القلق الأبوي خوف وتوتر ينتقل إلى الأبناء

إن تربية طفل واحد تحتاج إلى تعاون قبيلة كاملة، واليوم مع عصر السرعة والعزلة المجتمعية المفروضة كشكل جديد للحياة يضطر الآباء إلى تربية أبنائهم وحدهم مع كثير من التوجيهات والقواعد والمشاعر المضطربة.

يتمتع الأطفال بإدراك لا يصدق ويمكنهم التقاط الأحوال العاطفية لوالديهم، فعندما تظهر على الآباء علامات القلق، مثل القلق المستمر أو الحماية المفرطة أو الذعر في المواقف العصيبة، يمكن للأطفال الشعور بهذه المشاعر وقد يستوعبونها، وهذا بالطبع يمكن أيضاً أن يغذي مخاوف الوالدين في شأن تأثير قلقهم.

 

إن تربية طفل واحد تحتاج إلى تعاون قبيلة كاملة، واليوم مع عصر السرعة والعزلة المجتمعية المفروضة كشكل جديد للحياة يضطر الآباء إلى تربية أبنائهم وحدهم مع كثير من التوجيهات والقواعد والمشاعر المضطربة.

ينبع القلق الأبوي من المسؤولية الهائلة لتربية الطفل والرغبة الطبيعية في حمايته ورعايته، ففي جوهرها يغذيها الخوف من الطبيعة المجهولة وغير المتوقعة لتربية الأطفال، إذ يريد كل الآباء الأفضل لأطفالهم، وقد تترجم هذه الرغبة أحياناً إلى قلق مفرط.

 

إن الضغط من أجل أن تكون أباً وأماً مثاليين ممزوجة بالتوقعات المجتمعية ومقارنة النفس بالآخرين يمكن أن يؤدي إلى تفاقم هذه المشاعر، كذلك فإن التغييرات الرئيسة في الحياة مثل بدء المدرسة أو الانتقال إلى منزل جديد أو مشكلات صحية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى زيادة القلق، لكن عندما تصبح هذه المخاوف مستهلكة بالكامل وتتداخل مع الحياة اليومية، فقد تشير إلى صراع أعمق مع قلق الوالدين، لذا يعد إدراك الفرق بين اهتمامات الوالدين الطبيعية والقلق أمراً بالغ الأهمية لتعزيز بيئة إيجابية ورعاية لطفل ورفاهية الوالدين، فإذا كنت تسأل نفسك، هل هذا المستوى من التوتر طبيعي؟ أو لماذا لا أستطيع التوقف عن القلق في شأن طفلي؟ فقد تكون هذه علامات على أنك تعاني قلق الوالدين وليس مجرد إجهاد موقت.

 

لغة الأطفال

 

منذ الأعوام الأولى للطفل ينمو كمحقق عاطفي، يتطلع إلى والديه لتحديد ما يشكل سبباً للقلق، جبين مجعد ولغة جسد ضيقة وصوت متوتر، فتمكنهم هذه الملامح المتصلبة من تتبع مشكلة أو خطر بسببها، لذا تصبح هذه المهارة الذكية جزءاً من أدواتهم العاطفية للحياة.

 

فمنذ نعومة أظافرهم تكون لغة الأطفال الأولى هي العاطفة، وضبط واستيعاب المشاعر التي يختبرونها في العلاقات الرئيسة يكون أساسها في هذه الأعوام، ولذلك فما يصدر عن الآباء وطريقة تعاملهم يشكل لهم العلاقة الأساس الحاسمة لكيفية تعاطيهم مع عواطفهم في حياتهم.

 

ويتمتع الأطفال بإدراك لا يصدق ويمكنهم التقاط الحالات العاطفية لوالديهم، فعندما تظهر على الآباء علامات القلق، مثل القلق المستمر أو الحماية المفرطة أو الذعر في المواقف العصيبة، يمكن للأطفال الشعور بهذه المشاعر وقد يستوعبونها، وهذا بالطبع يمكن أيضاً أن يغذي مخاوف الوالدين في شأن تأثير قلقهم، إذ يمكن أن يحدث انتقال هذا القلق من خلال سلوك النمذجة الذي غالباً ما يقلد من خلاله الأطفال سلوكيات والديهم، فقد يقوم أحد الوالدين القلقين بتعليم طفله عن غير قصد الاستجابة للمواقف بالخوف والقلق.

