وفي هذا اللقاء، نقل وزير الاقتصاد التحيات الحارة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكداً على تعزيز العلاقات الأخوية والتعاون الاقتصادي والتجاري والبنية التحتية بين البلدين، واقترح فرصاً خاصة لتعميق هذه العلاقات في الظروف الحالية.
وأعلن مدني زاده، خلال هذا اللقاء، أنه يحمل رسالة تحية حارة وصادقة من رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى رئيس جمهورية طاجيكستان، مؤكداً أن الرئيس بزشكيان يتطلع إلى لقاء واستضافة نظيره في طهران.
وأشار مدني زاده إلى أهمية العلاقات الأخوية والتعاون الوثيق بين البلدين، موضحاً أن الرئيس بزشكيان يولي دائماً اهتماماً خاصاً بتطوير هذه العلاقات في جميع المجالات.
كما عبّر عن تقديره الصادق للمواقف المبدئية والشجاعة لحكومة طاجيكستان في إدانتها للهجمات التي شنّها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معتبراً هذا الموقف دليلاً على الفهم العميق للظروف الحساسة في المنطقة وضرورة دعم الاستقرار والأمن المستدام.
كما هنّأ وزير الاقتصاد الإيراني رئيس جمهورية طاجيكستان على النجاح في عقد الاجتماعات الدولية، خاصة القمة الأخيرة لقادة الدول التي عُقدت في مدينة دوشنبه الجميلة، مشيراً إلى أن العلاقات بين إيران وطاجيكستان قد شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة.
وأشار إلى الظروف الخاصة الناتجة عن الاعتداءات التي شنّها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ضدّ إيران، وتفعيل آلية “سناب باك” وتشديد العقوبات، واصفاً هذا الوضع بأنه فرصة مميزة لتطوير وتعميق العلاقات بين البلدين الصديقين والشقيقين.
واقترح أن يتم توسيع التعاون بين البلدين بعيداً عن آثار العقوبات من خلال وضع آليات مالية ومصرفية خاصة، واستخدام العملات الوطنية، وتجارة المقايضة للسلع والخدمات، وتنفيذ مشاريع مشتركة.
وأضاف: في هذا السياق، تتوفر إمكانيات كبيرة للتعاون في مجالات متنوعة؛ حيث إن الشركات الإيرانية جاهزة للمشاركة الفعالة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، والمشاريع الإنشائية، ومحطات توليد الطاقة، وبناء الطرق، والإسكان، وتطوير المدن في طاجيكستان.
وقال وزير الاقتصاد: إن التعاون في مجال الطاقة والكهرباء، بما في ذلك إنشاء محطات الطاقة الكهرومائية، وخطوط نقل الكهرباء بين طاجيكستان وأفغانستان وإيران، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، يُعدّ من المحاور العملية للتعاون.
كما أن إنشاء قنوات دفع مباشرة، واستخدام العملات الوطنية، وخطوط الائتمان المتبادلة في مجال التجارة والمصارف سيلعب دوراً مهماً في تسهيل العلاقات الاقتصادية.
وأعلن مدني زاده عن استعداد إيران لإنشاء حديقة علمية وتكنولوجية مشتركة، وتطوير الشركات القائمة على المعرفة، وتفعيل التحول الرقمي في الاقتصاد بالتعاون مع طاجيكستان.
وأعرب عن شكره وتقديره لتعليمات ودعم رئيس جمهورية طاجيكستان في حل المشكلات والمطالبات المتعلقة بمشروع “سنغ توده 2″، وطالب بإصدار تعليمات مماثلة لحل وتسوية بعض المطالبات المتبقية للبنوك الإيرانية من البنوك الطاجيكية منذ سنوات سابقة.
واقترح أن يتم، بتعليمات من رئيس جمهورية طاجيكستان، تعيين ممثل محدد للتعاون مع ممثل يتم اختياره من قبل وزارة الاقتصاد والمالية الإيرانية لدراسة هذه القضايا وحلها.
