وارتفاع عدد أجهزة تصوير الطب النووي

إيران تحقق قفزة نوعية في إنتاج الأدوية الإشعاعية

الوفاق/ أثبتت إيران مكانتها كواحدة من أبرز ثلاث دول في العالم في صناعة الأدوية الإشعاعية، حيث تظهر الإحصاءات ارتفاعًا في عدد أجهزة التصوير الطبي النووي في البلاد.

وتُعدّ الطاقة النووية أحد المصادر المهمة للطاقة، ولها تطبيقات واسعة في مجالات علمية وطبية متنوعة. ومن بين التطبيقات البارزة للطاقة النووية في الطب هو إنتاج “الأدوية الإشعاعية”. هذه الأدوية هي مركبات كيميائية تحتوي على نويدات مشعة، أو نوى ذرية مشعة، تُستخدم لتشخيص الأمراض أو علاجها، حيث تُحقن أو تُعطى للمريض عن طريق الفم.

 

وتُنتج النويدات المشعة الموجودة في هذه المركبات أنواعًا مختلفة من الأشعة مثل ألفا وبيتا وغاما، ولكل منها خصائص معينة. وتتيح هذه الأشعة، بفضل طاقتها وقدرتها على النفاذ، استهداف أجزاء محددة في الجسم، مما يساعد على تشخيص دقيق لأمراض مثل السرطان واضطرابات القلب ومشكلات الغدد الصماء. كما يمكن لهذه الأشعة، في العلاج، تدمير الخلايا السرطانية بشكل موضعي دون التسبب بأضرار كبيرة للأنسجة السليمة.

 

وتُعدّ تقنية الأدوية الإشعاعية أحد الإنجازات البارزة في الطب الحديث، حيث أحدثت خلال العقود الأخيرة تحولات كبيرة في مجال تشخيص وعلاج الأمراض، خاصة الأمراض المعقدة مثل السرطان. وقد ساهمت الأدوية الإشعاعية في تصوير الطب النووي والعلاجات الموجهة في تحقيق تقدم ملحوظ في الكشف المبكر عن الأمراض وتقليل المضاعفات الناتجة عن طرق العلاج التقليدية.

 

ومع ذلك، تواجه الدول النامية تحديات بسبب القيود في البنية التحتية ومحدودية الوصول إلى التقنيات الحديثة، مما قلل من استفادتها من هذه التقنية. وفي هذا السياق، حققت إيران تقدمًا ملموسًا في إنتاج الأدوية الإشعاعية وإنشاء مراكز متخصصة، حيث اتخذت خطوات مهمة لتطبيق هذه التقنية.

 

 

* أهمية الأدوية الإشعاعية في تشخيص وعلاج السرطان

 

تلعب تقنية الأدوية الإشعاعية دورًا رئيسيًا واستراتيجيًا في تشخيص وعلاج السرطان، حيث تتيح التطورات في هذا المجال للأطباء تحديد الأمراض، وخاصة السرطان، وعلاجها بدقة وفعالية أكبر.

 

فيما يلي نستعرض أبرز خصائص هذه التقنية وتأثيراتها في هذا المجال:

 

 

* الطب الشخصي

 

تلعب الأدوية الإشعاعية دورًا حيويًا في الطب الشخصي، حيث تساعد في اختيار العلاجات بدقة أكبر لكل مريض، مما يؤدي إلى تقليل الآثار الجانبية وزيادة الفعالية.

 

 

* دور الأدوية الإشعاعية في تطوير أدوية جديدة

 

تساهم الأدوية الإشعاعية في تقييم توزيع الأدوية وفعاليتها، مما يساعد الباحثين على اختبار الأدوية الجديدة بدقة أكبر، وهو ما يُسرّع عملية البحث والتطوير للأدوية الجديدة.

 

وتُسهم الأدوية الإشعاعية بشكل كبير في تحسين تشخيص وعلاج السرطان وغيره من الأمراض. ولا تقتصر هذه التقنيات على تعزيز الدقة في التشخيص والعلاج فحسب، بل تؤثر أيضًا بشكل كبير في تطوير أدوية موجهة وشخصية، وتقليل التكاليف، وتحسين جودة حياة المرضى. كما تساعد الأدوية الإشعاعية الباحثين على الوصول إلى علاجات مبتكرة وأكثر فعالية، وتُسرّع عملية البحث والتطوير للأدوية.

