نموذجٌ لجيل ظلّ متمسكاً بهُويّته الدينية والوطنية

«فريدالدين معصومي» عالمٌ ربط العلم بالإيمان والشهادة

الوفاق/ أدّى الحادث الإرهابي في مرقد السيد أحمد بن موسى(ع)، المعروف بـ"شاهجراغ" بمدينة شيراز (جنوب إيران) في خريف عام 2022، لإستشهاد عدد من الزوار؛ لكن اسم السيد فريدالدين معصومي، كأحد النخب العلمية وحافظ القرآن، أضفى طابعاً مختلفاً على هذه الواقعة.

وُلِد السيد فريدالدين في عائلة متدينة وملتزمة في طهران. ومنذ طفولته، كان له أنس بالقرآن الكریم والمفاهيم الدينية. وفي مرحلة المراهقة، بدأ بحفظ آيات القرآن والروايات. جدّيته في تعلّم القرآن واهتمامه بالعلوم الدينية دفعاه إلى المشاركة في جلسات تعليم القراءة والترتيل إلى جانب دراسته.

 

كان والده من المجاهدين في أيام النضال ضدّ النظام المقبور ومن المقاتلين في فترة الدفاع المقدس. رجل اعتبر الحلال في الرزق والتربية الإيمانية أساس الحياة. كما كانت أمّه حريصة على تربية الأطفال. هذه الأجواء العائلية شكّلت الأساس الفكري والأخلاقي للسيد فريدالدين؛ إنسان ربط منذ البداية بين الإيمان والعلم.

 

كان الذكاء والمثابرة والانضباط الشخصي من السمات البارزة له خلال سنوات دراسته. في البداية، في مدرسة وحيد، ثم في ثانوية الشهداء، كان يُعرف كأحد الطلاب المتميزين.

 

لاحقاً، التحق بالجامعة، وتمّ قبوله في تخصص الهندسة الزراعية في جامعة حكومية؛ لكن اهتمامه بالعلوم التقنية دفعه إلى مواصلة دراسته في تخصص الهندسة الميكانيكية بجامعة العلوم والبحوث في طهران. إلى جانب دراسته الجامعية، كان يولي اهتماماً لدروس الأخلاق وتهذيب النفس، وكان يشارك في جلسات أخلاقية مع أساتذة بارزين مثل آيةالله مجتهدي وآيةالله حق‌شناس في حوزة مروي العلمية.

 

 

 هجرة من أجل العلم.. لا من أجل الدنيا

 

واصل السيد فريدالدين مسيرته العلمية بالالتحاق بجامعة أوكلاند في نيوزيلندا لإكمال دراسته في مرحلة الدكتوراه. وعلى عكس بعض النخب الذين ينجذبون إلى الحياة الغربية في الخارج، كان له هدف واضح: اكتساب العلم لخدمة وطنه.

 

لم تؤثر الحياة في الغرب على معتقداته الدينية. كان يمتنع عن تناول الأطعمة المشكوك فيها لمراعاة الأحكام الشرعية، وحتى عندما دُعي إلى مأدبة أستاذه، اشترط التأكد من حلالية الطعام لحضوره. كما كان في بيئة الجامعة شخصية معروفة كطالب منظم، أخلاقي، وملتزم.

 

في إحدى جلسات الجامعة، عندما طُرح موضوع فلسطين والمقاومة، دافع عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم. هذا الموقف تسبب في رفض أستاذه مواصلة التعاون معه في مرحلة الدكتوراه؛ لكن السيد فريدالدين واصل مسيرته في جامعة أخرى في مدينة كرايستشيرش.

 

 

 دوره الحيوي في صناعة الكهرباء

 

 

بعد عودته إلى إيران، بدأ السيد فريدالدين نشاطه في مجال الصناعة والطاقة، ولعب دوراً مؤثراً في استكمال وتشغيل مشاريع الكهرباء والطاقة في البلاد. وفي آخر مهمة عمل له، كان يسعى لمواصلة بناء مشروع محطة غدير للطاقة ذات الدورة المركبة بقدرة 913 ميغاواط (الواقعة في منطقة لامرد الاقتصادية الخاصة). في عام 2021، وفي مقابلة صحفية، شرح أهمية هذا المشروع، قائلاً: “نظراً لأهمية تأمين إمدادات كهرباء مستقرة لمصنع “ألمنيوم الجنوب” في هذه المنطقة، كُلفنا ببدء أحد أكبر مشاريع إنتاج الكهرباء في المنطقة الاقتصادية الخاصة، لأن انقطاع الكهرباء لساعة واحدة عن شركة “ألمنيوم الجنوب” سيؤدي إلى خسائر تقارب ألف مليار تومان، في حين أن خسارة عدم الإنتاج اليومي لهذا المصنع تبلغ 55 مليار تومان”.

 

إلى جانب مسؤولياته الصناعية، كان السيد فريدالدين ينشط كمستشار وعضو في مجلس إدارة عدة شركات أخرى، ولعب دوراً فعالاً في دفع المشاريع الوطنية قدماً. كان ينظر إلى العلم، ليس فقط كأداة للتقدم الشخصي، بل كواجب وطني لإعمار البلاد.

 

كان السيد فريدالدين، إلى جانب نشاطاته العلمية، يعشق الخدمة في الأماكن المقدسة. وكان خادماً لمرقد الإمام الرضا(ع) ويعتبر ذلك شرفاً عظيماً، وفي رحلاته إلى مدينة مشهد المقدسة، كان دائماً في خدمة الزوار. وفي ليلة مولد السيدة فاطمة الزهراء(س)، كان ينظم احتفالاً كبيراً ويدعو مئات الأشخاص إلى وليمة عشاء. كانت تلاوة القرآن والحضور في المجالس الحسينية من السمات الدائمة في حياته. تقول والدته: «منذ صغره، عندما كان يقرأ القرآن، كان يُقلّد صوت الأستاذ عبدالباسط. كلما أردنا أن ننير البيت، كنّا نطلب من فريد أن يقرأ القرآن».

 

 

 حادثة مرقد شاهجراغ الإرهابية

 

 

في خريف عام 2022، وبعد انتهاء مهمته في محافظة فارس، توجّه السيد فريدالدين إلى مرقد أحمد بن موسى(ع) بنيّة الزيارة وأداء الصلاة. في تلك اللحظات، وبينما كان يؤدي صلاته بجوار الضريح، استهدفه إطلاق نار من إرهابي تكفيري. بحسب رواية والدته، الرصاصة الأولى أصابته في يده، والرصاصة الثانية اخترقت قلبه، وبعد لحظات استُشهد في الحرم.

 

كانت الحادثة الإرهابية في مرقد شاهجراغ واحدة من أكثر الأحداث المؤلمة في عام 2022. ورأى العديد من المحللين أن هذه الحادثة كانت محاولة لزرع الفتنة والفوضى في إيران. واستشهاد النخب والخدام والزوار في هذه الحادثة أظهر أن هدف العدو ليس مجرد ضربة عسكرية، بل هو هجوم على الهُويّة الثقافية والعقائدية للشعب الإيراني.

 

نُقِل جثمان الشهيد معصومي من شيراز إلى طهران، حيث أقيمت مراسم تشييع مهيبة بحضور الجمهور والعائلة والمسؤولين. بعد ذلك، وُوري جثمانه الطاهر في القطعة 26 بمقبرة بهشت زهراء في طهران. كان والده، وهو من خدّام مرقد الإمام الرضا(ع)، قد سافر إلى مشهد في ذلك اليوم، وسمع خبر استشهاد ابنه أثناء خدمته.

 

كان السيد فريدالدين معصومي نموذجاً لجيل الشباب الذي، رغم تمتعه بالعلم والتخصص، ظلّ متمسكاً بهُويّته الدينية والوطنية، وكان من النخب الذين لم يفصلوا العلم عن مسار الإيمان، وكان يؤمن بأن التقدم العلمي بلا التزام ثقافي وأخلاقي لا جدوى منه.

 

عودته الواعية من الغرب إلى إيران، رغم توفر فرص عديدة للإقامة والعمل في الدول الأوروبية والأمريكية، كانت دليلاً على فهمه العميق لمفهوم الوطنية. كان يؤكد مراراً في حواراته أن “العلم لا قيمة له إلّا إذا كان في خدمة شعبك”.

 

يرى المحللون الاجتماعيون أن استشهاده يمثل رمزاً لاستمرارية مسيرة النخب الملتزمين في العقود الأخيرة؛ أولئك الذين حافظوا على هُويّتهم العلمية والدينية في مواجهة الهجمات الثقافية والدعائية. حادثة مرقد شاهجراغ، رغم مرارتها، كانت تذكيراً بحقيقة أن تيار الإيمان والوعي لن يتوقف أبداً.

 

المصدر: الوفاق