وأكد على القدرات العالية للشركات الهندسية والفنية الإيرانية في تنفيذ المشاريع الكبرى، مشيراً إلى أن تعزيز حضور هذه الشركات في طاجيكستان لن يسهم فقط في تطوير البنية التحتية، بل سيؤدي أيضاً إلى نقل المعرفة الفنية والتكنولوجيا الهندسية الإيرانية إلى هذا البلد.
وأضاف: إن إيران وطاجيكستان يمكنهما أن يلعبا دوراً مهماً في سلسلة التوريد الإقليمية في مجالات الطاقة، والأدوية، والزراعة، والخدمات الفنية والهندسية، وأن تضافر القدرات سيعزز مكانتهما الاقتصادية في المنطقة.
وفي ختام اللقاء، عبّر وزير الاقتصاد مرة أخرى عن تقديره للضيافة الحارة لرئيس جمهورية طاجيكستان وحكومته، وأكد قائلاً: نحن نتطلع إلى استضافة الرئيس رحمان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لإجراء حوارات بناءة وفعالة في طهران حول الأدوار الاستراتيجية للتعاون طويل الأمد ومستدام بين البلدين.
الفرص الاستثمارية الخضراء
إلى ذلك، شدّد وزير الاقتصاد والشؤون المالية على تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية بين إيران وطاجيكستان، وأشار إلى الفرص الاستثمارية الخضراء والتعاون الإقليمي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والنقل والزراعة باعتبارها ركائز التنمية المستدامة في المنطقة.
وخلال كلمته في منتدى دوشنبه الاستثماري، الذي عُقد في العاصمة الطاجيكية، أكد مدني زاده على تطوير التعاون الاقتصادي والثقافي بين إيران وطاجيكستان، وقال: حضورنا في هذا التجمع في مدينة دوشنبه الجميلة شرفٌ عظيم، وأتقدم بالشكر الجزيل لحكومة طاجيكستان وللرئيس إمامعلي رحمان على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.
وأضاف: إن هذا المؤتمر، الذي يركّز على “الاستثمار الأخضر”، يمثل جسراً لتبادل الأفكار وبوابة نحو مستقبل مستدام ومزدهر للمنطقة.
موضحاً: أن اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الراحل الشهيد آيةالله السيد إبراهيم رئيسي ورئيس طاجيكستان إمامعلي رحمان، شكّل نقطة تحول في العلاقات الثنائية، حيث تم توقيع 23 وثيقة تعاون بقيمة نصف مليار دولار، ما يعكس العزم الجاد على تعميق الشراكة الاقتصادية.
وأكد أن الرؤية المشتركة لتحقيق حجم تبادل تجاري يتجاوز 500 مليون دولار، إلى جانب الاتفاقيات المبرمة في مجالات النقل والجمارك وتربية الأسماك والتعدين والزراعة، قد وضعت الأسس المتينة لهذا التعاون، مشيراً إلى أن طاجيكستان، بفضل إمكاناتها الواسعة في مجال الطاقة الخضراء والتعدين والموارد المائية، تمثل بيئة موثوقة وجاذبة للاستثمار.
تحقيق التنمية المتوازنة عبر تعزيز الروابط الثنائية والإقليمية
ورأى وزير الاقتصاد أن هذا التعاون الاقتصادي المعزّز، الذي ينبع من الروابط التاريخية والثقافية العميقة بين شعبينا، ويُسهّله حوار مباشر وهادف بين قيادة البلدين، لا يجلب فقط ازدهاراً متبادلاً، بل ويحقق أيضاً مزيداً من الاستقرار والتقدم للمنطقة بأكملها.
مضيفاً: إن التعاون الإقليمي له جذور ضاربة في تاريخ طريق الحرير، ويُظهر هذا التاريخ أن شعوب هذه المنطقة قد غذّت منذ القدم وعياً اقتصادياً عميقاً، وأن باقي أبعاد التعاون والشراكة قد بُنيت وتعززت حول هذا المحور الأساسي (التنمية والنمو الاقتصادي).
وتابع: نحن نؤمن أن التنمية يجب أن تكون شاملة ومتوازنة؛ فلا يمكن لأي دولة أن تستمتع بثمار الثروة والتقدم مادامت فجوات كبيرة تفصلها عن جيرانها. لذلك، فإن تحقيق أهدافنا الاقتصادية الكبرى بالتنمية المتوازنة لا يمكن إلا من خلال تعزيز الروابط الثنائية والمتعددة الأطراف.
