حين يتحول الألم إلى سرد، والبطولة إلى حكاية

أدب الدفاع المقدّس.. ذاكرة وطن تتكلّم بلغات العالم

هذه الكتب لا تكتفي بتوثيق الحرب المفروضة، بل تفتح نوافذ على الإنسان في لحظات الصراع، وتُظهر كيف يمكن للأدب أن يكون جسراً بين الذاكرة والضمير، بين الوطن والعالم.

تُعدّ فترة الدفاع المقدس التي استمرت ثماني سنوات من النقاط المضيئة في تاريخ إيران الإسلامي، وقد سعى العديد من الكتّاب إلى توثيق هذه المرحلة من خلال الإبداع، والموضوعات النادرة، والمضامين الجديدة، فنتج عن ذلك أعمال أدبية متعددة تعكس أجواء تلك الحقبة، وقد نالت بعض هذه الأعمال شهرة دولية.
يُعدّ أدب الدفاع المقدس أحد أبرز تجليات الذاكرة الثقافية الإيرانية، حيث سعى العديد من الكتّاب إلى توثيق تجربة الحرب المفروضة لثماني سنوات عبر أعمال أدبية مبتكرة، بعضها تجاوز الحدود الجغرافية ليحظى باهتمام عالمي.
 

 

من أبرز الأعمال التي تُرجمت إلى عدة لغات، كتاب «دا» للسيدة زهرا حسيني، الذي نُشر بالإنجليزية، العربية، الإسبانية، التركية، والأردية، كما تُرجمت أعمال أخرى مثل «نورالدين ابن إيران»، «فرنكیس»، و«سلام على ابراهیم» وغيرها.

 

 

فيما يلي نذكر نبذة قصيرة عن بعض النشاطات التي ستقام بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس الذي يبدأ من اليوم  الإثنين، ثم نذكر بعض الكتب التي شكّلت ملامح هذا الأدب، ونجحت في تحويل تجربة الحرب المفروضة إلى سرد إنساني مؤثر.

 

 

فعاليات ثقافية وطنية في أسبوع الدفاع  المقدس

 

بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس، تشهد إيران سلسلة من الفعاليات الثقافية والإعلامية التي تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتكريم تضحيات المناضلين وعائلاتهم، من أبرزها حملة «سرباز وطنم» أي «جندي الوطن» ومعرض «دست‌مریزاد» أي «أحسنت».

 

الحملة الإعلامية الشعبية «سرباز وطنم» انطلقت في الفضاء الرقمي من 19 سبتمبر ولغاية 27 منه، تحت شعار «الدفاع المقدس، اتحاد مقدس»، وتهدف إلى إعادة تعريف مفهوم الجندية من خلال التأكيد على أن كل وظيفة وسلوك مسؤول هو شكل من أشكال خدمة الوطن. المواطنون مدعوون للمشاركة عبر تسجيل مقاطع فيديو قصيرة تتراوح بين 20 إلى 30 ثانية، يعبّرون فيها عن انتمائهم الوطني بعبارة «أنا …، جندي الوطن»، ونشرها باستخدام الوسوم #سرباز وطنم #هفته دفاع مقدس #ایران قوي #ایران عزیز.

 

كما أقيم معرض «دست‌مریزاد» في صالة فکه بمتحف الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، خلال الفترة من 18 الى 20 سبتمبر. كان يضم المعرض أكثر من 3500 عمل فني ورسالة شعبية تم إرسالها من مختلف أنحاء البلاد، تكريماً للمناضلين وعائلاتهم. وقد جاءت هذه المبادرة بعد سلسلة لقاءات بعنوان «أم الوطن» نظّمتها بلدية طهران، وشارك فيها نخبة من النساء الناشطات في المجالات الاجتماعية والثقافية، حيث ناقشن قضايا الصمود، السرد النسوي للحرب، والشجاعة في الأزمات.

 

 

ترجمة كتب الدفاع المقدس

 

بعد ترجمة القصص القصيرة حول الدفاع المقدس، واستقبال القراء غير الإيرانيين لها، تم ترجمة العديد من الأعمال في هذا المجال إلى لغات مختلفة.

 

من أبرز هذه الكتب: «دا»، «الأحد الأخير»، «فتاة شينا»، «القدم التي بقيت»، «نور الدين ابن إيران»، «نسور التلة 60»، «سلام على ابراهیم»، و»فرنكیس»، وقد تُرجمت هذه الأعمال إلى لغات متعددة، فنذكر بعضها.

 

 

«سلام على إبراهيم»

 

خصص أحمد إسماعيلي صفحته الشخصية على منصة «إكس» للشهيد إبراهيم هادي، ويستمد معظم منشوراته من كتاب «سلام بر ابراهیم»، الذي قرأه في سن الخامسة عشرة وتأثر به بشدة. إقامته لعدة سنوات مع أسرته في لبنان، وصداقته مع عدد من الشباب اللبنانيين، دفعته إلى توزيع نسخ عربية من الكتاب عليهم، ليعرّفهم على الشهيد هادي، الذي يعتقد أحمد أنه، كما قال سماحة قائد الثورة، يمتلك جاذبية مغناطيسية تشد الإنسان إليه وتثبّته. استقبال اللبنانيين لهذا الكتاب وغيره من كتب الدفاع المقدس المترجمة إلى العربية، جعل أحمد يدرك أهمية دعوة سماحة قائد الثورة إلى إطلاق نهضة ترجمة الكتب المتعلقة بالحرب المفروضة.

