وبين الحماس لفوائد التعدد اللغوي والخوف من ضياع العربية، يقف الكثير من الآباء في قلق وحيرة، لكن الأكيد لم تعد اللغة الثانية ترفاً، بل أصبحت جزءاً من مستقبل أبنائنا في عصرنا المفتوح على كل الثقافات.
أفكار تهمك
القدرة على التحدث بأكثر من لغة واحدة ميزة يتطلع إليها العديد من الأشخاص، خاصة وأن التحدث بلغتين أو أكثر قد يمنحهم مزايا اجتماعية واقتصادية وفكرية.
في عالم أصبح التنوع والتقارب الثقافي فيه أكثر أهمية من أي وقت مضى، لذلك يسعى الكثير من الأهالي إلى اعتماد طرق عديدة لتعليم أطفالهم أكثر من لغة منذ سن مبكرة.
الثنائية اللغوية تعني قدرة الطفل على استخدام لغتين في سياقات لغوية متعددة وبشكل دوري، والعملية معقدة حتى يصل الطفل لمرحلة القدرة على التحدث بلغتين بشكل سليم، حيث يمر الطفل بالعديد من المراحل.
الأطفال الصغار يمكنهم بالفعل اكتساب لغتين في وقت واحد، والدليل على ذلك أن العديد من الأطفال ينشأون في مجتمعات يعد فيها التحدث بلغتين هو الأمر الطبيعي والسائد.
ولكن هناك عوامل تؤثر على نمو اللغتين والتي من شأنها أن تساهم في مدى تمّكن الأطفال من اللغة، ومنها كم وجودة اللغة التي يتعرض لها الطفل بالإضافة إلى استخدامه لها.
ومعدل نمو اللغة يتأثر بعدد المرات التي يتحدث فيها المعلم إلى الأطفال وعدد الأقوال أو عدد الكلمات التي يستخدمها عند الحديث معهم، بجانب التنوع في المفردات وتراكيب الجمل.
ماذا تضيف اللغة الثانية للطفل؟
عقول أكثر مرونة وذكاء: الأطفال الذين يتعرضون للغات متعددة منذ سنواتهم الأولى، يكتسبون قدرة أعلى على التركيز وحل المشكلات، فالدماغ في هذه المرحلة العمرية يتمتع بمرونة مذهلة، تسمح له بامتصاص الأصوات الجديدة بسهولة.
كما تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الأطفال الذين يتعلمون لغة ثانية قبل سن العاشرة، هم أكثر عرضة للتمكن الكامل منها، وبمعدل يقارب الضعف مقارنة بمن يبدأون لاحقاً، وهذا يعني أن السنوات الذهبية من عمر الطفل يمكن أن تصنع فارقاً كبيراً.
جواز سفر نحو المستقبل: اللغة الأجنبية ليست مجرد كلمات جديدة، بل هي مفتاح إلى فرص أوسع، ما زالت الجامعات المرموقة، والبعثات الدراسية، وحتى الكثير من الوظائف، تشترط إتقان الإنجليزية أو الفرنسية.
حين يبدأ الطفل مبكراً، فإن رحلته التعليمية تصبح أسهل، وتزداد ثقته بنفسه كلما تقدم في سنوات الدراسة، بل إن بعض الأمهات يلاحظن أن أبناءهن يبدون أكثر شجاعة في طرح الأسئلة، والتعبير عن أفكارهم حين يملكون وسيلة تواصل إضافية.
هل العربية في خطر؟
من أكثر المخاوف شيوعاً لدى الأهل أن اللغة الأجنبية قد تضعف العربية، والحقيقة أن هذا القلق مشروع؛ فالطفل الصغير قد يخلط بين المفردات، أو يستخدم كلمات أجنبية في حديثه اليومي، لكن الدراسات تشير إلى أن هذه الظاهرة مؤقتة، وأن الطفل الذي يتلقى دعماً قوياً في لغته الأم يستعيد توازنه سريعاً.
والحل يكمن في التوازن؛ بقراءة قصص عربية في البيت، تشجيع الأبناء على كتابة يوميات قصيرة بالعربية، ومناقشة مواضيع حياتية بلغة واضحة وسهلة، بهذه الطريقة تبقى اللغة العربية قوية، بينما يزدهر تعلم اللغة الثانية جنباً إلى جنب.
فجوة بين المدارس
ليست كل المدارس في العالم العربي تقدم فرصاً متساوية لتعلم اللغات، في بعض المدن والمدارس الخاصة، يبدأ الأطفال الإنجليزية أو الفرنسية منذ رياض الأطفال، بينما في المناطق الأقل حظاً، قد يقتصر الأمر على حصص متواضعة أو معلمين غير مدرَّبين جيداً.
هذه الفجوة تجعل أبناء بعض الأسر أكثر استعداداً للمستقبل، بينما يظل الآخرون في موقع أضعف، وهنا تبرز أهمية دور الأهل؛ فحتى لو لم تكن المدرسة قوية في تعليم اللغة، يمكن للأسرة أن تدعم الطفل من خلال القصص المصورة، البرامج التعليمية البسيطة، أو حتى التفاعل عبر ألعاب لغوية.