في زيارة رسمية امتدت ليومين، حلّ وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، سيد عباس صالحي، ضيفاً على محافظة كردستان، حيث شارك في سلسلة من الفعاليات الثقافية والدينية والفنية، عاكساً من خلالها اهتمام الدولة بتعزيز الهوية الثقافية، وتكريم رموز الفن، ودعم البنية التحتية للمشهد الثقافي في المنطقة.
المشاركة في مسابقات القرآن الكريم
شارك وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي في سلسلة من الفعاليات الثقافية والدينية والفنية، أبرزها اختتام الدورة الثامنة والأربعين من المسابقات الوطنية للقرآن الكريم في مدينة سنندج. وفي تصريحاته، أكد صالحي على أهمية الإنسجام الوطني، معتبراً أن إقامة المسابقات القرآنية في سنندج بعد الهجوم الصهيوني الأخير، كانت بمثابة رد ثقافي يعزز الوحدة ويُفشل مخططات الأعداء. كما أشار إلى الذكرى الـ1500 لميلاد النبي محمد(ص) كفرصة لتعزيز الوحدة الإسلامية، مؤكداً أن إيران تسعى لتكون مركزاً للقرآن في العالم الإسلامي.
من جانبه، أكد محافظ كردستان، آرش زرهتن لهوني، أن المحافظة تتمتع بإمكانات ثقافية كبيرة، وأن مدينة سنندج تضم أكبر عدد من المساجد في العالم الإسلامي، مما يعكس حب أهلها للدين والقرآن.
ترسيخ قرآني لنمط الحياة
وفي نفس السياق أكد رئيس منظمة الأوقاف، حجة الإسلام سيد مهدي خاموشي، على أهمية ترسيخ نمط قرآني للحياة ، مشيراً إلى أن إيران نظمت أكثر المسابقات القرآنية استمرارية، حتى خلال جائحة كورونا. كما أشار إلى جهود ترجمة القرآن إلى اللغة الكردية، ووجود نخبة من المفكرين والباحثين في محافظة كردستان.
مشاريع ثقافية في سنندج
وقام وزير الثقافة، بجولة ميدانية شملت عدداً من المشاريع الثقافية والفنية، وفعاليات اجتماعية وإنسانية. تضمنت الزيارة لقاءات مع ممثل الولي الفقيه ومحافظ كردستان، إضافة إلى تكريم الفنان الكردي عثمان هورامي، أحد رموز الموسيقى التقليدية في المنطقة، وزيارة المشاريع الثقافية مثل قاعة الثقافة المركزية وأكاديمية الفنون التابعة للدكتور قطبالدين صادقي.
بدأت الزيارة في مدينة سنندج، حيث تفقد مشروع قاعة الثقافة المركزية غير المكتمل، الذي يتكون من خمسة طوابق ويضم قاعة رئيسية بسعة 1200 شخص، بالإضافة إلى مرافق متعددة للسينما والمسرح والموسيقى، وورش عمل للديكور والملابس والألوان، ومعرض فني، وقسم إداري، ونزل لكبار الضيوف، ومرافق مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة.
تكريم قطب الدين صادقي وأكاديميته الفنية
كما زار صالحي أكاديمية الفنون التابعة للفنان المسرحي المعروف الدكتور قطب الدين صادقي، حيث أشاد بجهوده في تأسيس مؤسسة ثقافية وفنية رائدة في المنطقة، مؤكداً أن الفنان كلما زادت شهرته، زاد ارتباطه بالجذور والأصالة. واعتبر صادقي رمزاً للهوية الثقافية في محافظة كردستان، مشيراً إلى أن الأكاديمية تمثل نموذجاً لتأثير الفن في التنمية المحلية.
محافظة كردستان قطب فني واعد
وفي تصريح صحفي، أكد صالحي على أن محافظة كردستان تمتلك إمكانيات كبيرة لتكون قطباً فنياً في إيران، مشيراً إلى التقدم الملحوظ في مشروع القاعة المركزية، وداعياً إلى الإسراع في إفتتاحها لخدمة المجتمع المحلي. كما وصف مدينة سنندج بأنها من القواعد الثقافية والفنية المهمة في البلاد، مؤكداً على أهمية تعزيز البنية التحتية الثقافية من خلال مشاريع استراتيجية.
لقاء مع عائلة الشهيد سرمد سجادي
في مدينة مريوان، شارك الوزير في مهرجان مريوان الدولي لمسرح الشارع، والتقى بعائلة الشهيد الطفل سرمد سجادي، الذي استُشهد خلال الحرب الصهيونية المفروضة التي استمرت 12 يوماً. وخلال اللقاء، عبّر صالحي عن تضامنه مع الأسرة، مؤكداً أن خدمة عائلات الشهداء تمثل شرفاً وواجباً وطنياً، وأن مظلومية الشعب الإيراني في مواجهة الأعداء يجب أن تُوثق وتُخلّد.
من جانبه، قدّم محافظ كردستان، آرش زرهتن لهوني، تعازيه لعائلة الشهيد، مؤكدا على ضرورة تسريع الإجراءات العلاجية لوالد الشهيد، وضمان انضمام الأسرة إلى مؤسسة الشهيد وشؤون المضحين، بما يعكس اهتمام الدولة بالبعد الإنساني والاجتماعي في دعم أسر الشهداء.
مهرجان مريوان الدولي لمسرح الشارع
كما حضر وزير الثقافة عروضاً لمسرح الشارع في مدينة مريوان، ضمن مهرجان مريوان الدولي، الذي وصفه بأنه من أبرز الفعاليات الفنية في البلاد، لما له من دور في تعزيز الدبلوماسية الثقافية والتواصل بين الشعوب. وأكد صالحي على أن مهرجان مريوان الدولي لمسرح الشارع يُعد رمزاً بارزاً لهذا النوع من الفن في إيران، نظراً لخصائصه الفريدة التي تجعله واجهة وطنية للمسرح الشعبي. وأوضح أن مهرجانات الشارع، لا سيما مهرجان مريوان، تلعب دوراً مهماً في تعزيز العلاقات الثقافية والاجتماعية، وتمثل منصة فعالة لتوسيع الدبلوماسية الثقافية بين الشعوب.
عروض مسرحية مؤثرة
وفي اليوم الثالث من المهرجان، حضر صالحي عرضين مسرحيين في مدينة مريوان: الأول بعنوان «رستاخيز» أي «القيامة» من إخراج مختار محمدي، والثاني بعنوان «بنج هزار و536 ستاره» أي «خمسة آلاف و٥٣٦ نجمة» من إخراج مالك آبسانان، والذي تناول قصة شهداء محافظة كردستان خلال سنوات الدفاع المقدس، والهجمات الكيميائية التي طالت مدناً مثل سردشت، حلبجة وبانه. وقد أثار العرض مشاعر قوية لدى الحضور، حيث تأثر الوزير وبكى تأثراً بالمشاهد المؤلمة التي جسدت مراسم زفاف تحولت إلى مأتم بسبب القصف الكيميائي.
مسرح الشارع؛ أداة دبلوماسية
وأكد صالحي على أن مهرجان مريوان يمكن أن يلعب دوراً دولياً في الدبلوماسية الثقافية، نظراً لطبيعة مسرح الشارع المتنقلة، التي تسمح بتنفيذه في مختلف الدول. كما أشار إلى رغبة العديد من الفرق الفنية الدولية في التعاون رغم العقوبات، وأن الوزارة تسعى لتسهيل هذا التعاون.
تكريم عثمان هورامي.. صوت هورامان الأصيل
كما أكد صالحي على أهمية موسيقى هورامان، واصفاً إياها بأنها تتربع على قمة الفن الإيراني، تماماً كما تتسم طبيعة المنطقة بجمالها الأخّاذ. جاء ذلك خلال لقاء تكريمي للفنان الكردي البارز عثمان خالدي كمينهئي، المعروف باسم عثمان هورامي، الذي يُعد من رموز الموسيقى المحلية في منطقة هورامان.
من جانبه، وصف محافظ كردستان، آرش زرتن لهوني، الفنان عثمان هورامي بأنه شخصية خالدة في موسيقى أورامانات، مشيراً إلى أن مساهماته الثقافية والفنية ستبقى حيّة في ذاكرة سكان المنطقة، رغم حالته الصحية التي منعته من الإنشاد في السنوات الأخيرة. وأكد أن زيارة الوزير ومشاركته في فعاليات ثقافية متعددة، ومنها مهرجان مريوان، تعكس إهتمام الحكومة بتطوير الثقافة والفن في المحافظة.
رسائل لدعم الفن المحلي
جاءت زيارة وزير الثقافة إلى محافظة كردستان محمّلة برسائل دعم للفن المحلي، وتكريماً للرموز الثقافية، وتأكيداً على أهمية تعزيز البنية التحتية الثقافية في المحافظة. وبين المسرح والموسيقى والقرآن، تجلت محافظة كردستان كحاضنة للهوية الوطنية، وواحة للتنوع الثقافي، ومسرحاً حياً للتفاعل الإنساني والفني، يعكس روح الشعب الإيراني وتاريخه العريق. هذه الزيارة لم تكن مجرد جولة رسمية، بل كانت إعلاناً صريحاً بأن الثقافة هي جسر الوحدة، وأن محافظة كردستان تظل قلباً نابضاً للفن والوفاء.