الخطة الغربية الأمريكية ضد حزب الله

المراحل الثماني لمشروع الفوضى الأمريكية في لبنان

مارس الأمريكيون والسعوديون أكبر قدر ممكن من الضغط لعزل المقاومة في الساحة السياسية اللبنانية، واعتمدوا بشكل خاص على الانقسام بين حزب الله والتيار الوطني الحر.

2023-03-01

في آب / أغسطس 2021، بالتزامن مع الذكرى الأولى لانفجار بيروت، بُذلت جهود عديدة وجادة من الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والغربية لإثارة الفوضى في لبنان من خلال تحريض الناس على تنظيم احتجاجات عنيفة بهدف ضرب حزب الله. في ذلك اليوم، تم تصميم العديد من السيناريوهات وكان من المفترض تنفيذ البرامج كمقدمة لتدفع الناس إلى الشوارع.

فشل الخطة الغربية الأمريكية في لبنان ضد حزب الله

طبعا، كان هدف الجهات المذكورة من إخراج اللبنانيين إلى الشوارع هو بدء ثورة جماهيرية ضد حزب الله وتحميل هذا الحزب المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والانفجار المروع في مرفأ بيروت. في 4 آب 2021، كانت السفارة الأمريكية في لبنان تنتظر نتائج برنامج كانت قد صممته بالتعاون مع عدد كبير من الجمعيات والجماعات والحملات غير الحكومية، حيث تتكرر احتجاجات أكتوبر 2019 في لبنان، ولكن بشكل أكثر حدة ومختلف إلى حد ما عن ذي قبل، لكن عاملين رئيسيين تسببا في فشل هذه الخطة الأمريكية وحلفائها:

أولاً ، شارك المسيحيون فقط في التجمع الذي نظمته أمريكا والمحور التابع لها في لبنان، ولم تشارك فيه المنظمات الدينية الإسلامية ، سواء كانت سنية أو شيعية.

– السبب الثاني فشل أمريكا وحلفائها في حشد أكثر من ثلاثة آلاف لبناني للاحتجاجات ، وتفرق المتظاهرون بعد ساعات قليلة وعادوا إلى ديارهم، وكأن شيئا لم يحدث. فور فشل هذا البرنامج، طلبت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا من مساعديها استدعاء ممثلي الجمعيات والحملات المسؤولة عن إقامة التجمع إلى مكتبها.

ووبخت السفيرة الأمريكية ما لا يقل عن 16 من هؤلاء الممثلين واتهمتهم بالتقصير في العمل. وقالت شيا إن المعركة مع حزب الله داخل لبنان يجب أن تستمر إلى أجل غير مسمى ويجب أن نضغط على هذا الحزب بأي طريقة ممكنة، والهدف هو تحميل اللبنانيين لحزب الله مسؤولية عن الأزمات والانفجار في بيروت.

بعد ذلك، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لبنان وبدأ برنامج عمل في هذا البلد، والذي، حسب الفرنسيين، كان بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، كما كانت السعودية على علم بهذا البرنامج إلى حد ما. بالتزامن مع مناورة الفرنسيين وماكرون نفسه بضرورة التعامل بواقعية مع عوامل الأزمة اللبنانية، واصل الأمريكيون خطتهم بهدف تكثيف الضغط السياسي والاقتصادي والنفسي على لبنان ومؤسساته.

نفقات السعودية الضخمة لعزل المقاومة في الساحة السياسية اللبنانية

استمر هذا الوضع حتى الانتخابات النيابية اللبنانية في مايو 2022. عشية الانتخابات النيابية في لبنان حاول الأمريكيون والسعودية تنظيم جبهة تعطي الأغلبية البرلمانية لحلفائهم، وبهذه الطريقة تتشكل الحكومة اللبنانية وفق رغبة الرياض وواشنطن، وأخيراً يكون الرئيس وفق ما يريدون في لبنان.

مارس الأمريكيون والسعوديون أكبر قدر ممكن من الضغط لعزل المقاومة في الساحة السياسية اللبنانية، واعتمدوا بشكل خاص على الانقسام بين حزب الله والتيار الوطني الحر. حتى أنهم ركزوا على “وليد جنبلاط”، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي انفصل عن حركة 14 آذار، وعلى زعماء السنة المقربين من “سعد الحريري”، رئيس وزراء لبنان الأسبق، الذي أعلن انسحابه من عالم السياسة قبل عام.

