في عالمٍ يُقاس فيه الجمال غالباً بالبصر، تأتي السينما الإيرانية لتثبت أن الرؤية الحقيقية لا تُختزل في العين، بل تنبع من القلب والعقل والروح. بمناسبة اليوم العالمي للعصا البيضاء، نسلّط الضوء على حضور المكفوفين في الفن الإيراني، ليس فقط كأبطال في القصص، بل كرموز للعمق الإنساني، والإلهام، والقدرة على تجاوز الحواس الظاهرة.
حياة المكفوفين في السينما الإيرانية
لقد تناولت السينما الإيرانية حياة المكفوفين في أعمال درامية وإنسانية مؤثرة، وتحدياتهم اليومية، وعلاقاتهم العاطفية والاجتماعية. من خلال شخصيات نابضة بالحياة، وأداءات تمثيلية مبهرة، استطاع الفن الإيراني أن يُقدّم المكفوفين لا كضحايا، بل كأصحاب رؤية خاصة، ووعي فريد، وتجربة إنسانية تستحق التأمل.
ولم يقتصر الأمر على التناول الفني، بل شهدت السنوات الأخيرة مبادرات ثقافية رائدة لدمج المكفوفين في تجربة الفن، مثل تأسيس «سينما المكفوفين» التي تتيح لهم متابعة الأفلام بصيغة صوتية وصفيّة، في خطوة تُعد الأولى من نوعها عالمياً.
في إيران، تناول العديد من المخرجين هذا الموضوع، ويُعد المخرج “مجيد مجيدي” من أبرزهم، إذ قدّم فيلمين بارزين هما «رنك خدا» و«بيد مجنون».
هذا التقرير يستعرض أبرز الأفلام والمسلسلات الإيرانية التي تناولت حياة المكفوفين، ويُبرز كيف تحوّلت العصا البيضاء من رمز للإعاقة إلى أيقونة للنور الداخلي، في سينما ترى ما لا يُرى.
إلى جانب هؤلاء، هناك عدد من الفنانين المكفوفين الذين شاركوا في المسرح، الموسيقى، والبرامج الإذاعية، وأثبتوا أن الإعاقة لا تعني الغياب، بل قد تكون دافعاً للتعبير الفني العميق. وسنسلّط الضوء على عدد من الأفلام والمسلسلات الإيرانية التي تناولت موضوع المكفوفين، تزامناً مع اليوم العالمي للعصا البيضاء أو «يوم سلامة المكفوفين»، الذي يصادف هذا اليوم 15 اكتوبر، و نذكر بعض الفنانين المكفوفين البارزين.
«صبغة الله»
فيلم «رنك خدا» أي «صبغة الله» من إخراج مجيد مجيدي، هذاالفيلم من أبرز الأفلام الإيرانية التي تناولت حياة المكفوفين. يروي قصة “محمد”، فتى كفيف يعيش في مدرسة للمكفوفين بطهران، ويواجه والده صعوبات في تقبّل حالته. الفيلم يعكس العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الإيمان والاختبار، وقد أدّى الدور ببراعة الطفل محسن رمضاني.
«الصفصاف المستحي»
فيلم «بيد مجنون» أي «الصفصاف المستحي» من إخراج مجيد مجيدي، ويحكي الفيلم قصة يوسف، أستاذ جامعي فقد بصره في الطفولة، ثم يستعيده بعد عملية زرع قرنية في فرنسا. يعود إلى طهران ليكتشف أن البصر وحده لا يكفي لتجاوز تحديات الحياة، ويواجه اضطرابات في علاقاته ومفاهيمه الروحية. الفيلم يتناول سؤالاً فلسفياً عميقاً: هل البصر نعمة أم ابتلاء؟
«زهور الأقحوان»
فيلم «كُلهاي داوودي» أي «زهور الأقحوان» من إخراج رسول صدر عاملي، قصة حب بين شابين كفيفين، «بيجن» و«هيلدا»، تجمع بين الرومانسية والواقعية، وتسلّط الضوء على التحديات العاطفية والاجتماعية التي تواجه المكفوفين في حياتهم اليومية.
