رسّام إيراني للوفاق:

الفن لغةٌ تتجاوز الحدود ورسالةٌ لا تحتاج إلى ترجمة

خاص الوفاق: في اليوم العالمي للفنانين والرسامين، يحتفي العالم بمن جعلوا من الريشة أداةً للوعي، ومن اللون وسيلةً للذاكرة، ومن الفن رسالةً تتجاوز الحدود. وفي هذا السياق، أجرينا حواراً مع أحد أبرز الفنانين الإيرانيين الذين عايشوا مرحلتي ما قبل الثورة الإسلامية وما بعدها، الأستاذ «رضا بدر السماء»، الذي كرّس حياته لخدمة بلاده وهويته الإسلامية من خلال الفن، وجعل من أعماله مرآةً تعكس القيم الدينية والثورية، وتُجسّد الالتزام العقائدي في صورة نابضة بالحياة. وفيما يلي نص الحوار:

موناسادات خواسته

 

 

الفن لغة عالمية

 

بداية تحدث الاستاذ رضا بدر السماء عن دور الفن كلغة عالمية، قائلاً: أعتقد أن من بين كل لغات العالم، يبرز الفن كلغة وحيدة لا تحتاج إلى ترجمة، بإمكانك من خلال لوحة فنية أن تخاطب شعباً دون أن تنطق بكلمة. لذلك، يجب أن نستثمر هذا الفن لنقل رسالة الإسلام واليقظة والوعي إلى الشعوب.

 

نحن نعيش في زمن عادت فيه الهوية الإسلامية لتكون محوراً عالمياً. نحن كفنانين يجب أن نكون صوت هذه الهوية، وأن نقدّم رسائلنا من خلال فنٍ راقٍ يعبّر عن القيم والوعي والإرادة.

 

كما أثّر صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في قلبي، فإنّ الفن أيضاً له هذا التأثير. سمعت أن كثيرين أسلموا بعد استماعهم لتلاوته. وبالمثل، اللوحة والتصميم والإبداع يمكن أن تُوصل رسالة الإسلام بشكلٍ صادق ومحبّب.

 

العمل لأهل البيت (ع)

 

أما عن المواضيع التي تناولها في أعماله الفنية، قال الاستاذ بدر السماء: خصصتُ جزءاً كبيراً من أعمالي لرسم قصص الأنبياء(ع) في القرآن الكريم، والأئمة المعصومين(ع)، كما ساهمت بتصميم وزخرفة عدد من الأضرحة المباركة في كربلاء المقدسة، سامراء المقدسة، وقم المقدسة، وكانت هذه من أسمى لحظات حياتي.

 

أنا حقاً أحبّ هذا الطريق. حتى أجد راحتي الجسدية وسيلة لأواصل إنتاج الفن بروح قوية. أستيقظ قبل الفجر، أتوضأ، أُصلّي، وأبدأ عملي على هُدى القرآن، وأحياناً أدمج التلاوة مع الرسم، فترتسم المعاني على الورق بروحٍ مشتعلة بالإيمان.

*اللوحات الفنية

 

وحول لوحاته الفنية قال الأستاذ بدر السماء: بعد تأمل طويل، توصّلت إلى أن خلاصة دعوة كل الأنبياء والرسل، البالغ عددهم 124 ألف، تنحصر في كلمة واحدة هي « لا إله إلا الله»، هذه الكلمة الطيبة هي عنوان التوحيد، وغاية الرسالات، ومفتاح الكمال الإنساني.

 

وقد جسّدتُ هذه الفكرة في لوحة كُتبت فيها عبارة «لا إله إلا الله» بطريقة فنية، عُلِّقت على أحد الجسور الرئيسية في البلاد. هذا العمل برأيي يختصر مضمون الثورة الإسلامية، لأن هدفها الأسمى هو تحقيق التوحيد في العالم، والسير على نهج الأنبياء (ع).

 

وتابع بدر السماء:  كل من يصلّي، يطلب من الله عشر مرات يومياً أن يهديه إلى هذا الصراط، وهو صراط الإمام علي(ع) وذريته.

 

أحد أعمالي عنوانه «نشيد الإسلام»، وقد تناولت فيه رموز الأذان: التوحيد، النبوة، والإمامة، وهو برأيي عمل يحمل هوية الأمة الإسلامية. كما خصّصت لوحات لرسم النصر القادم، مستلهماً من بشارات القرآن مثل« فإن حزب الله هم الغالبون ».

 

كما أنني أعمل على لوحة أخرى بعنوان «طريق الظهور»، ترصد المسيرة من كربلاء المقدسة حتى زمن الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني، وتربطها بالظهور المبارك للإمام المهدي(عج). إنها رسالة أمل تنبض في كل عملٍ أقدّمه.

