في مشهد ثقافي وإنساني مؤثر، شهدت طهران مساء الجمعة 3 أكتوبر رفع علم فلسطين على مرتفعات تلال «عباس آباد»، في إطار الدورة الثالثة من حملة «لقد تأخر الوقت»، (#ItsTooLate)، التي تهدف إلى دعم الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة وقافلة «الصمود».
واستضاف منتزه «آب وآتش» أي «الماء والنار» هذا الحدث الذي تحوّل إلى تظاهرة شعبية حاشدة، وقد نُصب علم فلسطين الضخم وسط شعارات شعبية مؤيدة للقدس الشريف، فيما امتلأت الساحة بالأعلام واللافتات التي حملت رسائل تضامن مع غزة.
فلسطين ليست وحدها
في ظل صمت قادة العالم تجاه احتجاز سفن «الصمود»، وقف أهالي طهران في تجمع حاشد ضمن حملة «لقد تأخر الوقت» لمدة أربع ساعات، هاتفين: «فلسطين ليست وحدها»، ليُسمعوا صوت مقاومة غزة إلى العالم.
لم يكن بالإمكان تجاهل صوت مظلومية غزة. وسط الأعلام الخضراء والبيضاء والسوداء، ارتفع صوت من القلوب لا يمكن لأي موسيقى أو نشيد أن يسكته. في المكان الذي صمت فيه السياسيون أمام احتجاز أسطول «الصمود»، اجتمع الناس في طهران لكسر ذلك الصمت.
مساء الجمعة، وتحت سماء طهران، امتلأ المنتزه بأضواء مشتعلة وأدخنة ملوّنة، حيث وقف المشاركون بلا توقف، ليس من باب الترفيه، بل إحتراماً لعزة أهل غزة الذين، رغم الحصار والجوع وانعدام الدواء، حافظوا على كرامتهم.
كانت هذه الوقفة عهداً مع الدماء التي سُفكت، ومع السفن التي أحتُجزت في الغربة. «سفنك قد غرقت منذ زمن، فاهدأ يا طفل غزة..» كانت هذه العبارة المؤلمة صدىً لألم شعب محاصر بسبب تقاعس وصمت الحكومات، لكنها لم تتحول إلى إستسلام.
«أدعو لأطفال غزة»
في بداية البرنامج، إرتفعت الشعارات تباعاً: «فلسطين ليست وحدها». وقف الأطفال والمراهقون والشيوخ جنباً إلى جنب. فتاة في العاشرة من عمرها حملت علم فلسطين على كتفها وهمست: «أدعو لأطفال غزة». في وجوه الناس، امتزج الغضب بالأمل؛ غضب من عالم صامت أمام جرائم الكيان الغاصب منذ عقود، وأمل في يوم تنهار فيه جدران الحصار.
بلغت مراسم الإستغاثة الشعبية ذروتها في المنتزه، حيث جدّد أهالي طهران عهدهم بالوقوف إلى جانب غزة، في وقت أغمضت فيه الحكومات الغربية أعينها عن احتجاز سفن «الصمود»، بل ومنعت الشرطة في برلين التجمعات المناهضة للكيان الصهيوني.
أهالي طهران إلى جانب غزة
أسطول «الصمود»، الذي كان يحمل مساعدات إنسانية، تم احتجازه من قبل الاحتلال، فيما يواصل النشطاء المعتقلون إضرابهم عن الطعام في مكان مجهول، تأكيداً على التزامهم بالقضية. هذا الظلم الصارخ دفع أهالي طهران إلى الوقوف بكل جوارحهم إلى جانب غزة.
من المراهقين المتحمسين الذين لوّحوا بأعلام فلسطين، إلى من شهدوا زمن ما قبل وجود الكيان المحتل، رفع الجميع أيديهم بالدعاء. كانت ساحة المسرح الحجري في المنتزه مشهداً ملحمياً، زادته الأضواء الملونة والدخان الزخرفي حيوية، فيما كان علم فلسطين الضخم أبلغ تعبير عن الموقف.
إستمرار المقاومة
بدأت الفعالية بتلاوة عذبة من القرآن الكريم، وسرعان ما تحولت إلى موجة من الحماسة، خاصة عند أداء مقطوعات مثل «بوم بوم تل أبيب»، حيث ارتفعت أصوات التهليل والتكبير.
هذا الحماس كان تجسيداً لإرادة النصر على العدو، واستمرار المقاومة. لاحقاً، روى الشباب بشجاعة قصص حياة واستشهاد أطفال غزة ومقاتليها، مؤكدين أن أطفال غزة، رغم الجوع والقصف ونقص الدواء، يصمدون بعزة لا مثيل لها.
وفي كلمة له، تحدث حجة الإسلام محمد شجاعي، أستاذ الفلسفة والأخلاق، عن أهمية هذه الصحوة، قائلاً: «إذا أردتم أن تعرفوا لماذا تُركت غزة وفلسطين وحدهما، فانظروا إلى غفلتنا. لقد تأخر الوقت يعني أن فرصتنا للدفاع عن المظلومين شارفت على الانتهاء. إنها إبادة جماعية منظمة ينفذها الكيان الصهيوني بدعم مباشر من أمريكا وصمت الحكومات الغربية».
حملة «من هو الإمام المهدي(عج)؟»
على هامش الفعالية، أضفت حملة «من هو الإمام المهدي(عج)؟» طابعاً حيوياً على الأجواء، من خلال أجنحة خدمية متعددة تهدف إلى معالجة القضايا النفسية والروحية للشباب، من تقديم استشارات مجانية للحد من التوتر والغضب، إلى خدمات قانونية وطبية. وكانت رسالة هذه المبادرة أن الدفاع عن فلسطين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعدالة والصحة الروحية، وأن طريق العدالة العالمية يبدأ بالوقوف إلى جانب أكثر الشعوب مظلومية.
في زاوية أخرى من الحشد، حملت امرأة صورة طفل وقالت: «اسمه مروان، لكن الآن لم يبقَ منه سوى الإسم في الأخبار». وفي جزء من البرنامج، قُرئ بيان التجمع بصوت قوي باللغتين الفارسية والإنجليزية، حيث شدد المنظمون على موقفهم تجاه احتجاز أسطول «الصمود» ونفاق الغرب، قائلين: «أيها الإخوة والأخوات، اجتمعنا اليوم لنرفع صوتنا من أجل فلسطين.. الحكومات الغربية التي تتحدث عن حقوق الإنسان، تصمت حين يجب تطبيق هذه المبادئ على فلسطين.
الإعلام يسميها مواجهة، لكنها في الحقيقة جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية تحدث أمام أعين العالم.. نقول لأبطال أسطول الصمود: أنتم تحظون بدعم عالمي لهذا العمل الإنساني العظيم. فلسطين ستتحرر، وحتى ذلك اليوم، لن نصمت. أوقفوا المجازر».
وفي ختام البرنامج، ربط صوت حسين خلج العذب، بذكر التوسل، الأجواء الحماسية بنداء روحي عميق، ليغمر روح المقاومة بنور الأمل نحو مستقبل مشرق. في عالم تتجاهله وسائل الإعلام، ويُعيد السياسيون تعريف حقوق الإنسان حسب أهوائهم، يبقى صوت الشعوب هو الأعلى في التاريخ.
لقد حمل هذا الحدث رسالة الصمود في وجه الظلم واللامبالاة؛ الروح ذاتها التي تنبض في غزة، نبضت هذه المرة بقوة وإيمان في قلب طهران.