في أجواء أدبية وفنية نابضة بالإلتزام والوعي، شهدت العاصمة الإيرانية طهران تنظيم فعالية ثقافية بعنوان «والزیتون»، خصصت لتكريم وعرض 17 إصداراً جديداً من منظمة الدعاية الإسلامية حول القضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، بتنظيم مشترك بين دارَي نشر «أمير كبير» و«سوره مهر»، وبمشاركة نخبة من الكتّاب والمترجمين والفنانين والناشطين في الشأن الفلسطيني. وكان الهدف تسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية للمقاومة الفلسطينية من خلال الأدب والفن.
روايات أدبية وفنية صادقة
الفعالية التي أقيمت يوم الإثنين 20 أكتوبر، سعت إلى تقديم روايات أدبية وفنية صادقة في مواجهة الدعاية الإعلامية، مؤكدة أن تاريخ فلسطين لا يُقرأ من منتصفه، بل من جذوره العميقة. وقد تنوّعت فقرات البرنامج بين عروض كتب، ومسرحيات، وأفلام وثائقية، وعروض إذاعية، لتشكل لوحة متعددة الوسائط تعبّر عن صوت الإنسان الفلسطيني في وجه الاحتلال. فبهذه المناسبة نقدّم نبذة عن الحفل وتعريف مختصر لبعض هذه الكتب.
«والزیتون»
في بداية البرنامج، تم توزيع كتيّب أصفر اللون يحتوي على أعمال مسابقة دولية للملصقات والرسوم الكاريكاتيرية بعنوان «فلسطين ليست وحدها»، بمشاركة فنانين من مختلف أنحاء العالم.
انطلقت الفعالية بعرض كتاب «آینه هاي فرشتكان» أي «مرايا الملائكة» الذي قدمته «سبیده ولي بور» بأسلوب مسرحي، تلاه تقديم كتاب «آسمان كریست» أي «بكت السماء» الذي يتناول تقرير الصحفي البريطاني توني كليفتون عن حصار بيروت، حيث أشار صادق وفائي إلى أن كليفتون دخل لبنان برؤية غربية لكنه خرج منها بتوثيق واقعي للمقاومة.
كما تم عرض كلمة مصورة للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله، تحدث فيها عن دور الأدب في إيصال صوت الفلسطينيين، مشيراً إلى نضال المسيحيين الفلسطينيين من خلال كتابه «ناقوس هاي سه كانه» أي «النواقيس الثلاثة»، وأكد أن فلسطين بلد متعدد الأديان.
المترجم سید حمیدرضا مهاجراني استهل كلمته بشعر معين بسيسو: «قبل أن نكتب عن فلسطين بالدم، يجدر بنا أن نكتب عنها بالقلم»، وتحدث عن ترجمته لأعمال نصر الله مثل «تانكي زير درخت كريسمس» أي «دبابة تحت شجرة الميلاد»، «سايه كليدها» أي «ظل المفاتيح»، و«جشم بيت لحم» أي «عين بيت لحم».
الصحفي صادق عليزاده قدّم كتاب «صبح شبات» أي «صباح الشبات» للمؤرخ الصهيوني «إيلان بابه»، مؤكداً أن الرواية الفلسطينية لا تبدأ من 7 أكتوبر، بل من جذورها التاريخية، وقد ترجم الكتاب شهریار شفیعي ونشرته دار أميركبير.
العرض المسرحي «دخترك أرغواني» أي «الفتاة الأرجوانية» المستوحى من رحلة الفنانة تمام الأكحل، جسّد قصة فتاة سُلب منزلها من قبل الاحتلال، فيما تحدثت المترجمة هانیه کمري عن كتاب «خار وميخك» أي «الشوك والقرنفل» وسيرة الشهيد يحيى السنوار، مؤكدة على استمرارية المقاومة الأدبية.
في فقرة مؤثرة، قدّم كمیل سوهاني كتاب «بايي در غزة» أي «قَدَم في غزة» محذراً من خسارة معركة الرواية، ودعا إلى «إصلاح لكنت زبان» أي «إصلاح التلعثم» في الخطاب الإعلامي، مستعرضاً وثائق تثبت تفوق الرواية المضادة في دول الجوار.
ثم عُرض الفيلم الوثائقي «أنا شيرين أبو عاقلة» للمخرج حسین إلهام، الذي تناول حياة الصحفية الفلسطينية الشهيدة، وأبرز تضحياتها في سبيل نقل الحقيقة، وهو من تأليف شهریار شفیعي ونشرته دار أمير كبير.
الباحث الساخر إسماعیل أمیني قدّم كتاب «خنده در إشغال» أي «الضحك تحت الاحتلال»، مؤكداً أن الفكاهة ليست هروباً بل مقاومة نفسية، فيما قدّم مهدي حیدري وبیام کیاني بور عرضاً إذاعياً بعنوان «لهجه هاي غزة» أي «لهجات غزة»، نقلوا فيه قصصاً مؤثرة من داخل القطاع.
في ختام البرنامج، قدّم کوروش علیاني كتاب «الصمود» للكاتب مهدي صدر الدین، الذي يروي قصصاً إنسانية من غزة، منها تجربة رفعت العریر، صاحب مبادرة «ما عدد نيستيم» أي «نحن لسنا أرقاماً»، مؤكداً أن الصمود هو نفيٌ للشك، وأن الفن يكشف الحقيقة خلف البروتوكولات.
