موناسادات خواسته
في زمنٍ تُستهدف فيه الرموز بالصورة والكلمة، يخرج الفنان الإيراني «حسين جمنخواه» ليؤكد أن الخط ليس مجرد أداة تصميم، بل وسيلة لتوثيق الذاكرة النضالية. من قلب أحداث «طوفان الأقصى»، ومن مشهد استشهاد «يحيى السنوار»، وُلد خط يحمل اسمه، ليكون إمتداداً بصرياً لروحه المقاومة، ويُستخدم في العناوين والملصقات والوسائط التي تخاطب وجدان الأمة. يوم الأربعاء الماضي وتزامناً مع ذكرى إستشهاد «يحيى السنوار»، تم إزاحة الستار عن خط جديد تحن عنوان «خط السنوار»، فبهذه المناسبة نقدّم نبذة عن المراسم، ثم الحوار الذي أجريناه مع مصمّم الخط السيد «حسين جمن خواه».
إزاحة الستار عن خط السنوار
في حفل فني أقيم في قاعة مهر التابعة لـ «حوزه هنري» بطهران، تم إزاحة الستار عن «خط السنوار، خط المقاومة»، من تصميم الفنان الغرافيكي «حسين جمنخواه»، بمناسبة الذكرى السنوية لإستشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وقد أُعلن أن هذا الخط سيُوقف لصالح تغذية أطفال غزة، ويُعرض قريباً على موقع «نام وهنر».
الخط الجديد، الذي أُنجز بإدارة فنية من الأستاذ «مسعود نجابتي» في مركز الفن ، يجمع بين الجمالية البصرية والرمزية النضالية، ويُعد أول مبادرة لتوثيق شخصية مقاومة عبر تصميم خط خاص يحمل اسمها. نجابتي دعا المؤسسات الثقافية إلى الاهتمام بتصميم خطوط تحمل أسماء القادة والمفكرين، مؤكداً أن «الخط هو أكثر الأعمال الغرافيكية خلوداً، ويجب أن يُستخدم في بناء الهوية البصرية للمقاومة».
من جهته وصف الفنان «أسدالله جهرهبرداز» الخط بأنه «ذو نغمة ولهجة»، ينقل إحساساً بالقوة والصمود، بينما اعتبره «كوروش بارسانجاد»، «شاعراً بصرياً»، يجمع بين الشخصية واللمسة الخطّية، ويصعب تقليده.
الحدث شكّل دعوة مفتوحة للمؤسسات الثقافية والفنية لتصميم خطوط تحمل أسماء الأبطال، وتُسهم في حفظ ذاكرتهم البصرية في فضاء الفن والإعلام.
خط بخصائص بصرية تعكس روح المقاومة
بدايةً، تحدث الفنان الغرافيكي «حسين جمن خواه» عن خط السنوار وخصائصه، وكيفية نشأة الفكرة، قائلاً: أنا تأثرت بأحداث «طوفان الأقصى» والإبادة الجماعية التي إرتكبها الكيان الصهيوني في غزة والشرق الأوسط، حيث استُشهد قادة كبار، وكان استشهاد السنوار يحمل طابعاً فيه عناصر جذابة ألهمت الفنانين لتناولها وإبداع أعمال فنية. قمت بتصميم خط، ومع استشهاد السنوار، غيّرت اسم ملفاتي إلى «السنوار»، وقد أعجب أستاذي السيد مسعود نجابتي بهذا الاسم كثيراً، واقترح أن نصمّم خطاً يحمل خصائص بصرية تعكس روح المقاومة، ويُسمّى «خط السنوار». بدأنا العمل، واتخذنا الحروف أساساً وأعدنا بناءها. تدريجياً، أصبح ذلك العود الذي رماه السنوار نحو الطائرة المسيّرة التي كانت تراقبه، هو الفكرة الأساسية لهذا العمل. ومع التعديلات التي طرأت على التصميم، أُضيف هذا العنصر البصري، وفي النهاية، تجسدت حالة النضال والمقاومة في الشكل العام للعمل.
ترسيخ المقاومة بالفن
وعندما سألنا «جمن خواه» عن ترسيخ المقاومة بالفن، ومستقبل «خط السنوار»، قال: أقول بوضوح ودقة إن عنصراً جزئياً مثل الفن أو الخط أو الغرافيك لا يمكنه وحده أن يُخلّد جوهر المقاومة، بل إذا اجتمعت تفاصيل مجموعة ما وتكاملت، وتم تأصيلها علمياً، وأصبحت قابلة للطرح في الأكاديميات، فإن هذه المجموعة يمكنها أن تُخلّد حركة ثورية وتضمن استمراريتها التاريخية. أما أن نقول إن خطاً واحداً يمكنه أن يصنع استمرارية تاريخية لحركة مقاومة، فهذا أمر صعب. هذا هو جوهر النقاش حول الخلود في التاريخ. لكن الخط بحد ذاته، نظراً لإرتباطه المباشر بالمستخدم، لا تنتهي صلاحيته، إلّا إذا تغيّرت الذائقة الجمالية السائدة، مثلاً خلال فترة تمتد لـ200 سنة، وتُستبعد الذائقة الجمالية المرتبطة به. هذا يرتبط بالرياضيات والفلسفة وغيرها، لكن طالما أن الذائقة الجمالية تعمل، فإن الخط يعمل أيضاً. لذا، الخط بحد ذاته مستمر، ويمكن للمستخدمين الإستفادة منه.