 

توظيف الفن في خدمة الإسلام

 

وفيما يتعلق بتأثير الثورة الإسلامية على مسيرته الفنية، قال الأستاذ بدر السماء: الثورة كانت نقطة تحول كبيرة. كانت كلمات الإمام الخميني(رض) بمثابة صحوة لي. قررت أن أوظّف الفن في خدمة الإسلام، وأن أرسم ما يعبّر عن ثورة الإمام الحسين(ع)، وقيم المقاومة.

 

كما قال أحد أساتذة الجامعات في تبريز، إن أفضل وسيلة لتعليم الأجيال القادمة عن الثورة الإسلامية هو «تاريخ الثورة المصوّر»، وأنا بالفعل كرّست جزءاً من عملي لذلك، حتى تكون الثورة مفهومة بصرياً للشباب.

 

تأثير الأعمال الفنية على الآخرين

 

وفيما يتعلق بالأثر الذي تركته لوحاته على الآخرين قال الأستاذ بدر السماء: الكثير أخبروني أن أعمالي تحمل «رائحة الثورة»، ولها «صبغة أهل البيت(ع) ». وهذا أجمل ما يُقال في حق فنان يعمل من قلبه وعقيدته.

 

كانت فتاة من اليابان شاهدت أعمالي عبر الإنترنت، وتواصلت مع ابني، ثم جاءت بنفسها إلى إيران وزارت أصفهان. عندما شرحتُ لها رموز الأعمال المرتبطة بالصراط المستقيم ونهج أمير المؤمنين(ع)، تأثّرت كثيراً. وبعد عودتها، أرسلت رسالة تقول فيها إنها دخلت الإسلام، وقالت: «إن البيئة  والأعمال الفنية كانت مؤثرة». إن أثّر عملي حتى في شخص واحد فقط، فأنا أراه كافياً.

 

مدرسة الرسم الإيراني

 

أما عن دورنا تجاه التراث الفني الإيراني، قال الاستاذ بدر السماء: نحن أصحاب مدرسة فنية عظيمة تُسمى «مدرسة الرسم الإيراني»، ويجب علينا أن نحافظ عليها، وأن نورثها للأجيال القادمة. أحب أن أرى الشباب، خاصة من خارج إيران، يبدون شغفاً بتعلم هذا الفن الأصيل. إنها مسؤوليتنا أن نُعلّم ونُحيي هذا التراث في الداخل والخارج.

 

لديّ كتب فنية مطبوعة تجمع بين الرسم التقليدي الإيراني والتعليم الفني الحديث، مستوحاة من تراثنا الإسلامي. هذه الكتب تُستخدم اليوم في ورشات تعليمية.

 

نشاطات دولية

 

أما عن نشاطاته الدولية قال الفنان الايراني: الحمد لله، أكثر من مئة كتاب نُشر حتى الآن، ليس فقط في إيران، بل أيضاً في دول عربية مثل مصر، حيث تواصلت معنا دور نشر لطباعة كتب مزينة برسوماتي. كذلك حدث ذلك في كشمير، حيث تم تكليفي بتصميم كتب خاصة بهم. كما تمت دعوتي للمساهمة في كتب تعليمية عن الرسم الإيراني، وتمت طباعتها في بعض الجامعات خارج البلاد. حتى السفارة الإيرانية تدخلت لترجمة بعضها. في روسيا، تم تنسيق نشاطات مع مؤسسات ثقافية، وطُبع تقويم فني كامل من أعمالي، بل وحتى كتاب للتعريف بثقافة إيران.

 

وفي كندا، طلب أحد الأساتذة عرض أعمالي في الجامعة لشرح مفاهيم الإسلام من خلال الفن، وقد وافقت. وعبّر عن رغبته في نقل هذا المشروع إلى جامعات أخرى في أوروبا.

 

ركائز الحياة الأبدية

 

وحول مواجهة الصهاينة قال الرسّام الإيراني: لو كنا نحمل وعياً وبصيرة، لما تمكنت أميركا والصهيونية من قمع الشعوب، وتدميرها، وقتل الأبرياء في فلسطين وغيرها. الانحراف عن خط التوحيد هو سبب هذه المآسي. كلما ازددنا وعياً بهذا، أصبحنا أقرب لنصرة الحق.

 

أعتقد أن أي عمل- مهما بدا صغيراً- في هذا المسار، سيكون له ثواب عظيم. من يزرع في هذا الحقل، سيحصد في الدنيا والآخرة. الطريق واضح: الإمامة، التوحيد، والولاء، وهذه هي الركائز التي يجب أن تبنى عليها الحياة الأبدية.

 

وأخيراً أؤمن أن القلب حين يتكلّم عبر الريشة، يصل للقلوب مباشرة. وأتمنى أن يصل هذا الفن إلى أوسع عدد من الناس، ويكون وسيلة لنقل الحقيقة والجمال والإيمان إلى العالم.

 

 

 

 

المصدر: الوفاق-خاص