ظريف: الشعب والقادة في إيران ينظرون إلى البرنامج النووي من منظور الكرامة

قال وزير الخارجية الإيراني الأسبق، "محمد جواد ظريف"، إنه ينظر قادة إيران وجزء كبير من شعبها إلى القضية النووية من منظور الكرامة والفخر التاريخي والصمود الوطني، وليس من خلال حسابات جامدة للقدرة النووية أو التكلفة الاقتصادية.

وفي كلمة ألقاها في اجتماع رابطة الحد من الأسلحة في واشنطن، والذي تم بثه عبر الإنترنت من طهران، رفض ظريف، الفرضيات والروايات القائلة بأن المزيد من الضغوط سيجبر إيران في النهاية على الاستسلام، قائلا: “في رأيي، فإن الحلقة المفقودة في هذه الروايات هي شرف إيران”.

 

وقال ظريف: على مدى العقود الثلاث الماضية، تم النظر إلى البرنامج النووي الإيراني من منظورين مترابطين: وصف أعداء إيران البرنامج بأنه برنامج سري لبناء أسلحة نووية، وهو شكل من أشكال “الابتزاز النووي”.

 

وأضاف: أن زعم نتنياهو مرارا وتكرارا أن إيران على بعد أسابيع أو أشهر فقط من بناء قنبلة نووية، وهو ادعاء روج له منذ منتصف التسعينيات، أي قبل سنوات من بدء برنامج التخصيب الإيراني.

 

في المقابل، اعتبر مراقبون أكثر اعتدالا تخصيب اليورانيوم برنامجا مشروعا لتحقيق “قدرة مشروعة”.

 

وتابع: أنه يفترض كلا التفسيرين أن الهدف النهائي للبرنامج النووي الإيراني هو الحصول على سلاح نووي. أعتقد أن هناك تفسيرا ثالثا يلقي الضوء بشكل أكثر واقعية ودقة على طبيعة هذا البرنامج، ويمكن العالم من التعامل معه بنجاح أكبر: “العزة”.

 

وقال: لقد تعرضت إيران لسنوات طويلة لأشد العقوبات والإجراءات الأمنية والتهديدات والتخريب واغتيال العلماء وحتى الهجمات العسكرية، إلا أنها لم تستسلم أبدا، بل ازدادت عزيمتها وإرادتها قوة.

 

وأوضح أنه خلال فترة العقوبات “المشلولة” التي فرضتها إدارة أوباما والقرارات الستة التي أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ارتفع عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من أقل من مائتين في عام 2003 إلى تسعة عشر ألف جهاز في عام 2013.

 

وأضاف أن الهجوم الإلكتروني “ستوكسنت” الذي شنته الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في عامي 2009 و2010، فضلا عن اغتيال العلماء النوويين على يد الاحتلال الصهيوني، لم يوفر سوى فترة راحة قصيرة، ولكن تم الرد عليه على الفور بتوسيع قدرات إيران.

 

وكانت سياسة الضغط الأقصى الأمريكية على إيران بعد انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018 قد أسفرت عن نتيجة مماثلة: فقد زادت قدرة التخصيب من حوالي 5000 سو في يونيو/حزيران 2019 إلى ما يقرب من 130 ألف سو في يونيو/حزيران 2025، وارتفعت نسبة التخصيب من أقل من أربعة في المائة إلى أكثر من ستين في المائة، في حين انخفض التعاون مع الوكالة بشكل حاد.

 

واستطرد بالقول: في أواخر عام 2020، اغتال الكيان الصهيوني العالم النووي الإيراني البارز “محسن فخري زادة”.

 

ردا على ذلك، أقر مجلس الشورى الإسلامي قانونا لزيادة التخصيب وتقييد وصول مفتشي الوکالة الدولية للطاقة الذرية.

 

ونتيجة لذلك، بدلا من إخضاع إيران، استبعدت أي فرصة للتوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن الجديدة. وأود أن أضيف أن هذا كان بوضوح هدف مخططي تلك العملية.