«مرايا الملائكة»
«مرايا الملائكة» أو «آینههاي فرشتكان» هو عنوان مجموعة شعرية للشاعر والروائي الفلسطيني-الأردني البارز إبراهيم نصر الله، صدرت لأول مرة عام 2001 في بيروت، ثم تُرجمت إلى اللغة الإيطالية عام 2019، لتواصل حضورها العالمي كصوت أدبي مقاوم.
في هذه المجموعة، يقدّم نصر الله سرداً تخيلياً وعاطفياً لحكاية الطفلة الفلسطينية «إيمان حجو»، التي استشهدت وهي في شهرها الرابع خلال الانتفاضة الثانية، لتُعرف كأصغر شهيدة في تلك المرحلة. ومن خلال هذه القصة، ينطلق الشاعر في معالجة فلسفية وجودية لمفاهيم الموت، والحياة، والعدالة، والمصير، والحب، والحرية، بأسلوب شعري يتجاوز الرثاء إلى التأمل العميق في جوهر الإنسان الفلسطيني.
وقد صرّح نصر الله في مناسبات سابقة أن هذه المجموعة الشعرية، التي أهداها إلى «إيمان»، تمثل محاولة لكتابة ملحمة الإنسان الفلسطيني، لا بوصفه ضحية، بل كرمز للكرامة والصمود والقدرة على إعادة تعريف الحياة في وجه المحو.
«مرايا الملائكة» ليست مجرد قصائد، بل هي مرآة تعكس وجوهاً متعددة للوجدان الفلسطيني، وتعيد رسم ملامح الطفولة والبراءة في سياق المقاومة، لتصبح شهادة شعرية على أن الأدب قادر على تخليد الحقيقة حين تعجز السياسة عن ذلك.
«الشوك والقرنفل»
«الشوك والقرنفل» هي رواية كتبها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار، عام 2004 أثناء اعتقاله في سجن صهيوني، وقد كتبها باللغة العبرية. تنتمي الرواية إلى أدب المقاومة، وتتناول حياة الفلسطينيين في المخيمات من خلال شخصية «أحمد»، الذي وُلد في مخيم للاجئين.
الرواية تتألف من 30 فصلاً، وتعرض في كل فصل جانباً من حياة أحمد داخل المخيم، بدءاً من طفولته، مروراً بتجارب العمل والدراسة، وصولاً إلى الحب والصراع الداخلي. من أبرز القضايا التي تناقشها الرواية: اضطرار بعض الفلسطينيين للعمل لدى الكيان الغاصب، وما يثيره ذلك من جدل بين من يراه ضرورة معيشية ومن يعتبره خيانة. معاناة الشباب الفلسطيني في سبيل التعليم، خاصة أثناء عبور نقاط التفتيش. التحولات النفسية والاجتماعية الناتجة عن الاحتلال، وتأثيرها على نمط الحياة داخل الأسر الفلسطينية. قصة حب أحمد لزميلته في الجامعة، التي يقرر كتمانها حتى التخرج.
الرواية تسلط الضوء على الخيارات الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وتقدم سرداً إنسانياً يعكس تعقيدات الواقع، ويطرح أسئلة أخلاقية حول الكرامة، والاضطرار، والمقاومة.
«بكت السماء»
يوثق الصحفي البريطاني توني كليفتون في كتابه «بكت السماء» أحداث حصار بيروت عام 1982، مسلطاً الضوء على معاناة المدنيين، خاصة الأطفال، تحت القصف والجوع والمرض. بأسلوب صحفي مدعوم بصور كاثرين ليروي، يكشف الكتاب زيف الادعاءات الصهيونية حول التدخل الإنساني، ويعرض تفاصيل المجزرة المروعة في مخيمي صبرا وشاتيلا، حيث قُتل مئات اللاجئين الفلسطينيين على يد ميليشيات مسيحية بدعم من كيان الاحتلال. يتألف الكتاب من أربعة فصول: «الحصار»، «القصف»، «الأطفال»، و«المجزرة»، ويُعد من أبرز الأعمال التي تفضح فظائع الاحتلال وتُخلّد صوت الضحايا.
«الصمود»
يقدّم كتاب «الصمود» مجموعة مختارة من الروايات الشعبية التي توثق جوانب من الحياة في قطاع غزة، تلك التي غالباً ما بقيت في الظل، تحت وطأة الحرب والاحتلال والحصار، دون أن تجد فرصة للظهور أو التعبير. الكاتب، في رحلة امتدت عاماً كاملاً داخل عالم الكلمات، سعى بأمانة في الترجمة وإعادة الصياغة إلى رسم صورة إنسانية دقيقة عن الحياة في غزة، كما يعيشها أهلها.
ترسيخ الرواية الفلسطينية
فعالية «والزیتون» لم تكن مجرد احتفاء بالكتب، بل كانت منصة متعددة الأصوات والوسائط، تسعى إلى ترسيخ الرواية الفلسطينية في الوعي الثقافي، وتقديم الأدب والفن كأدوات مقاومة حية في وجه النسيان والتشويه. إنها دعوة مفتوحة لإعادة قراءة فلسطين من البداية، لا من منتصف الحكاية.