في الذكرى الثانية لـ«طوفان الأقصى»

فلسطين.. حين يصبح صوت المقاومة صدىً عالمياً  

 في الذكرى الثانية لـ«طوفان الأقصى»، لم تكن غزة وحدها من نزلت إلى الشوارع، بل العالم بأسره، من مدريد إلى نيويورك، ومن لندن إلى كراتشي، ارتفعت الأصوات مطالبة بالعدالة، ورافضة للإبادة

 

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى»، فدوّى صوتها في قلب الصراع، وأعاد تشكيل الوعي الإقليمي والدولي. وبعد عامين على تلك اللحظة المفصلية، لم تخفت أصداؤها، بل امتدت إلى شوارع العالم، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في عشرات المدن، من مدريد إلى سيدني، ومن نيويورك إلى کراتشي، تطالب بوقف العدوان على غزة، وتدين ما وصفه كثيرون بالإبادة الجماعية. هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد تعبير عن الغضب، بل كانت إعلاناً عن تحوّل في الضمير العالمي، ورفضاً للحياد الزائف الذي طالما غلّف السياسات الغربية تجاه القضية الفلسطينية.

 

من «طوفان الأقصى» إلى الطوفان الشعبي

 

عملية «طوفان الأقصى» لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل لحظة رمزية أعادت تعريف الصراع الفلسطيني الصهيوني، وكسرت الجمود السياسي والإعلامي الذي أحاط بالقضية لعقود. في الذكرى الثانية، تحوّلت هذه العملية إلى نقطة ارتكاز لحراك شعبي عالمي، عبّر عن تضامن إنساني واسع، ورفض للعدوان، ودعوة لإعادة النظر في مواقف الدول تجاه الاحتلال والحصار.

 

من مدريد إلى نيويورك.. العالم يتضامن

 

في الذكرى الثانية، شهدت مدن مثل لندن، باريس، جنيف، أثينا، سالونيك، إسطنبول، ستوكهولم، مدريد، وسيدني مظاهرات ضخمة، عبّرت عن تضامن شعبي واسع مع الفلسطينيين.

 

في بريطانيا، خرج طلاب من أربع جامعات كبرى في مسيرة وسط لندن تحت شعار «عامان على بداية الإبادة في غزة»، مطالبين الحكومة بوقف دعمها لكيان العدو، بالتزامن مع إعلان وزيرة الداخلية شابانة محمود توسيع صلاحيات الشرطة ضد المظاهرات المؤيدة لفلسطين.

 

في ألمانيا، منعت شرطة برلين مظاهرة تضامنية، واعتقلت عدداً من المشاركين بعد رفضهم المغادرة، وسط تقارير عن اعتداءات على المتظاهرين. وفي سويسرا، فرّقت الشرطة مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جنيف بالقوة، واعتقلت نشطاء بعد مواجهات محدودة.

 

في إيطاليا، شهدت مدينة تورينو مسيرة طلابية واسعة طالبت بوقف التعاون العسكري مع كيان العدو، معتبرة أن استمرار العلاقات «يواطئ في قتل المدنيين». أما في الولايات المتحدة، فقد تظاهر المئات في نيويورك، ورفعوا لافتات مثل «غزة تنزف» و«أياديكم مخضبة بالدماء»، فيما أدّى متظاهرون مسلمون صلاة جماعية أمام فندق ترامب، في مشهد رمزي للتنديد بالدعم الأميركي غير المحدود لكيان العدو الصهيوني.

 

في تركيا، خرج آلاف المتظاهرين في إسطنبول وديار بكر وقونية، رافعين الأعلام الفلسطينية أمام قنصلية الكيان الصهيوني، ومرددين هتافات تطالب بوقف الإبادة.

 

أما في أميركا اللاتينية، فقد شهدت مدن كل من كولومبيا، المكسيك، الأرجنتين،  البرازيل وباراغواي فعاليات تضامنية واسعة، رفع خلالها المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، ورددوا شعارات تطالب بوقف الحرب وإنهاء الإبادة الجماعية.