 

 

* تطورات تقنية الأدوية الإشعاعية في الطب، العلاج والتشخيص:

 

أصبحت تقنية الأدوية الإشعاعية جزءًا لا يتجزأ من الطب الحديث في تشخيص وعلاج الأمراض، خاصة السرطان. وفي الدول المتقدمة، ينتشر استخدام الخدمات الطبية النووية على نطاق واسع، بينما تواجه الدول النامية قيودًا في البنية التحتية، خاصة في مجال إنتاج الأدوية الإشعاعية، مما قلل من استفادتها من هذه التقنية.

وللاستفادة الفعالة من هذه التقنية، يتطلب الأمر وجود بنيتين تحتيتين أساسيتين: إنتاج الأدوية الإشعاعية واستخدامها في المراكز العلاجية، لا سيما من خلال تقنيات تصوير الطب النووي SPECT وPET، اللتين أحدثتا تحولات كبيرة في تشخيص أمراض مثل السرطان وأمراض القلب والجهاز العصبي.

 

 

* التطورات في مجال التشخيص باستخدام تقنية الأدوية الإشعاعية:

 

– التصوير بتقنية SPECT

منذ سبعينيات القرن الماضي، أحدث استخدام الأدوية الإشعاعية في تقنية التصوير SPECT تحولات كبيرة في التشخيص الدقيق للأمراض، حيث تُستخدم هذه التقنية بشكل خاص في تشخيص أمراض القلب، متابعة علاج السرطان، ومحاكاة وظائف الدماغ في أمراض مثل الزهايمر وباركنسون. وتتمثل إحدى أهم مزايا SPECT في قدرتها على تقديم تصوير دقيق وغير جراحي.

 

– التصوير بتقنية PET

أحدثت تقنية PET، بقدرتها على تصوير العمليات الأيضية والبيولوجية للأنسجة، تحولات كبيرة في الكشف المبكر عن السرطان، تقييم العلاجات، ومتابعة مشكلات القلب. وتوفر PET، بفضل دقتها العالية وإمكانية دمجها مع التصوير المقطعي CT أو التصوير بالرنين المغناطيسي MRI، معلومات أكثر شمولية عن بنية الجسم ووظائفه، بالإضافة إلى ذلك، تتيح PET تشخيص الاضطرابات الدماغية وإدارة الأمراض العصبية مثل الزهايمر وباركنسون.

 

* تصنيف إيران في تقنيات تصوير الطب النووي

 

تُعدّ الأدوات التشخيصية في الطب في المستشفيات والمراكز الخاصة التابعة لوزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي، ويتم شراؤها وتركيبها وتشغيلها. وفي مقالة بعنوان «توزيع المعدات الطبية التشخيصية العلاجية الرأسمالية في إيران في عام 2016 وتقدير عدد الأجهزة المطلوبة حتى عام 2025»، والتي نُشرت في عام 2017 في مجلة الوبائيات الإيرانية المتخصصة من قبل المتخصصين والمسؤولين المعنيين، بلغ عدد أجهزة غاما كاميرا الخاصة بالتصوير SPECT في عام 2016 عدد 176 جهازًا، وتقديرها لعام 2025 يبلغ 226 جهازًا.

 

وفي نفس المقالة، بلغ عدد أجهزة مسح PET “الخاصة بالتصوير” في عام 2016 عدد ۳ أجهزة، وتقدير عدد الأجهزة المطلوبة حتى عام 2025 يبلغ 16 جهازًا. ووفقًا للمعلومات المتاحة، يبلغ عدد أجهزة التصوير SPECT حاليًا حوالي 216 جهازًا في ۳۱ محافظة، وأجهزة التصوير PET حاليًا ۱۰ أجهزة.

 

ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول توزيع أجهزة التصوير بالمسح في عام 2023، يتضح أن عدد أجهزة SPECT على مستوى العالم بلغ حوالي 270,180 جهازًا في هذا العام. ويتركز توزيع هذه الأجهزة بشكل غير متساوٍ في الدول ذات الدخل المرتفع.

 

وعلى الرغم من أن عدد أجهزة SPECT في إيران لا يزال أقل من المتوسط العالمي “305 أجهزة لكل مليون نسمة”، إلا أن إيران صُنفت في هذا التقرير ضمن الدول ذات الدخل أعلى من المتوسط Upper-Middle Income من حيث عدد أجهزة SPECT.

 

 

* إنتاج الأدوية الإشعاعية وتصوير الطب النووي في العالم وإيران

 

على المستوى العالمي، يعتمد الوصول إلى أجهزة SPECT وPET بشكل كبير على مستوى دخل الدول. وتمتلك الدول ذات الدخل المرتفع عدة أضعاف الوصول إلى هذه المعدات مقارنة بالدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

 

يُقدّر حجم سوق الأدوية الإشعاعية العالمي في عام 2024 بقيمة تتراوح بين 74/6 إلى 85/11 مليار دولار. كما يُتوقع أن يصل هذا السوق بحلول عام 2034 إلى أكثر من 25 مليار دولار، بنمو سنوي مركب CAGR يتراوح بين 53/7% إلى 45/11%.