في غضون ذلك، أنفق السعوديون مبالغ طائلة من أجل تشكيل خطاب إعلامي قوي ضد حزب الله، وكانوا يحاولون الهيمنة على الإعلام اللبناني الرائد في إطار هذا الهدف، وكانوا يهدفون لـ “شيطنة المقاومة” في المقدمة عند الناس من خلال وسائل الإعلام. قبل ذلك بقليل، من خلال استيراد الوقود من جمهورية إيران الإسلامية إلى لبنان، لعب حزب الله دورًا بارزًا في إنقاذ جميع فئات الشعب في البلاد من أزمة الوقود في فصل الشتاء، حيث لجؤوا إلى وعود كاذبة لاستيراد الكهرباء والغاز من الأردن ومصر الى لبنان.

لهذا الغرض خدع الأمريكيون كل السياسيين والإعلاميين والشخصيات البارزة وأهمها الأمة اللبنانية لاستيراد الطاقة والآن وبعد قرابة عامين أدرك اللبنانيون أن كل وعود الولايات المتحدة في هذا الصدد كانت فقط اقوالا، وأنهم يعيقون استمرار استفادة اللبنانيين من وقود إيران.

استراتيجية واشنطن التآمرية الجديدة في لبنان

الأميركيون لم يتوقفوا عن التآمر في لبنان وواصلوا استراتيجيتهم في هذا الإطار. الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة في المرحلة الجديدة ضد لبنان وخاصة المقاومة هي تكثيف الضغوط الاقتصادية بهدف ضرب حزب الله وأنصاره لإرهاق هذا الحزب وإجباره على تقديم تنازلات. في هذه العملية، لم ينتبه الأمريكيون حتى إلى آراء حلفائهم اللبنانيين. كان هؤلاء الحلفاء لواشنطن يحاولون شرح كيف أطلق حزب الله أكبر عملية تضامن داخل لبنان، وحتى قواعد المقاومة الشعبية تم رسمها خارج محيطه بين الطوائف أو الجماعات السياسية الأخرى.

عطّلت الولايات المتحدة، مع أوروبا وبمساعدة شركائها الداخليين في لبنان، أنشطة جميع المؤسسات الرسمية في لبنان وقيّدتها، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية. بعد انتهاء الولاية الرئاسية لرئيس لبنان الأسبق ميشال عون، حاول الفرنسيون إبرام اتفاق جديد في لبنان، بعنوان اتفاق على انتخاب رئيس مقبول لدى باريس وواشنطن والرياض.

لكن الفرنسيين أدركوا في القريب العاجل أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تصران صراحة على انتخاب رئيس غير موافق عليه من قبل حزب الله ومن المعسكر المعارض لهذا الحزب، وبالتالي يخططون لزيادة ضغطهم على لبنان لتحقيق هذا الهدف..

بعد ذلك، أصبحت الخلافات التي نشأت بين التيار الوطني الحر وحزب الله نتيجة عوامل مثل مشاركة ممثلي حزب الله في الاجتماعات الضرورية للحكومة، والتي عارضها التيار الوطني الحر، ذريعة للولايات المتحدة والسعودية للصيد في المياه العكرة، وحرق خيار “سليمان فرنجية” رئيس حركة المردة كمرشح معتمد للمقاومة لرئاسة لبنان، وتحريك الوضع لصالح خيار “جوزيف عون” قائد الجيش.

خلال الشهرين الماضيين، بذلت واشنطن والرياض جهودًا كثيرة لإخراج سليمان فرنجية من السباق الرئاسي اللبناني، ولا سيما في قمة باريس الأخيرة التي عُقدت بمشاركة مصر والسعودية وقطر والولايات المتحدة وفرنسا.. في هذا الاجتماع، أكد السعوديون صراحةً أنهم يرفضون سليمان فرنجية وأن رئيس لبنان المقبل يجب ألا يحظى بموافقة حزب الله.

المراحل المختلفة لمشروع الفوضى الامريكية في لبنان

لكن يمكن وصف الخطة الأمريكية متعددة المراحل لتنفيذ مشروع الفوضى في لبنان على النحو التالي:

أولاً- قصد الأمريكيون تسجيل نقاط للنظام الصهيوني في حالة رسم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة، أو على الأقل تحديد حزب الله على أنه سبب فشل هذه القضية، لكنهم في النهاية أجبروا على الاتفاق. وكان سبب استسلام تل أبيب وواشنطن لمطالب لبنان هو الضغط المباشر للمقاومة على الصهاينة الذي وصل إلى حد تهديد الخيار العسكري.

