الروايات تؤكد على ضرورة أن يبحث المؤمن عن عذر لأخيه حين لا يجد له عذراً ظاهراً

أكَّدت الروايات الشريفة على ضرورة أن يبحث المؤمن عن عذر لأخيه حين لا يجد له عذراً ظاهراً، والغاية من ذلك صَون كرامة الإنسان والذود عنها

أكَّدت الروايات الشريفة على ضرورة أن يبحث المؤمن عن عذر لأخيه حين لا يجد له عذراً ظاهراً، والغاية من ذلك صَون كرامة الإنسان والذود عنها، وحفظ النسيج الاجتماعي للمجتمع المؤمن، والإبقاء على حِبالَة المودة بين أفراده.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “إِذا ذَمَمْتَ فَـاقْتَصِـرْ”.

إن قَدِرتَ قارئي الكريم ألا تَذمَّ أحداً فافعل، خصوصاً إذا كان ولياً لك، أو أخاً من إخوانك، أو صديقاً من أصدقائك، أو شخصاً من عامّة الناس فافعل، فذلك هو الأجدى بك والأحوط لك، وأخوك دينك فاحتط لدينك، فإن الذمَّ قد يحمِلك على التَّعدي لحدود الله في الشخص المَذموم، خصوصاً إذا كنت لا تحيط به خبرة وعلماً، أو كان لما تذُمّه به وجهٌ يستدعي حُسنَ الظَّنِّ به والبحث له عن عُذرٍ يُعْذَرُ به.

وقد أكَّدت الروايات الشريفة على ضرورة أن يبحث المؤمن عن عذر لأخيه حين لا يجد له عذراً ظاهراً، والغاية من ذلك صَون كرامة الإنسان والذود عنها، وحفظ النسيج الاجتماعي للمجتمع المؤمن، والإبقاء على حِبالَة المودة بين أفراده.

ولكن قد تضطرّك الأيام إلى أن تذمَّ شخصاً من الأشخاص، إمّا لظهور مُنكَره وشَرِّه، أو لخطورة ما يمارسه من أفعال وما يتخذه من مواقف، أو ردعاً لظلمه وطغيانه، أو تنبيهاً على ضلاله، أو إجابة لطلب نصيحة، فإن الذمَّ يكون مبرّراً في هذه الأحوال، وقد يكون واجباً دفعاً لمفسدة أعظم من المحافظة على سمعة ذلك الشخص المذموم، فماذا عليك أن تفعل؟ وإلى أي حدٍ يمكنك أن تبلغ في الذَّمِّ؟

قبل الإجابة على السؤال المطروح، يحب التأكيد على وجوب التفريق بين الموقف من ذات الشخص والموقف من فعالِه وصفاته، فالمُؤمن شديد التفريق بين الأمرين، إنه موقفه يوجهه تجاه الأفعال والصفات ولا يوجِّهه تجاه الشخص ذاته، إنه ينقد الفعل ولا ينقد الشخص، ويذم الصفة ولا يذم حامل الصفة، ولهذا الفعل بعد تربوي يتمثل في أن ذم الفعل ينطلق من رجاء الخير للشخص والحِرص عليه من جهة، ويدعوه من جهة أخرى إلى السَّعي في تهذيبه وتزكيته، والإمساك بيده للسير به في طريق الخير والصلاح، وبهذا ينطلق الذم من نيَّة طيِّبة صالحة لا من عداء شخصي، أما إذا كان موقفه من الشخص لا من فعله فإن ذلك سيدعوه لمعاداته وقطع الصلة معه، وبذلك يستمر ذلك الشخص على ما هو عليه دون أن تمتد إليه يد الخير والأخوَّة لتنقذه مما هو عليه.

وعلى ضوء ما سبق يتبين لنا الحَدّ الذي يمكن أن نبلغه في الذَّمّ لمن نريد أن نذمّه، إذ لا يمكن لذمّنا أن يكون متواصلا متمادياً متسعاً شاملاً لكل ما نراه فيه، بل لا بد أن نقتصر على موضع الضرورة دون أن نتجاوزها إلى غيرها، وهذا ما أراده الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: “إِذا ذَمَمْتَ فَـاقْتَصِـرْ”.

أي اقتصر على موضع الحاجة ولا تتعدى إلى غيرها، فإذا ذممت خصلة فيه فلا تتعداها إلى بقية خصاله التي قد تكون إيجابية، فقد تُسأل عن شخص هل يُصلي؟ فاقتصر على ذلك وقل: لا يصلي، ولا تتجاوز ذلك فتأخذ في هتك أستاره، والكشف عن مكنونه، ولا تجعل منه شيطاناً بالكلية.

إن كثيراً مِنّا عندما يعادون شخصاً ما فإنهم يجعلون منه إبليساً في جميع صفاته وفعاله، ويشيطنونه حتى إنهم لا يعرفون في قاموسهم عيباً إلا ويلصقونه به، وهذا يتعارض مع الإنصاف، إذ لا يعقل أَلّا يكون في الشخص صفة إيجابية ما.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

 

الاخبار ذات الصلة