في زيارة ثقافية تحمل طابعاً حضارياً وتاريخياً، شارك وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، سيد عباس صالحي، في سلسلة فعاليات ثقافية في تركيا ضمن برنامج «العام الثقافي الإيراني التركي 2025». وشملت الزيارة لقاءات رسمية مع نظيره التركي، ومشاركات أدبية وفنية، وزيارات لمراكز ثقافية ومكتبات وطنية، حيث أكد صالحي أن الثقافة والأدب يشكلان رصيداً مشتركاً بين الشعبين، وجسراً متيناً لتوطيد العلاقات الثنائية.
حافظ الشيرازي يجمع إيران وتركيا
في إطار هذه الفعاليات شارك وزير الثقافة في احتفالية تكريم الشاعر حافظ الشيرازي في تركيا، وقال: إن الشعبين الإيراني والتركي حافظا على الأدب والشعر كثروة حضارية ورصيد مشترك عبر القرون.
وأشار صالحي إلى أن الأدب كان دائماً لغة القلوب، متجاوزاً الحدود الجغرافية والسياسية، وأن إيران وتركيا تقاربتا تاريخياً من خلال الشعر والحكمة، بدءاً من العصر السلجوقي والعثماني، مروراً بخانقاهات قونية ومدارس أصفهان، وصولاً إلى مكتبات إسطنبول وأوساط تبريز الأدبية.
واعتبر الوزير أن الشاعر حافظ يُجسد الروح المشتركة للشرق الإسلامي، حيث امتزج شعره بالعقلانية والعرفان، والحب والحكمة، مما جعله رمزاً ثقافياً يتجاوز حدود إيران. كما أشار إلى أن ديوان حافظ كان يُستخدم في الدولة العثمانية لتعليم اللغة الفارسية وتدريس الشعر والجماليات، وأن وجود شروح متعددة له في الأناضول دليل على حضوره العميق في التراث المشترك.
وختم صالحي بالقول: إن الشعراء كانوا دائماً جسراً متيناً ينقل هذا الإرث الثقافي إلى الأجيال، مؤكداً أن الاحتفاء بحافظ في تركيا يُعزز الهوية الثقافية المشتركة بين البلدين.
إفتتاح طريق الثقافة.. من خوي إلى قونية
وفي نفس السياق التقى وزير الثقافة، بوزير الثقافة والسياحة التركي «محمت نوري ارسوي»، وخلال هذا اللقاء أكد على أن العلاقات بين إيران وتركيا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية واسعة ومتينة، مشدداً على أن الشعبين لا يُنظر إليهما كجيران فحسب، بل كأمتين من أسرة واحدة.
وأكد صالحي، أن هذا العام يمثل نقطة تحول في العلاقات الثقافية والاجتماعية بين البلدين، داعياً إلى استثماره في تنفيذ برامج مشتركة رغم التحديات الإقليمية، مقترحاً تنظيم مهرجان «مولانا» في إيران بالتزامن مع زيارة محتملة للرئيس التركي، إلى جانب إطلاق مشروع «طريق شمس ومولانا» من مدينة خوي إلى قونية، بهدف تسجيله كموقع تراث غير ملموس لدى اليونسكو وتعزيز السياحة الثقافية.
كما دعا إلى تنظيم مهرجان للفنون التشكيلية بمناسبة الذكرى الـ1500 لميلاد النبي محمد(ص)، يُعرض بالتناوب بين البلدين، مشدداً على أهمية تشكيل لجنة ثقافية مشتركة لتفعيل البرامج المقترحة وتطوير برنامج شامل للتبادل الثقافي.
وأشار إلى أن إيران نشرت أكثر من 110 آلاف عنوان كتاب العام الماضي، مع إمكانية ترجمة بعضها إلى التركية، وأعرب عن رغبة بلاده في المشاركة بمعارض الكتب التركية، ودعوة تركيا كضيف شرف في معرض طهران الدولي للكتاب.
من جانبه، رحب وزير الثقافة والسياحة التركي، محمت نوري أرسوي، بالمقترحات الإيرانية، مؤكداً أن العلاقات الثقافية بين البلدين متجذرة، وأن تحسن الأوضاع الإقليمية يتيح فرصة لتعزيز التعاون الثقافي، خاصة في فعاليات مثل مهرجانات «طريق الثقافة» ومشروع «خوي–قونية».