 

وحققت إيران تقدمًا في مجال إنتاج الأدوية الإشعاعية وأجهزة تصوير الطب النووي؛ لكن لا تزال هناك اعتمادية كبيرة على استيراد النظائر المشعة الرئيسية مثل الموليبدينوم-99m واللوتسيوم-177.

 

ويُعدّ تطوير البنية التحتية المتعلقة بإنتاج الأدوية الإشعاعية، بما في ذلك إنتاج أدوية إشعاعية وظيفية مثل FDG “فلوئوروديوكسي جلوكوز” وزيادة عدد أجهزة PET، من الأولويات المهمة لتعزيز مكانة إيران في مجال الطب النووي.

 

ويُعتبر زيادة عدد أجهزة مسح PET من 225 إلى عدد أكبر وتعزيز مكانة إيران في الساحة العالمية للطب النووي من الأهداف الرئيسية للبلاد.

 

 

* إنتاج الجرعة الأولى من دواء FDG في إيران

 

تمّ تركيب وتشغيل جهاز السيكلوترون في إحدى مستشفيات طهران، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد في تأمين الأدوية الإشعاعية الطبية وإنتاج النظائر المشعة اللازمة للتصوير بتقنية PET. كما نجح قسم إنتاج الأدوية الإشعاعية في هذا المستشفى خلال العام الماضي في إنتاج الجرعة الأولى من الدواء الإشعاعي FDG. ومع ذلك، فإن الشركة الوحيدة المسؤولة عن إنتاج وتوزيع الأدوية الإشعاعية في البلاد هي شركة حكومية تابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.

 

 

* إنتاج 70 نوعًا من الأدوية الإشعاعية في إيران

 

ثبتت إيران مكانتها كواحدة من أبرز ثلاث دول في العالم في صناعة الأدوية الإشعاعية من خلال إنتاج 70 نوعًا من هذه الأدوية، وتلبية احتياجات أكثر من 6500 مركز طبي نووي. كما حققت، من خلال تصديرها إلى 15 دولة، أرباحًا تقدر بحوالي 70 مليون دولار في عام 2025.

 

 

* وضع أجهزة التصوير SPECT وPET في إيران

 

يبلغ عدد أجهزة التصوير SPECT في إيران حاليًا حوالي 216 جهازًا، موزعة على 31 محافظة في البلاد. وهذا الرقم أقل من المتوسط العالمي البالغ 3.5 جهاز لكل مليون نسمة.

 

في مجال التصوير PET “التصوير للعمليات الأيضية والبيولوجية للأنسجة”، يُقدر عدد أجهزة المسح الفعالة في البلاد بحوالي 10 أجهزة، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.739 جهاز لكل مليون نسمة. في حين أن الدول ذات الدخل المرتفع تمتلك أكثر من 3 أجهزة PET لكل مليون نسمة.

 

 

* التحديات والأولويات:

 

– الاعتماد على الواردات

 

تعتمد إيران على استيراد النظائر المشعة الحيوية، بما في ذلك الموليبدينوم-99m واللوتسيوم-177. يؤدي هذا الاعتماد إلى ضعف سلسلة توريد الأدوية الإشعاعية وزيادة التكاليف في مجال الطب النووي.

 

– الحاجة إلى تطوير البنية التحتية

 

تُعدّ من الأولويات الأساسية لتعزيز مكانة إيران في الطب النووي تطوير البنية التحتية لإنتاج النظائر المشعة محليًا، وزيادة القدرة الإنتاجية للأدوية الإشعاعية العلاجية والتشخيصية، وتوسيع عدد أجهزة التصوير PET وSPECT.

حققت إيران في السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في إنتاج الأدوية الإشعاعية واستخدام تقنيات التصوير الطبي النووي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات مثل النقص في إنتاج النظائر المشعة الرئيسية، والعدد المحدود لأجهزة التصوير، والحاجة إلى توسيع البنية التحتية المتخصصة. وللمنافسة مع الدول المتقدمة والوصول إلى مكانة عالمية متميزة في هذا المجال، من الضروري تعزيز الإنتاج المحلي للنظائر المشعة وتوسيع شبكة المعدات والمراكز الطبية النووية في البلاد.

المصدر: الوفاق