غوغل» و«مايكروسوفت» اعتقالات وفصل موظفين شاركوا في احتجاجات داخلية، رفضاً لتورط شركاتهم في دعم آلة الحرب الصهيونية، في «غوغل»، فصلت الشركة أكثر من 50 موظفاً العام الماضي بعد مشاركتهم في احتجاجات نظّمتها حركة «لا للتكنولوجيا من أجل الفصل العنصري»، وهي مجموعة تضم موظفين حاليين وسابقين تطالب بإنهاء العقود مع الاحتلال. أما «مايكروسوفت»، فقد واجهت موجة احتجاجات داخلية بعد الكشف عن استخدام منصتها السحابية «Azure» لتخزين مكالمات هاتفية فلسطينية سُجّلت سراً، ما أثار مخاوف من استخدام أدواتها في مراقبة جماعية.

 

عقود بملايين الدولارات.. التكنولوجيا في خدمة القتل

 

الاحتجاجات لم تكن مجرد رد فعل عاطفي، بل جاءت بعد الكشف عن عقود ضخمة بين شركات التكنولوجيا والحكومة الصهيونية . «غوغل» وقّعت عقداً بقيمة 45 مليون دولار لتضخيم الدعاية الصهيونية على منصتها «يوتيوب»، في محاولة لنفي المجاعة في غزة وتبرير العدوان. أما شركة «بالانتير»، فقد أبرمت شراكة استراتيجية مع وزارة الدفاع الصهيونية لتزويدها بمنصات ذكاء اصطناعي مثل «لافندر» و«غوسبل»، التي تحدد آلاف الأهداف البشرية وتوجه الاحتلال لقصف منازلهم.

 

هذه المنظومات، بحسب تقرير صادر عن المقررة الأممية الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي، تمثل «بنية تحتية للإبادة الجماعية»، حيث يقتصر دور البشر على المصادقة الشكلية على قرارات القتل.

 

الهيمنة الأميركية-الصهيونية.. تحالف القمع والربح

 

ما يحدث داخل شركات التكنولوجيا الأميركية ليس مجرد تعاون تقني، بل هو تجسيد لتحالف أيديولوجي واقتصادي بين الهيمنة الأميركية والصهيونية. الولايات المتحدة، التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، تسمح لشركاتها بتقديم أدوات متطورة تُستخدم في قصف المدنيين، مراقبة الفلسطينيين، وتضليل الإعلام العالمي.

 

هذا التحالف لا يقتصر على الدعم العسكري، بل يمتد إلى البنية التحتية الرقمية، حيث تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف، وتُسخّر منصات التواصل لنشر رواية الاحتلال، بينما يُقمع صوت الموظفين الذين يرفضون التواطؤ، ويُفصلون من وظائفهم أو يُعتقلون داخل مقار عملهم.

 

المقاومة من الداخل.. انتفاضة الموظفين

 

في مشهد غير مسبوق، تحوّلت مكاتب شركات التكنولوجيا إلى ساحات احتجاج. في «مايكروسوفت»، أقام موظفون مخيماً داخل مقر الشركة في ريدموند – واشنطن، أطلقوا عليه اسم «ساحة الأطفال الفلسطينيين الشهداء»، قبل أن تتدخل الشرطة وتعتقل 18 متظاهراً. وفي «غوغل»، اعتُقل تسعة موظفين خلال اعتصام داخل أحد المكاتب في نيويورك، تبعته موجة فصل جماعي.

 

هذه التحركات، رغم القمع، تمثل بداية «انتفاضة عمّالية» ضد التواطؤ مع الإبادة، وتسعى إلى جعل الاستثمار في شركات مثل «بالانتير» و«مايكروسوفت» «سامًّا وغير مربح»، كما يقول المنظمون.

 

التكنولوجيا ليست محايدة..مسؤولية أخلاقية

 

الاحتجاجات داخل شركات التكنولوجيا تطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن فصل التكنولوجيا عن السياسة؟ الجواب يأتي من داخل المؤسسات نفسها، حيث يرى الموظفون أن استمرار العقود مع الاحتلال يجعلهم شركاء غير مباشرين في سياساته تجاه الفلسطينيين. التكنولوجيا ليست محايدة، بل تُستخدم كأداة قمع وإبادة، ويجب أن تخضع للمساءلة الأخلاقية.

 

من وادي السيليكون إلى غزة… صرخة ضد الإبادة

 

ما يحدث اليوم داخل شركات التكنولوجيا الأميركية هو أكثر من مجرد احتجاجات داخلية، إنه صرخة ضمير عالمي ضد استخدام التكنولوجيا في الإبادة الجماعية. من وادي السيليكون إلى غزة، تتقاطع خيوط الهيمنة والربح والقمع، لكن في المقابل، تتصاعد أصوات المقاومة من داخل المؤسسات نفسها، لتقول: لا للتكنولوجيا من أجل الفصل العنصري، لا للتواطؤ مع الاحتلال، لا لتحويل أدوات التقدم إلى أدوات قتل.

 

هذه الصرخة يجب أن تُسمع، ويجب أن تتحول إلى حركة عالمية تُجبر الشركات على إعادة النظر في عقودها، وتُعيد للتكنولوجيا وظيفتها الإنسانية، بعيداً عن منطق الهيمنة والدمار.

 

المصدر: الوفاق/ خاص