وذكر: أنه من الخصائص المهمة التي تمنح هذا الحدث أهمية خاصة، هي أن الخبرة الواسعة والإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها جمهورية طاجيكستان في مجال الطاقة الخضراء، إلى جانب إمكاناتها الاستثنائية في قطاع التعدين ومواردها المائية الوفيرة، قد خلقت تركيباً متوازناً من جميع العناصر الضرورية لأنشطة اقتصادية عالية المردود، مما يوفر أساساً موثوقاً للاستثمار.
المحاور الأساسية للتعاون الإقليمي
وأشار مدني زاده إلى بعض المحاور الأساسية للتعاون الإقليمي، ومنها: أولاً، قطاع الطاقة مع التركيز على المصادر المتجددة، الذي يمكن أن يصبح أحد الركائز الحيوية للتعاون الإقليمي، ويرتقي بمستوى إمدادات الطاقة المستدامة في جميع أنحاء المنطقة.
ثانياً، الاقتصاد الرقمي، الذي يكمن وراءه مستقبل الذكاء الاصطناعي، والذي لا يعد هذا المصطلح مجرد مفهوم نظري، بل أصبح أداة قوية لحل التحديات الوطنية وخلق فرص استثنائية.
ثالثاً، النقل والخدمات اللوجستية، حيث يمكن تتبع جذور التبادل الإقليمي في امتداد الممرات الاقتصادية التاريخية لخدمة المصالح المشتركة.
أما رابعاً، فهو محور الزراعة والصناعات الغذائية، عبر إنشاء مشاريع استثمارية مشتركة ذات منافع موزعة يوفر أساساً متيناً للتعاون الاقتصادي الإقليمي.
خامساً، الأدوية والمنتجات الطبية، ويمكن لإيران من خلال خبرتها القوية في إنتاج الأدوية والمعدات الطبية والتكنولوجيا ذات الصلة أن تكون شريكاً موثوقاً وقادراً للدول الإقليمية في إنتاج الأدوية المتخصصة والجودة العالية، وكذلك تصنيع وتوفير المعدات الطبية الحديثة.
سادساً، التعدين والصناعات المرتبطة به، هذا المحور الذي ينمو وفقاً للخصائص الجيولوجية لا الحدود السياسية، تستطيع جذب الاستثمارات لتطوير الصناعات التعدينية، وكذلك تصدير الخدمات الفنية والهندسية من الشركات المتخصصة للتعاون مع دول المنطقة.
إيران مستعدة للتعاون الإقليمي
ونوّه وزير الاقتصاد إلى أن إيران رغم العقوبات الظالمة وغير القانونية التي تمر بها، مستعدة للتعاون الإقليمي، خصوصاً مع طاجيكستان، في مجالات الطاقة النظيفة والاقتصاد الرقمي والنقل والزراعة والأدوية والصناعات التعدينية.
موضحاً: أن العالم يقف على أعتاب ثورة رقمية، وأن إيران، بقدراتها في الذكاء الاصطناعي وتقنية سلسلة الكتل، (Blockchain)، مستعدة لنقل خبراتها إلى طاجيكستان لتنمية التكنولوجيا وتأهيل الكوادر المتخصصة.
وأكمل وزير الاقتصاد: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطاجيكستان مستعدتان لاستضافة المستثمرين العالميين في مجالات مثل مشاريع التثبيت المناخي المشتركة، وإدارة الموارد المائية، والمبادرات القابلة للتطبيق في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات، وتطوير البنية التحتية، والتبادل السياحي -بما في ذلك السياحة البيئية والسياحة الصحية- وإنتاج السلع النهائية المتطورة وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
وكرر وزير الاقتصاد والشؤون المالية شكره وخالص امتنانه لرئيس جمهورية طاجيكستان ولمنظمي هذا الحدث، خاتما ًكلمته هذه بأبيات شعرية خالدة للشاعر الملحمي الإيراني العظيم أبوالقاسم الفردوسي الطوسي.