التطور الثاني- يتعلق بأزمة المحروقات في لبنان والتي يلعب الأمريكيون دوراً رئيسياً في تعقيدها. في حين أن الولايات المتحدة لا تسمح باستيراد الوقود من دول أخرى مثل إيران إلى لبنان من خلال فرض العديد من العقوبات، إلا أنها تخلت أيضًا بوعودها لحل أزمة الوقود في البلاد، وعلى الرغم من أن البنك الدولي كان من المفترض أن يستورد الطاقة من الأردن ومصر إلى لبنان كقرض، ولكن بحجة أن اللبنانيين لم يستوفوا الشروط اللازمة لهذا البنك، أبلغهم أنه لا يمكن منحهم القرض.

المسألة الثالثة- تتعلق بالزيادة المفرطة في سعر الدولار وهبوط الليرة اللبنانية، الأمر الذي تسبب في حدوث فوضى في سوق العملات، وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى السياسات المنحازة والخاطئة لرئيس البنك المركزي رياض سلامة، الرجل الاول لاميركا في لبنان، في حين أن قضايا فساد رياض سلامة مفتوحة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، ولكن الأمريكيين يواصلون دعمه. كما شلت الولايات المتحدة لبنان بالكامل مالياً بفرض عقوبات خانقة من جهة والضغط على الشركات المالية من جهة أخرى.

– تزايد تدخل الغرب وأمريكا، وخاصة ألمانيا، في عمل القضاء اللبناني بشكل كبير، وتحاول هذه الأطراف تسييس وتدويل قضايا مثل قضية بيروت من خلال ترهيب وتهديد السلطات اللبنانية بالعقوبات.

– الأمريكيون والدول الغربية يصرون على التعامل مع لبنان باعتباره “دولة فاشلة” وأكدوا أنهم لن يشاركوا في أي مشاريع دعم وتنمية للبنان. ووضع صندوق النقد الدولي، الذي كانت السلطات اللبنانية تعقد آمالا كبيرة فيه، شروطا عديدة وغير قابلة للتنفيذ لمساعدة هذا البلد.

– الحملة الأمريكية والسعودية المشتركة على لبنان لاستغلال الأوضاع الحرجة لهذا البلد، حيث أطلقوا عملية أمنية استهدفت بشكل مباشر المؤسسات التي لها علاقة بشؤون الناس، ونتيجة لذلك تم إغلاق المكاتب العقارية والوحدات الضريبية في وزارة المالية. في الوقت نفسه، نشهد اضطرابات في عملية التعليم والتدريب في لبنان وتشجيع الطلاب على الهجرة إلى الخارج.

– الخطوة القادمة هي الاستعداد لانفجار اجتماعي كبير وخلق توترات أمنية في مناطق مختلفة من لبنان. بعد سنوات من الضغط على المقاومة، أدرك الأمريكيون أن واقع لبنان لا يسمح لأي قوة داخل البلاد بمواجهة حزب الله مباشرة أو جره إلى حرب أهلية. من ناحية أخرى، ثبت فشل خيار الحرب الصهيوني ضد حزب الله خلال العقدين الماضيين. لذلك وضع الأمريكيون استراتيجية جديدة لتعطيل الأوضاع في لبنان وتعطيل عمل الأجهزة الأمنية.

وبهذه الطريقة، طلبت الولايات المتحدة من قطر، على سبيل المثال، التوقف عن دعم الجامعة اللبنانية والمراكز التعليمية في هذا البلد، وفي المقابل خصصت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لدعم الجيش اللبناني. هذا في حين أن أجزاء حيوية أخرى من لبنان مشلولة نتيجة العقوبات والحصار الأمريكي. كما يحاول الأمريكيون كسب رأي جنود الجيش اللبناني بهذه المنح الصغيرة.

كما طلب السفير الألماني بوقاحة من لبنان منح إقامة دائمة للاجئين السوريين. وحالياً، أخذت المنظمات والجمعيات غير الحكومية التابعة للغرب على عاتقها مهمة تخويف اللاجئين وإقناعهم بأن سوريا ليست آمنة، وأنهم سيتضورون جوعاً إذا عادوا إلى هذا البلد.

إضافة إلى كل هذه الحالات، يواصل الأمريكيون تهديد اللبنانيين بأنهم سيواجهون المزيد من الضغوط إذا بقوا على ولائهم لحزب الله. هناك الكثير من المعلومات السياسية والأمنية التي تدل على بدء موجة جديدة من الضغط الأمريكي على لبنان، هدفها خلق فوضى كاملة في هذا البلد بما يتماشى مع مصالح النظام الصهيوني. بالنظر إلى كل هذه القضايا، من السهل أن نفهم لماذا حذر السيد “حسن نصر الله”، الأمين العام لحزب الله، في خطابه الأخير الأمريكيين بنبرة غاضبة وغير مسبوقة، وأنه رسم معادلة جديدة لحماية لبنان من مؤامرات واشنطن وحلفائها.

المصدر: الوقت