 

في أستراليا، فقد وصف رئيس حكومة ولاية نيو ساوث ويلز، كريس مينز، توقيت الاحتجاجات بأنه «فظيع»، معتبراً أن المشاعر التي تحرّكها «صادمة». ورغم هذا الموقف الرسمي المتحفظ، فإن المظاهرات في سيدني كانت من بين الأضخم، وعبّرت عن رفض شعبي واسع للعدوان الصهيوني، ما يعكس التباين بين المواقف الحكومية والمزاج الشعبي المتصاعد.

 

وفي أمريكا الشمالية، خرجت مظاهرات في نيويورك، شيكاغو، سان فرانسيسكو، تورونتو، وفانكوفر، نظّمتها منظمات حقوقية ويهودية تقدمية مثل «Jewish Voice for Peace»، ورفعت شعارات تطالب بوقف الدعم العسكري لكيان العدو، وفرض عقوبات اقتصادية.

 

هذه التحركات العالمية، التي شملت دولاً لم تُذكر سابقًا مثل ألمانيا، سويسرا، إيطاليا، كولومبيا، المكسيك، الأرجنتين، باراغواي، .. تعكس اتساع رقعة التضامن الدولي مع غزة، وتؤكد أن الذكرى الثانية للحرب تحوّلت إلى لحظة احتجاج كونية ضد الإبادة، والحصار، والتواطؤ السياسي.

 

إسبانيا في قلب التحوّل السياسي

 

في مدريد، لم تقتصر المواقف على الاحتجاجات الشعبية، بل امتدت إلى أعلى المستويات السياسية. رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وفي منشور عبر منصة «أكس»، أدان «الإرهاب بكل أشكاله»، مطالباً بالإفراج عن الرهائن الصهاينة، لكنه في الوقت نفسه دعا نتنياهو إلى «وضع حد للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني»، وفتح ممر إنساني عاجل.

 

الحكومة الإسبانية أعدّت مرسوماً يقضي بحظر كامل لصادرات الأسلحة والمنتجات الدفاعية إلى العدو الصهيوني، في خطوة تهدف إلى الضغط لوقف العدوان على غزة. ورغم عدم امتلاك الحكومة أغلبية مطلقة في البرلمان، فإن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً، واعتُبرت من قبل كثيرين تحوّلاً نوعياً في السياسة الأوروبية تجاه كيان العدو. موقف سانشيز لا يمكن فصله عن السياق الأوروبي العام، حيث بدأت دول مثل إيرلندا وبلجيكا تتخذ مواقف أكثر جرأة تجاه العدو الصهيوني، ما يعكس تصاعد الضغط الشعبي، وتراجع تأثير اللوبيات المؤيدة للاحتلال.

 

الطوفان الشعبي يتسع.. من آسيا إلى أفريقيا

 

في مدينة كراتشي، العاصمة الاقتصادية لباكستان، تحوّلت شوارع المدينة إلى ساحة غضب شعبي عارم، حيث خرج الآلاف من أنصار حزب الجماعة الإسلامية في مظاهرة ضخمة تنديداً بالهجمات “الإسرائيلية” على قطاع غزة، في الذكرى الثانية لعملية «طوفان الأقصى». هذه المسيرة، التي نظّمتها الجماعة الإسلامية، لم تكن مجرد فعالية رمزية، بل جاءت كصرخة جماعية تعبّر عن موقف شعبي واضح ضد ما وصفه المتظاهرون بـ«الإبادة الجماعية» التي يرتكبها  كيان العدو بحق الفلسطينيين، بدعم أمريكي مباشر.

 

المتظاهرون رفعوا لافتات كُتب عليها «مقاطعة من أجل غزة»، ورددوا هتافات قوية مثل «تسقط إسرائيل»، في مشهد أعاد إلى الأذهان تظاهرات التضامن الكبرى التي شهدتها باكستان في محطات مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية. حافظ نعيم الرحمن، زعيم الجماعة الإسلامية، ألقى كلمة مؤثرة في المسيرة، قال فيها: «نظمنا هذه المظاهرة كي يستيقظ العالم والحكام المسلمون، ولنُخبر الولايات المتحدة بأنها تدعم الإرهابيين». وأضاف أن الأمم المتحدة «لا تقوم بدورها»، مشيراً إلى أن الحشود التي تجمّعت في كراتشي جاءت لتقول بصوت واحد إنهم يقفون إلى جانب الفلسطينيين، وأن غزة ليست وحدها في معركتها.