 

 

«دا»

 

كتاب «دا»، وهو مذكرات السيدة زهراء حسيني، تُرجم إلى الإنجليزية، العربية، الأردية، التركية، والإسبانية. وقد ترجم بول سبراكمن الكتاب إلى الإنجليزية بعنوان «معركة امرأة»، ونُشر عبر دار مزدا في أمريكا. كما ترجم محمد بشير عالمي الكتاب إلى الأردية بعنوان «الأم»، ونشرته مؤسسة إيكو الثقافية. أما النسخة العربية فقد تُرجمت تحت إشراف مباشر من الشهيد السيد حسن نصر الله ونُشرت في لبنان، فيما تولت مريم حق روستا ترجمة النسخة الإسبانية.

 

 

«رسالة إلى عائلة سعد»

 

بدأ اهتمام القراء غير الإيرانيين بالأعمال الأدبية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ففي أواخر سبتمبر 2008، نشر موقع «إيلاف» قصة قصيرة من مجموعة «قصص المدينة الحربية» للكاتب حبيب أحمدزاده بعنوان «رسالة إلى عائلة سعد»، وقد لاقت هذه القصة ترحيباً غير متوقع من القراء.

 

القصة مبنية على واقعة حقيقية من فترة الحرب المفروضة، وقد اختارها عبد القادر الجنابي، الشاعر السوريالي العربي المقيم في فرنسا، لنشرها ضمن القسم الثقافي في «إيلاف». وقد أثار نشرها في هذا الموقع واسع الانتشار، الذي يغطي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ردود فعل من القراء، أظهرت تقارباً في وجهات النظر بين الشعوب العربية والشعب الإيراني حول الحرب. الشاعر العراقي صلاح حسن وصفها بأنها تكشف جوانب مجهولة من الحرب، بينما اعتبر الصحفي كمال شارزين أنها «أفضل قصة كُتبت عن العراق».

 

 

«ريشة  النسر»

 

بعد أشهر من نشر هذه القصة، وبالتزامن مع حصار غزة من قبل الکیان الصهيوني، نُشرت قصة «ريشة النسر»، التي تصف عملية مراقبة في مدينة محاصرة (آبادان) خلال فترة الدفاع المقدس، وتشبه كثيراً حصار غزة، وقد تُرجمت إلى الإنجليزية ونُشرت في عدة مواقع إلكترونية. وقد عبّر العديد من القراء عن آرائهم حول هذه القصة، ومن بينهم المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، الذي أرسل رسالة إلكترونية إلى حبيب أحمدزاده، عبّر فيها عن شكره العميق لتلقي القصة، وأشاد بقدرة الكاتب الإقناعية وذكائه في اختيار توقيت النشر في تلك الأيام المؤلمة (أحداث غزة).

 

 

«شطرنج مع آلة القيامة»

 

رواية «شطرنج مع آلة القيامة» لحبيب أحمدزاده، التي تحكي قصة شاب تعبوي في مدينة محاصرة، تُرجمت إلى عدة لغات، واختيرت ضمن مناهج جامعة روتجرز الأمريكية، كما تحوّلت إلى عرض مسرحي ضمن أفضل 14 عرضاً في كندا عام 2014.

 

 

«رواية السفر إلى اتجاه 270 درجة»

 

كذلك، رواية «السفر إلى اتجاه 270 درجة» لأحمد دهقان، التي نالت جائزة «الأرض المجهولة» في روسيا عام 2015، تُرجمت إلى لغات عديدة منها الإيطالية، الإسبانية، والبولندية، واعتبرها الكاتب رضا أميرخاني «أفضل رواية عن الحرب».

 

 

«أنا  حيّة»

 

كما شهدت مسابقة قراءة باللغة الأردية مشاركة أكثر من ثلاثة آلاف قارئ حول كتاب «أنا حيّة» للمؤلفة معصومة آباد، ما يعكس حضوراً متزايداً لأدب الدفاع المقدس في الوعي الثقافي خارج إيران، ويؤكد الحاجة إلى دعم حركة الترجمة لنقل هذا الإرث الإنساني إلى العالم.

 

 

الأدب كجسر بين الذاكرة والضمير

 

 

هذه الكتب لا تكتفي بتوثيق الحرب المفروضة، بل تفتح نوافذ على الإنسان في لحظات الصراع، وتُظهر كيف يمكن للأدب أن يكون جسراً بين الذاكرة والضمير، بين الوطن والعالم. إنها دعوة لترجمة هذه الأعمال، لا لتصدير الألم، بل لنقل روح المقاومة والكرامة إلى لغات العالم الحية.

 

 

أسبوع الدفاع المقدس هذا العام لا يقتصر على إحياء الذكرى، بل يفتح المجال أمام المواطنين للتعبير عن امتنانهم، ويُعيد تعريف معنى الجندية والانتماء الوطني في قالب فني وإنساني.

 

 

 

المصدر: الوفاق