 

وينتقل القلق بالعدوى العاطفية، فالعواطف يمكن أن تكون معدية، وعندما يشعر أحد الوالدين بالقلق يمكن لطفله أن يمتص هذا القلق ويشعر بالقلق بنفسه من دون أن يفهم السبب تماماً، كذلك تعد الحماية الزائدة طريقة لانتقال القلق، فقد يصبح الوالد القلق مفرطاً في الحماية، مما يحد من تجارب الطفل واستقلاليته، وهذا يمكن أن يعوق قدرة الطفل على تنمية المرونة والثقة.

 

مصارحة ومصالحة

 

لذا فبمجرد أن يعرف الوالدان كيفية إدارة التوتر الخاص بهما، يمكنهما مساعدة أطفالهما على تعلم المهارات نفسها، فالآباء لا يحتاجون إلى إخفاء قلقهم، وبدلاً من ذلك عليهم التحدث مع الأطفال عما يشعرون به وكيف يتعاملون معه، فقد يقول أحدهم للطفل، “أنا أشعر بالخوف الآن، لكنني أعلم أنه ليس من المحتمل أن الشيء الذي أخاف منه سيحدث بالفعل”.

 

وإذا فعل أحدهما شيئاً ندم عليه لاحقاً، يستطيع التحدث عن ذلك لطفله كأن يقول له، “صرخت في وجهك هذا الصباح لأنني كنت قلقاً من أننا سنتأخر، لكنني أعلم أن هناك طرقاً أفضل للرد عندما أشعر بهذه الطريقة”.

 

إن الحديث عن القلق يبعث للأطفال رسالة مفادها أن التوتر أمر طبيعي ويمكنهم التحكم فيه، ويمكن أن يساعد أيضاً في التخطيط للتعامل مع القلق قبل حدوثه، فيمكن أن تكون مشاهدة أحد الوالدين في حال من القلق أكثر من مجرد إزعاج موقت للأطفال، إذ يتطلع الأطفال إلى والديهم للحصول على معلومات حول كيفية تفسير المواقف الغامضة، فإذا بدا أحد الوالدين قلقاً وخائفاً باستمرار، فسيقرر الطفل أن مجموعة متنوعة من السيناريوهات غير آمنة، وهناك أدلة على أن أطفال الآباء القلقين هم أكثر عرضة لإظهار القلق بأنفسهم، وهو مزيج محتمل من وراثية عوامل الخطر والسلوكيات المكتسبة.

 

لذا من المؤلم الاعتقاد أنه على رغم حسن نيات الأهل، قد يجدون أنفسهم ينقلون التوتر إلى أطفالهم، ولكن إذا تعاملوا مع القلق وبدأوا ملاحظة أن طفلهم يظهر سلوكيات قلقة، فإن أول شيء مهم هو عدم التورط في الشعور بالذنب، يقول الطبيب النفسي الإكلينيكي، جيمي هوارد، “ليست هناك حاجة إلى معاقبة نفسك”، مضيفاً “إنه شعور سيئ أن تشعر بالقلق، وليس من السهل إيقاف تشغيل هذا البرنامج داخلك”.

 

والشيء الثاني المهم الذي يجب على الوالدين فعله هو تنفيذ إستراتيجيات للمساعدة في ضمان عدم نقل قلقهم لأطفالهم، وهذا يعني إدارة التوتر الخاص بهم بأكبر قدر ممكن من الفاعلية، ومساعدة أطفالهم على إدارة ضغوطهم،.

 

آثار جسدية وعاطفية وسلوكية

 

يمكن أن يكون قلق الوالدين والإرهاق خفيين، مما يؤثر تدريجاً في حياة الوالدين بمرور الوقت، وغالباً ما يظهر من خلال مجموعة من الأعراض الجسدية والعاطفية والسلوكية.

 

جسدياً، قد يعاني الآباء التعب المزمن أو توتر العضلات أو الصداع المتكرر أو مشكلات النوم أو تغيراً في الشهية، ويمكن أن تنبع هذه الأعراض الجسدية من القلق والتوتر المستمرين، مما يؤدي إلى دورة من قلة النوم والتعب المستمر الذي يزيد من تفاقم القلق. ويشعر الآباء بالتوتر والإرهاق الشديد لدرجة أنهم لا يستطيعون الاستمتاع بوقت العائلة، وفي بعض الحالات يؤدي هذا الإرهاق إلى الإثارة أو التهيج أو الانسحاب من الأشخاص المهمين أو أطفالهم.

 

 

 

المصدر: الجزيرة

الاخبار ذات الصلة