المباراة لا تقتصر على التنافس بين ناديين كبيرين فقط، بل تمثل صراعًا تكتيكيًا بين مدرستين حديثتين في عالم التدريب، يقودهما هانز فليك من جهة، ولويس إنريكي من جهة أخرى.
فليك وإنريكي
منذ توليه قيادة برشلونة، بدأ هانز فليك في إعادة تشكيل هوية الفريق، مستفيدًا من إرث الكرة الألمانية التي تعتمد على الضغط العالي، والتحولات السريعة، والانضباط التكتيكي.
فليك لا يكتفي بالاستحواذ، بل يسعى لتحويل كل لحظة في المباراة إلى فرصة هجومية، معتمدًا على ديناميكية لاعبيه الشباب مثل بيدري، وأولمو، ولامين يامال، إلى جانب خبرة ليفاندوفسكي في الثلث الأخير.
في المقابل، يواصل لويس إنريكي بناء مشروعه في باريس سان جيرمان، مستفيدًا من رحيل كيليان مبابي الذي أتاح له حرية أكبر في تشكيل منظومة جماعية متكاملة.
إنريكي أعاد تعريف أدوار اللاعبين، فحوّل فيتينيا إلى محور ارتكاز ديناميكي، وتخلى تدريجيًا عن أوجارتي كخيار دفاعي تقليدي.
كما جرب ديمبلي كمهاجم وهمي، وأعاد بناء الخط الخلفي بمدافعين قادرين على اللعب تحت الضغط مثل باتشو وبيرالدو.
الخطوة الأحدث كانت بالتعاقد مع المدافع الشاب زابارني لتعزيز المنافسة مع ماركينيوس، إضافة إلى التغيير في مركز الحراسة.
فبينما لعب دوناروما دورًا بارزًا بتصدياته الحاسمة في دوري الأبطال، جاء الحارس شوفالييه ليمنح الفريق ميزة أكبر في اللعب بالقدمين وسلوك أكثر جرأة داخل الملعب.
ولادة جديدة
رحيل كيليان مبابي لم يكن خسارة فنية فقط، بل كان نقطة تحول في فلسفة النادي.
فمع مغادرة النجم الفرنسي، تحرر إنريكي من ضغوط بناء الفريق حول لاعب واحد، وبدأ في تشكيل منظومة جماعية تعتمد على التوازن والمرونة.
الفريق بات أكثر تناغمًا، وأكثر قدرة على تنفيذ الضغط العكسي، والتحولات السريعة، والبناء المنظم من الخلف.
في خط الوسط، أصبح فيتينيا هو القلب النابض، بينما يتناوب فابيان وديمبلي على أدوار الربط والاختراق.
أما في الخط الأمامي، فقد أضاف الفريق الموهوب دووي، ثم تعاقد مع خفيتشا كفاراتسخيليا في الشتاء، ليمنح الهجوم تنوعًا غير مسبوق.
حكيمي ونونو مينديز يهاجمان العمق باستمرار، بينما يتراجع لاعبو الوسط لتأمين التوازن، في منظومة تبدو كموجة متدفقة لا تفقد شكلها حتى تتحطم في منطقة الخصم.
العودة إلى الجذور بأسلوب حديث
برشلونة تحت قيادة فليك لا يسعى فقط لاستعادة أمجاده، بل لتحديث فلسفته التاريخية.
الفريق بات أكثر سرعة في التحولات، وأكثر مرونة في البناء، مع اعتماد واضح على الضغط العالي واستغلال المساحات.
الأظهرة مثل بالدي وكوندي يشاركون في الهجوم، بينما يتحرك لاعبو الوسط لتأمين التوازن الدفاعي.
فليك يعتمد على مبدأ “الضغط بعد الفقدان”، حيث يتحول الفريق إلى كتلة واحدة فور خسارة الكرة، ما يصعب على الخصم تنفيذ المرتدات.
هذا الأسلوب يتطلب تركيزًا عاليًا ولياقة بدنية كبيرة، ما عمل عليه المدرب الألماني منذ بداية الموسم.
مواجهات لا تُنسى
المواجهة بين برشلونة وباريس سان جيرمان تحمل طابعًا تاريخيًا خاصًا.
منذ “الريمونتادا” الشهيرة في 2017، حين قلب برشلونة تأخره 4-0 إلى فوز 6-1، أصبحت هذه اللقاءات محط أنظار العالم.
ورغم تغير الأسماء، فإن الذاكرة الجماعية للاعبين والجماهير تظل حاضرة، وتضيف بعداً نفسياً للمواجهة.
مواجهة من العيار الثقيل
من أبرز مشاهد المباراة المنتظرة، المواجهة الفردية بين لامين يامال ونونو مينديز. يامال، الذي وصف مينديز بأنه “أصعب ظهير واجهه. أما مينديز، فهو أحد أكثر الأظهرة نشاطاً في أوروبا، ويجيد إغلاق المساحات والانطلاق الهجومي.
هذه المواجهة لا تتعلق فقط بالمهارات الفردية، بل ترتبط أيضاً بالانضباط التكتيكي. يامال مطالب بالعودة للدفاع عند فقدان الكرة، بينما يجب على مينديز أن يوازن بين الهجوم والتغطية الدفاعية. الجولة الثالثة بينهما تعد اختباراً حقيقياً لقدراتهما، وقد تؤثر بشكل مباشر على نتيجة اللقاء.
كرة القدم الحديثة.. بين العرض والعمق
ما يميز الفريقين هو قدرتهما على تقديم كرة قدم حديثة تعتمد على العرض والعمق.
في باريس، يتبادل الأظهرة والأجنحة الأدوار الهجومية؛ فإذا اندفع الظهير، يتحرك الجناح للعمق، والعكس صحيح. أما في برشلونة، فالتنقل بين الخطوط يتم بسلاسة، مع تحركات ذكية من لاعبي الوسط لخلق المساحات.
كل فريق يمتلك أدواته الخاصة، لكن العامل الحاسم سيكون في التفاصيل الصغيرة: من ينجح في كسر الضغط؟ من يسيطر على وسط الملعب؟ من يستغل المساحات خلف الدفاع؟ هذه الأسئلة ستحدد هوية الفائز في هذه القمة.