 

المسيرة لم تقتصر على الشعارات، بل حملت أيضاً رسائل سياسية واضحة، إذ عبّر نعيم عن دعمه لناشطي «أسطول الصمود» العالمي الذين احتجزهم  العدو الصهيوني أثناء محاولتهم الوصول إلى غزة عبر البحر، مؤكداً أن التضامن معهم جزء من المعركة الأخلاقية ضد الاحتلال. كما شدّد على أن الشعب الباكستاني يرفض ما وصفه بـ«حل الدولتين»، داعياً حكام الدول الإسلامية إلى اتخاذ مواقف أكثر جرأة في مواجهة العدو الصهيوني.

 

هذه المظاهرة الحاشدة في كراتشي تعكس عمق التفاعل الشعبي في باكستان مع القضية الفلسطينية، وتؤكد أن «طوفان الأقصى» لم يكن حدثاً عابراً، بل لحظة تاريخية أعادت إحياء التضامن الإسلامي والشعبي مع غزة، في مواجهة صمت دولي متواطئ، وتواطؤ سياسي يزداد انكشافاً يوماً بعد يوم.

 

كذلك خرجت مظاهرات في جاكرتا، كوالالمبور، لاهور، نيودلهي، وطوكيو، وموريتانيا وجنوب أفريقيا نظّمتها منظمات مدنية وأكاديمية، وعبّرت عن تضامنها مع غزة، رغم تحفظ المواقف الرسمية في بعضهذه البلدان.

 

 كسر الرواية الصهيونية

 

منصات التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى ساحات لنقل الحقيقة من غزة إلى العالم. هذا التحوّل الرقمي ساهم في تعبئة الرأي العام، ودفع آلاف الشباب للمشاركة في الاحتجاجات. فنانين مثل جينا أورتيغا، ومثقفين عالميين، أعلنوا تضامنهم مع الفلسطينيين، واعتبروا أن الصمت تجاه ما يحدث في غزة «خيانة للإنسانية». هذا الدعم من شخصيات مؤثرة ساهم في توسيع دائرة التضامن، وجعل القضية الفلسطينية جزءاً من الخطاب الثقافي العالمي.

 

كيان العدو في مواجهة العزلة الدولية

 

تقرير لـ«فورين بوليسي» أشار إلى أن العزلة الاقتصادية بدأت تؤرق نتنياهو، في ظل تراجع الدعم الغربي، وتزايد الدعوات لفرض عقوبات. فهل نحن أمام إعادة تشكيل للمشهد الدولي؟

 

الاحتجاجات العالمية، والمواقف السياسية الجديدة، تشير إلى أن العالم بدأ يتجاوز مرحلة الحياد الزائف، ويتجه نحو الانحياز للعدالة. هذا التحوّل قد يفتح الباب أمام مقاربات جديدة لحل الصراع، تستند إلى القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وليس إلى موازين القوة وحدها. لم يعد الصراع الفلسطيني الصهيوني يُنظر إليه كخلاف حدودي، بل كقضية إنسانية تتعلق بالحق في الحياة، والكرامة، والمحاسبة الدولية. هذا التحوّل في التعريف قد يغيّر قواعد اللعبة، ويجعل من القضية الفلسطينية محوراً لإعادة تشكيل النظام الدولي.

 

حين يصبح الطوفان صحوة عالمية

 

وهكذا في الذكرى الثانية ل«طوفان الأقصى»، لم تكن غزة وحدها من نزلت إلى الشوارع، بل العالم بأسره. من مدريد إلى نيويورك، ومن لندن إلى کراتشي، ارتفعت الأصوات مطالبة بالعدالة، ورافضة للإبادة. هذه الاحتجاجات ليست نهاية الطريق، بل بدايته. إنها إعلان بأن الضمير العالمي بدأ يستيقظ، وأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية شعب وحده، بل قضية الإنسانية جمعاء.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص