في ظل عرقلة الترويكا الأوروبية للإتفاق النووي..

إيران تسجل رقماً قياسياً في الاستثمار الأجنبي بقيمة 11 مليار دولار

عقد مجلس الاستثمار الأجنبي، خلال الشهر الماضي، جلستين وتمّت الموافقة على 928 مليون دولار لتنفيذ 60 مشروعًا في إيران، في ظل عرقلة الترويكا الأوروبية للاتفاق النووي وانتهاء مدة القرار 2231، مما يحمل رسالة واضحة، أبرزها عدم فعالية العقوبات.

وشهد الاقتصاد الإيراني مع دخول شهر أكتوبر ظروفًا جديدة؛ فمن جهة، قامت الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي بعرقلة الأمور من خلال تفعيل “آلية الزناد” لزيادة ضغط العقوبات على الاقتصاد الإيراني، بحسب تصورهما؛ لكن بعد ذلك، لم ينتهِ سريان القرار 2231 فحسب، بل دعمت دول حركة عدم الانحياز، التي تضم 120 دولة حول العالم، المواقف النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

مع ذلك، تمّ تبني نهج جديد في سياسات الحكومة الاقتصادية في مختلف القطاعات لتحسين بيئة الأعمال، استنادًا إلى حزمة جديدة من وزارة الاقتصاد والشؤون المالية تركز على سياسة مقاومة الصدمات.

 

ويعني هذا النهج الجديد لوزارة الاقتصاد أن هيكل الاقتصاد الوطني، في مواجهة الضغوط الاقتصادية الخارجية، لا يكتفي بالصمود فحسب، بل يواصل مسيرته بقوة أكبر من خلال الإصلاحات الداخلية وإعادة صياغة المسارات الجديدة.

 

الموافقة على تصاريح بقيمة 928 مليون دولار

 

تحوّلت وزارة الاقتصاد من سياسات الصمود السلبية إلى نهج نشط يهدف إلى تحييد الضغوط من خلال تعميق التعاون الاقتصادي مع الشرق والمنطقة.

 

ومن هذا المنظور، شكلت الموافقة على استثمارات أجنبية بقيمة 666 مليون دولار في الجلسة السابعة لهيئة الاستثمار الأجنبي هذا العام، التي عُقدت في أوائل أكتوبر برئاسة وزير الاقتصاد “علي مدني‌زاده”، ردًا اقتصاديًا ذكيًا على الضغوط السياسية الغربية.

 

كما تم خلال أحدث جلسة لهيئة الاستثمار الأجنبي مراجعة 53 طلباً استثمارياً أجنبياً في قطاعات اقتصادية متنوعة، تشمل الإنتاج، الطاقات المتجددة وإنشاء محطات طاقة شمسية، السيارات، التعدين، البيوت الزجاجية، الأدوية والمنتجات الصحية، الإسكان، النقل الدولي، الخدمات وغيرها من القطاعات الصناعية.

 

وقُدّمت هذه المشاريع من قبل مستثمرين من دول مختلفة، بما في ذلك بريطانيا، البرتغال، الصين، تايلاند، إسبانيا، قبرص، الإمارات العربية المتحدة، تركيا، أفغانستان، باكستان، العراق، عُمان والإيرانيون المقيمون في الخارج، حيث تمّت الموافقة في النهاية على جميع المشاريع الـ53 بقيمة إجمالية قدرها 262 مليون دولار من قبل هيئة الاستثمار الأجنبي.

 

وعليه، منذ بداية العام الجاري وحتى الآن، عُقدت 8 جلسات لهيئة الاستثمار الأجنبي، أسفرت عن الموافقة على أكثر من 310 مشاريع استثمار أجنبي بقيمة إجمالية تزيد عن 11 ملياراً و428 مليون دولار.

 

دلالات وجود الصين وروسيا

 

تشكل تركيبة الدول المستثمرة أن إيران تعيد تعريف مكانتها في سلسلة القيمة الإقليمية والعالمية، حيث يعكس وجود الصين وروسيا ضمن قائمة المستثمرين تعميق الروابط الجيواقتصادية لإيران مع كتلة الشرق وأعضاء مجموعة “بريكس”.

 

كما أن مشاركة مستثمرين من تركيا، الإمارات، أفغانستان، طاجيكستان وباكستان تُبرز تعزيز الروابط الاقتصادية الإقليمية والثقة المتبادلة في السوق الإيرانية. هذه التركيبة المتنوعة، إلى جانب تنويع مصادر التمويل، تُعدّ مؤشرًا على الثقة المتزايدة للشركاء الإقليميين في استقرار وقدرات إيران الاقتصادية.

 

يأتي ذلك في وقت تظهر فيه بين المتقدمين الأجانب للاستثمار في إيران شركات من جنسيات بريطانية، برتغالية، وإسبانية، وهي الدول التي كانت من بين القادة في طرح وتفعيل “آلية الزناد” في مجلس الأمن الدولي وإعادة فرض العقوبات على إيران.

 

توسيع التفاعلات عبر الحدود والمشاركة النشطة في الفعاليات الدولية

 

إلى جانب هذه الإجراءات، تسعى وزارة الاقتصاد والشؤون المالية إلى زيادة حصة إيران من تدفقات الاستثمار العالمي من خلال توسيع التفاعلات عبر الحدود والمشاركة النشطة في الفعاليات الدولية.

 

وجاءت زيارة وزير الاقتصاد الأخيرة إلى طاجيكستان ومشاركته في المنتدى الدولي للاستثمار في طاجيكستان في هذا السياق.

 

وباعتبارها دولة ناطقة بالفارسية وتتشارك مع إيران في الثقافة، ويمكن أن تلعب طاجيكستان دورًا رئيسيًا في تطوير ممرات النقل من الشرق إلى الغرب.

 

وأظهرت المفاوضات الاقتصادية الأخيرة مع هذا البلد أن الأرضية مهيأة تمامًا للاستثمار المشترك في الصناعات الغذائية، الكيميائية، الطبية، والصيدلانية بين البلدين؛ وهي صناعات تتمتع فيها إيران بميزة إنتاجية وتشكل جزءًا كبيرًا من واردات طاجيكستان.

 

ويمكن لهذا التعاون أن يؤدي، إلى جانب زيادة الصادرات غير النفطية لإيران، إلى نمو الإيرادات الجمركية وتعزيز الميزانية المستدامة للبلاد من خلال ترانزيت البضائع الصينية عبر إيران.

 

تيسير إصدار تصاريح الاستثمار الأجنبي أمر ضروري

 

“مسعود برهمن” رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران وأفريقيا، أشار إلى النهج الجديد لوزارة الاقتصاد في توسيع التفاعلات مع الدول المجاورة وأعضاء مجموعة بريكس، مؤكداً أن سياسات الضغط الأقصى على بلادنا كانت موجودة منذ زمن، وأن الإجراءات الغربية الأخيرة تأتي في إطار استمرار تلك السياسات. ولهذا السبب، يمكن أن تكون التفاعلات الاقتصادية والتجارية مع الدول الصديقة والمجاورة مفيدة.

 

واعتبر برهمن أن وضع سياسات تهدف إلى زيادة جذب الاستثمار الأجنبي خطوة إيجابية، وقال: في الظروف الحالية، يعدّ تيسير إصدار تصاريح الاستثمار الأجنبي في البلاد أمراً ضرورياً، حيث يساهم في زيادة الحركة الاقتصادية في البلاد، ويجب أن نركز قدر الإمكان على الفرص ونستغلها.

 

تحييد “آلية الزناد” عبر جذب المستثمرين

 

“علي مرتضوي” الخبير في مجال السياسات الاقتصادية، أشار إلى أهمية إبطال تأثير العقوبات الغربية وتحييد آثار تفعيل “آلية الزناد” من خلال التركيز على تطوير التعاون الاقتصادي وجذب المستثمرين الأجانب من الدول المجاورة، مؤكداً أن أحد الإجراءات المهمة في الحزمة الجديدة لوزارة الاقتصاد، رداً على تفعيل “آلية الزناد”، هو التركيز على جذب المستثمرين الأجانب من الدول المجاورة، لاسيما الدول الناطقة بالفارسية مثل أفغانستان وطاجيكستان.

 

وقال مرتضوي: تستورد طاجيكستان سنويًا مليارات الدولارات في مجالات الصناعات الكيميائية، والخدمات الطبية والصيدلانية، وكذلك الصناعات الغذائية، ويمكن أن تستورد جزءًا كبيرًا من هذه الاحتياجات من إيران.

 

وفي حالة الاستثمار المشترك بين إيران وطاجيكستان، ستتهيأ الظروف لتعاون أكبر في هذا المجال. كما أن حضور وزير الاقتصاد على رأس الوفد الإيراني في المنتدى الدولي للمستثمرين في طاجيكستان يأتي في هذا السياق.

 

إزالة البيروقراطية الزائدة عبر جذب الاستثمار الأجنبي

 

في الجانب الداخلي، بدأت وزارة الاقتصاد والشؤون المالية سلسلة من الإصلاحات الهيكلية لتسريع عملية جذب الاستثمار الأجنبي. وتشمل هذه الإصلاحات إزالة البيروقراطية الزائدة، وضمان عائد الاستثمار، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة مشتركة، وتسهيل التحويلات النقدية في إطار التعاون الإقليمي، وتقديم حوافز مستهدفة للمستثمرين الأجانب.

 

بالإضافة إلى ذلك، تم وضع خطط لاستخدام البنوك الإقليمية للمعاملات المالية وتطوير البنية التحتية الرقمية في منظمة الاستثمار الأجنبي. وتؤكد الوزارة أن المستثمر الأجنبي، في الرؤية الجديدة، ليس مجرد ممول مالي، بل شريك استراتيجي في التنمية الوطنية.

 

بشكل عام، يمثل إقرار وزارة الاقتصاد لـ60 مشروعاً استثمارياً بقيمة 928 مليون دولار رمزًا لبدء مرحلة جديدة في الدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية؛ مرحلة تركز على تطوير التعاون مع الدول المجاورة والإقليمية، وحتى دول آسيا البعيدة وأوروبا، حيث تمّ تهيئة حزمة جذابة لتسهيل الاستثمار الأجنبي.

 

هذه الحزمة الجديدة لم تُصمم فقط لتحييد آثار العقوبات، بل تهدف أيضًا إلى تحقيق نمو اقتصادي أكبر من خلال التركيز على تطوير التعاون بين إيران والدول المجاورة والصديقة.

 

 

 

المصدر: الوفاق خاص