ميزات «خط السنوار»
وفيما يتعلق بميزات الخاصة لخط السنوار قال جمن خواه: بطبيعة الحال، ما هو بصري يجب أن يُرى ليُفهم بشكل صحيح. لكن ما كان في ذهننا منذ البداية هو تصميم خط مخصص لجبهة المقاومة، بحيث يُستخدم في العناوين وليس في النصوص، أي في العناوين، وسائل التواصل الإجتماعي، الملصقات، وغيرها من الوسائط.
أما الإستراتيجية الأخرى التي تحكم هذا الخط، فهي أن يكون له نغمة فارسية وعربية، ليكون قابلاً للإستخدام من قبل مستخدمي الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. كنت أريد تصميم خط يُغني يد مصممي الغرافيك في موضوع المقاومة، بحيث إذا أرادوا تصميم ملصق مثلاً، يمكنهم استخدام خط السنوار بسهولة، ويسهم هذا الخط في تعزيز روح المقاومة والنضال داخل التصميم. لذلك، حاولت أن أُجسّد هذه الروح من خلال الحدة وسماكة الحروف على الكرسي، كما أن الرمز الذي كان عود السنوار، تم تجريده في مثلث ضيق جداً، ليُشكّل فضاءات إيجابية وسلبية داخل الحروف. في الفضاءات السلبية، يظهر عود السنوار بشكل إيجابي، وفي الفضاءات الإيجابية يظهر بشكل سلبي، في وضع مائل بزاوية تقارب 25 درجة، مما يُضفي طابعاً نضالياً على الحروف.
الغرافيك والتواصل مع الجمهور
وعن مدى تواصل الجمهور مع الأعمال الفنية الغرافيكية قال الفنان الإيراني: في الحقيقة، كنت أتحدث مع صديقي بعد العودة من حفل إزاحة الستار عن الخط حول هذا الموضوع. لو لم يكن هناك تنوع في الخطوط، كيف كان سيكون التواصل بين البشر؟ لو لم يكن هناك كتابة، ولم نتمكن من تدوين شيء، ولم يكن للكتابة شكل، لكنا نعود باستمرار إلى الماضي، ونكتب فقط بالخط الكوفي، أو حتى بالخط المسماري والخطوط البدائية. كل هذا التنوع في الخطوط الذي نراه من الماضي حتى اليوم هو نتيجة الغرافيك والتايبوغرافي، رغم أننا لم نكن نُسميه غرافيك في ذلك الوقت، لكن المصممين الذين كانوا يُنجزون هذه الأعمال ويصممون أدوات الخط، ويحددون لها بنية وأبعاد، كانوا يمارسون التايبوغرافي والغرافيك. والكتابة ساهمت كثيراً في إنتاج العلم، وفي كيفية انتقاله بين العلماء، ثم إلى الناس، وكيف تشكّل التفاهم بين الشعوب والحضارات. وفي هذا السياق، فإن الكلام والقول، ثم الكتابة، لها تأثير كبير، وشكل الحروف يُسهم في إيصال المفاهيم التي نريد نقلها.
بالمقاومة يُرفع لواء التوحيد في العالم
وعندما سألنا «جمن خواه» عن رأيه حول إستشهاد قادة المقاومة هل يُحدث تراجعاً في مسار المقاومة، فقال: المقاومة لا ترتبط بالأشخاص، بل هي حركة ووصف جوهري لمنظومة الإيمان في مواجهة منظومة الكفر. وهي ليست مرتبطة فقط بعصرنا، بل منذ بداية التاريخ، عندما كان الأنبياء يُبعثون، كانت منظومة الكفر تمنعهم من دعوة الناس لعبادة الله تعالى. وكان عمل الأنبياء هو المقاومة، وهي التي أدّت إلى بناء سفينة نوح، ثم إلى بعثة النبي الأكرم(ص)، ورفع شعار التوحيد في العالم، ثم استمر إلى الأئمة الأطهار(ع). وفي عصرنا، رغم أن الناس لم يروا الإمام المعصوم، الإمام المهدي(عج)، إلا أنهم مستعدون لأن يُضحّوا بأرواحهم من أجل الولي الفقيه، الذي يخدم الإمام المعصوم بأشد الأشكال. هذه هي المقاومة، التي تجمع الناس حول محور الإيمان، والقادة الشهداء مثل الشهيد السنوار، الشهيد هنية، الشهيد نصر الله، هم أبناء هذا المسار، وكلهم تربوا في ثقافة الأنبياء، وبالمقاومة يُرفع لواء التوحيد في العالم.
الشهيد السنوار مناضل عبقري
وأخيراً حول شخصية الشهيد يحيى السنوار يقول جمن خواه: بعد أن أنهيت العمل على الخط، سمعت معلومات جديدة عن حياة الشهيد يحيى السنوار، وكانت بالنسبة لي مثيرة جداً. كم كانت هذه الشخصية عظيمة، فقد كان يُؤثر في جبهة المقاومة داخل السجن وخارجه، وحتى في المواجهة مع الكيان الصهيوني، كان له تأثير كبير داخل السجن. وكان إنساناً عزيزاً وكاتباً بارعاً، وحتى في تصميم عملية «طوفان الأقصى»، رغم وجود نظام أمني متطور جداً بجوار غزة، كانت حماس تعمل لسنوات على تصميم عملية لا يكتشفها الكيان الصهيوني، وهذا يُظهر عبقرية الشهيد السنوار العالية.