 

وأضاف أنه صدق أو لا تصدق، يعتبر نتنياهو الحوار والاستقرار “تهديدا وجوديا” له.

 

وقال: إن قبل بضعة أشهر، قصفت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني البنية التحتية النووية الإيرانية بكثافة لمدة اثني عشر يوما. استهدفت الهجمات علماء ومنشآت تخصيب وغيرها، لكن إيران لم تستسلم ولم تتخل عن حقوقها النووية.

 

وتابع قائلا: إن الولايات المتحدة استهدفت ثلاث منشآت نووية مهمة في فوردو ونطنز وأصفهان بالقصف، لكن إيران ازدادت ثقة بحاجتها إلى الاعتماد على نفسها وعدم الثقة بالغرب.

 

كما التف الشعب الإيراني حول نظامه، وأعلنت القيادة النصر، وأكدت حق إيران وعزمها على مواصلة أنشطتها النووية، مضيفا: أن الحقيقة هي أن المعرفة الإيرانية لا يمكن قصفها.

 

وأوضح أن بعد هذه الهجمات، تصاعد الحديث في المجتمع عن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي وتصنيع الأسلحة؛ لكن قائد الثورة الإسلامية رفض علانية هذا المطلب المتزايد من جانب جزء من المجتمع.

 

وقال لو أرادت إيران صنع قنبلة نووية، لفعلت ذلك الآن، مع أنها دفعت ثمنا باهظا لعدم صنعها مقارنة بمن صنعوها. لماذا دفعت إيران هذا الثمن الباهظ دون إتمام المهمة التي ادعى نتنياهو قبل ثلاثين عاما أنها يمكن إنجازها في ستة أشهر؟

 

واضاف: إذا أرادت إيران ممارسة “الابتزاز النووي”، فلماذا لم يستطع ابتزاز الطرف الآخر، عبر العقوبات والقوة الغاشمة، إيقافها؟ لماذا، رغم معاناتها الاقتصادية، لم تكن إيران مستعدة للتخلي عن أنشطتها النووية مقابل عروض مغرية كتطبيع العلاقات والاستثمارات وغيرها؟

 

وتابع: من ناحية أخرى، إذا كانت إيران تريد خلق الردع من خلال برنامجها للتخصيب من خلال “القدرة القانونية”، فلماذا لا توقف التخصيب أو تسارع إلى بناء القنبلة الآن بعد أن ثبت أن هذا البرنامج، بدلا من أن يكون رادعا، هو ذريعة وهدف للهجمات والضغوط الاقتصادية؟

 

وأوضح أن لم تفعل إيران أيا من الأمرين: لم تستسلم، ولم تسارع إلى امتلاك القنبلة حتى الآن، مع ارتفاع المطالب الاجتماعية وسهولة توفير التبرير القانوني، بل واصلت إيران تطويرها النووي بثبات دون تسليح.

 

وقال: من الواضح أن هذا الوضع لا يمكن تبريره بهاتين الروايتين: روايتين أدتا إلى افتراض أن المزيد من الضغط سيجبر إيران في النهاية على الاستسلام.

 

برأيي، الحلقة المفقودة في هاتين الروايتين هي كرامة إيران. ينظر قادة إيران وجزء كبير من شعبها إلى القضية النووية من منظور الكرامة والفخر التاريخي والصمود الوطني، وليس من خلال حسابات جامدة للقدرة النووية أو التكلفة الاقتصادية.

 

وأضاف أنه منذ الثورة الإسلامية، نجحت إيران في استعادة هويتها المستقلة وكرامتها.