الثقافة.. جسر إيران لتوطيد العلاقات مع دول الجوار
وأكد صالحي، خلال زيارته إلى تركيا، على أن سياسة الحكومة الإيرانية تهدف إلى توسيع العلاقات مع دول الجوار وتوطيدها، مشيراً إلى أن العام الثقافي الإيراني التركي 2025 يمثل فرصة لتعزيز الروابط الثقافية بين البلدين. وأوضح أن تأخر انطلاق البرامج يعود إلى ظروف إقليمية، لكن الفعاليات ستستمر حتى عام 2026، وتشمل ندوات حول الشاعر حافظ الشيرازي وعروضاً فنية من أوركسترا الموسيقى الوطنية الإيرانية.
وشملت زيارة الوزير لقاءات مع مسؤولين أتراك وشخصيات ثقافية، وزيارات لمراكز ومؤسسات ثقافية، إضافة إلى لقاءات مع باحثين في الدراسات الإيرانية واللغة الفارسية. كما زار مكتبة «ملت» التركية ومكتبة «الشعب» في المجمّع الرئاسي التركي، حيث ناقش سبل التعاون في مجال المخطوطات والتراث الرقمي، واقترح توقيع مذكرات تفاهم بين المكتبات الإيرانية والتركية.
وأشار صالحي إلى أهمية المكتبات كجسر بين الماضي والمستقبل، مؤكداً أن التعاون في هذا المجال يعزز الفهم المتبادل ويُسهم في تطوير الثقافة والعلم. كما أعرب عن أمله في مشاركة تركيا في معرض طهران الدولي للكتاب، لما لذلك من أثر إيجابي على العلاقات الثقافية بين البلدين. واختتمت الزيارة بتبادل الهدايا الثقافية بين الجانبين.
اللغة الفارسية تفتح آفاقاً لفهم التراث الحضاري
كما شارك الوزير في اجتماع بأنقرة مع نخبة من أساتذة اللغة الفارسية والمثقفين الأتراك، ضمن فعاليات العام الثقافي الإيراني التركي. وأكد خلال اللقاء أهمية اللغة الفارسية ومكانتها في الحضارة الإسلامية، باعتبارها لغة العلوم والثقافة الثانية في العالم الإسلامي، مشيراً إلى أن معرفتها تفتح آفاقاً لفهم التراث الحضاري لتركيا ودول أخرى ومؤكداً أن وجود نحو 40 ألف متعلم للغة الفارسية في تركيا يعكس عمق الروابط الثقافية بين الشعبين.
وأوضح صالحي أن البرامج الثقافية بين البلدين بدأت متأخرة بسبب الظروف الإقليمية، لكن تم الاتفاق مع وزير الثقافة التركي على مواصلة هذه الفعاليات حتى عام 2026. ودعا النخب الثقافية التركية إلى دعم هذه المبادرات.
وأشار صالحي إلى أن العام الثقافي لا يقتصر على فترة زمنية، بل يُمثل نقطة تحول في العلاقات الثقافية، داعياً إلى تقديم صورة متكاملة عن إيران التاريخية والمعاصرة. واستعرض صالحي مظاهر النشاط الثقافي والفني في إيران، من إنتاج الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، إلى المعارض الفنية والموسيقى والنشر، مؤكداً أن إيران تنشر أكثر من 110 آلاف عنوان كتاب سنوياً، وتحتضن أحد أكبر معارض الكتب في المنطقة.
كما أشار إلى أن إيران تمتلك أكثر من 5000 وسيلة إعلامية ورقية و30 وكالة أنباء نشطة، مما يعكس حيوية المشهد الثقافي. وأكد أن الحضارة الإيرانية تميزت بالمرونة والصمود، واستمرت رغم التحديات، مثل الغزو المغولي والعقوبات الراهنة.
وفي ختام اللقاء، أعلن صالحي عن الاتفاق على تشكيل لجنة ثقافية وفنية مشتركة بين الوزارتين، لتعزيز التعاون وتفعيل البرامج الثقافية، خاصة في مجال اللغة الفارسية، التي تُعد جسراً حضارياً بين إيران وتركيا.
زيارة وزير الثقافة إلى تركيا لم تكن مجرد مناسبة رسمية، بل جسّدت عمق الروابط الثقافية بين بلدين يجمعهما إرث حضاري غني، ويبدو أن العام الثقافي الإيراني التركي 2025 سيكون نقطة انطلاق جديدة نحو فهم أعمق وتواصل أكثر استدامة بين الشعبين.