«عيني من أجلك»
فيلم «جشم هايم براي تو» أي «عيني من أجلك» من إخراج خسرو شجاعي، والفيلم حول امرأة تحتضر وتتبرع بعينيها لفتاة كفيفة، في قصة مؤثرة عن التضحية والربط بين الحياة والموت عبر النور، وتُظهر كيف يمكن للعطاء أن يغيّر حياة الآخرين.
«من كرخة إلى راين»
فيلم «من كرخة إلى راين» من إخراج إبراهيم حاتمیكيا، الفيلم يدور حول جندي فقد بصره في الحرب المفروضة الثماني سنوات يسافر إلى ألمانيا للعلاج. الفيلم يعكس آثار الحرب على الجسد والروح، ويطرح قضية المصالحة مع الذات بعد الفقدان.
«شيدا»
فيلم شيدا من إخراج كمال تبريزي، الفيلم يدور حول جريح حرب في الدفاع المقدس يفقد بصره مؤقتاً ويتعرف على ممرضة تُدعى شيدا، ثم يسعى للعثور عليها بعد استعادة بصره. الفيلم يجمع بين الحب والشفاء، ويطرح سؤالاً عن معنى الرؤية الحقيقية.
«سجدة على الماء»
فيلم «سجده بر آب» أي «سجدة على الماء من إخراج حميد خيرالدين، الفيلم يدور حول أمير، وهو صحفي يفقد بصره تدريجياً بعد انفجار، وخطيبته «ستاره» تصر على الزواج منه رغم حالته، في قصة عن الوفاء والاستعداد لتحديات المستقبل، ويشارك في الفيلم علي دهكردي.
في الدراما التلفزيونية
– مسلسل «يوسف بيامبر» أي «النبي يوسف(ع)»: تؤدي فيه الممثلة كتایون ریاحي دور امرأة كفيفة في مرحلة من المسلسل، ويُعد من أبرز الأدوار التلفزيونية التي تناولت المكفوفين.
– مسلسل «هزاران جشم» أي «آلاف العيون»: من إخراج كيانوش عياري (2001)، يؤدي فيه مهدي هاشمي دور “راوندي”، محرر كفيف في مجلة، يتفاعل مع مشاكل المجتمع من خلال رسائل القرّاء، ويواجه مواقف طريفة وإنسانية.
– مسلسل «سفر سبز» أي «السفر الأخضر» ومسلسل «جراغ هاي خاموش» أي «الأنوار الخافتة»: من إخراج محمد حسين لطيفي، وتناولا موضوع المكفوفين، وقد عُرضا على قناة «آي فيلم 2».
الفنانون المكفوفون في إيران
لم يكن حضور المكفوفين في السينما الإيرانية مقتصراً على كونهم موضوعاً فنياً، بل تجاوز ذلك ليشمل مشاركتهم الفعلية في صناعة الفن، سواء أمام الكاميرا أو خلفها. فقد أثبت عدد من الفنانين المكفوفين الإيرانيين أن الإبداع لا تحدّه الحواس، وأن البصر ليس شرطاً للرؤية الفنية.
من أبرز هؤلاء هو «محسن رمضاني» الممثل الكفيف الذي قدّم أداءً استثنائياً في فيلم «رنك خدا» للمخرج مجيد مجيدي، حيث جسّد شخصية محمد، الطفل الكفيف الذي يعيش في مدرسة للمكفوفين. لم يكن أداؤه مجرد تمثيل، بل كان تجسيداً حياً لعالم المكفوفين، وقد نال إشادة واسعة من النقاد والجمهور.
مبادرات فنية للمكفوفين
في السنوات الأخيرة، أُطلقت مبادرة “سوينا” (سينما المكفوفين) بإدارة الممثلة كلاره عباسي، حيث تُعرض الأفلام الحديثة شهرياً بصيغة صوتية وتعليقية في سينما «جارسو» بطهران، في تجربة تُعد الأولى عالمياً. كما تم تحويل العديد من الأفلام والوثائقيات إلى ملفات صوتية لتسهيل وصول المكفوفين إلى المحتوى الفني، وهو ما لاقى ترحيباً واسعاً من الجمهور.
هذا الحضور اللافت للمكفوفين في السينما الإيرانية يعكس التزام الفن بقضايا الإنسان، ويؤكد أن البصر ليس شرطاً للرؤية، بل إن القلب قد يرى ما لا تراه العين.