 

لقد تعرضت إيران للمضايقات وعدم الاحترام لعقود من الزمن: حرب الثماني سنوات المفروضة من جانب نظام صدام البائد في العراق، والعقوبات الأميركية، والمعايير المزدوجة للأمم المتحدة، وخيانة خطة العمل الشاملة المشتركة، وأخيرا العدوان العلني من جانب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

 

وأشار إلى بعد أن تخطت إيران كل هذه التحديات، وإن كان ذلك بثمن باهظ، فإنها لن تسمح لنفسها بالاستسلام للتنمر. بالنسبة لإيران، أصبح الحفاظ على برنامجها النووي في مواجهة الضغوط الخارجية رمزا للاستقلال والشرف، ولا يمكن تحميلها هذا الثمن.

 

ولفت إلى أن الحقيقة هي أنه في حين نظر العالم إلى البرنامج النووي الإيراني إلى حد كبير من منظور منع الانتشار، فإن قادة إيران وجزء كبير من شعبها نظروا إلى البرنامج النووي من منظور الفخر والشرف الوطني.

 

وأضاف أنها أقرت المفاوضات النووية التي أفضت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 بكرامة إيران بقبولها قدرتها على التخصيب. وقد سمح معاملتها كشريك مساو لإيران بقبول ضوابط وقيود غير مسبوقة.

 

ولم يكن هذا الاتفاق ممكنا إلا عندما تعاملت الولايات المتحدة ودول أخرى مع إيران على أساس الاحترام المتبادل وعلى قدم المساواة.

 

وتابع أنه انسحب ترامب من الاتفاق واستأنف النهج الفاشل. وتبع بايدن النهج نفسه. وألقت أوروبا باللوم على إيران بغطرسة، بينما افتقر الاتحاد الأوروبي نفسه إلى الإرادة أو القدرة أو كليهما للوفاء بالتزاماته في مواجهة العقوبات الأمريكية المتجددة، مضيفا: الأسوأ من ذلك، أن الدول الأوروبية الثلاث أيدت صراحة الحرب ضد القدرات النووية الإيرانية.

 

وبعد فشلها في تحقيق هدف تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالحرب، لجأت إلى “الوسائل السلمية” في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة لتحقيق نفس الوهم.

 

وقال إن أخطر إرهابي دولة في العالم مسلح بالفعل بالأسلحة النووية: إبادة جماعية وتجويع قسري لمليوني شخص في غزة، وفصل عنصري وعنف مستوطنين ضد ملايين آخرين في الضفة الغربية، وتفجيرات بأجهزة النداء، وقصف جماعي وتدمير للبنية التحتية ضد المدنيين في لبنان وسوريا واليمن؛

 

وقتل جميع أفراد عائلة كبيرة (23 فردًا) أو 86 من سكان مجمع سكني لقتل عالمين في إيران؛ وكل هذا في الأشهر الاثني عشر الماضية وحدها. وقد امتد هذا الإرهاب حتى إلى دول تفكر في التطبيع مع “إسرائيل”: عمليات القتل في دبي عام 2010، والغارة الجوية على مناطق سكنية في وسط الدوحة في وقت سابق من هذا الشهر.

 

وأضاف أن الكيان الصهيوني خارج معاهدة حظر الانتشار النووي، ويعتقد أنه يمتلك ما يقرب من 200 رأس نووي، ولا يواجه أي عقوبات، ويتلقى مساعدات سخية، حتى مع تباهيه علنا بإرهابه وعدوانه وجرائمه الإبادية. وقد وصلت حصانة الكيان إلى حد نشر كتب عنه.

 

وقال إن خوف “إسرائيل” الأساسي هو من السلام. لقد جعل نتنياهو من تدمير الاتفاق النووي الإيراني هدفه، لكن كراهيته للاستقرار لا تقتصر على إيران.

 

وأوضح أن ما تهدف إليه “إسرائيل” هو تفكيك إيران وغيرها من الدول الكبرى في المنطقة، وخلق فراغ في السلطة، وجر الولايات المتحدة وأوروبا إلى مستنقع طويل الأمد في المنطقة من أجل تعزيز وهم “إسرائيل الكبرى”.

المصدر: إرنا