في ذاكرة الشعر الإيراني المعاصر، يظل اسم قيصر أمين بور حاضراً كرمز للتجديد والالتزام الإنساني. بعد مرور ثمانية عشر عاماً على رحيله، لا تزال قصائده تُقرأ بشغف، وتُلهم أجيالاً من الشعراء الباحثين عن لغة صادقة وعميقة.
ولد أمين بور عام 1959 في مدينة كتوند بمحافظة خوزستان، وبدأ حياته بين الرسم والطب، قبل أن يجد في الشعر طريقه الحقيقي. انطلق من تيار شعر الثورة الإسلامية، لكنه سرعان ما تجاوز الشعارات ليؤسس أسلوباً خاصاً يجمع بين الوزن الكلاسيكي والروح المعاصرة. كانت لغته بسيطة، لكنها تحمل في طياتها مفاهيم فلسفية واجتماعية وعاطفية عميقة، وهو ما جعله قريباً من الناس والنخبة على حد سواء.
رحيله المفاجئ عام 2007، بعد معاناة صحية طويلة، ترك فراغاً كبيراً في الساحة الأدبية. ومع ذلك، بقيت أعماله مثل «آينه هاي ناكهان» أي «المرايا الفجائية» و«دستور زبان عشق» أي «قواعد لغة الحب» من بين الأكثر تأثيراً وانتشاراً، وتُعد مرجعاً في الشعر الفارسي الحديث.
رائحة التفاح.. صدى الغياب الحي
وفي الذكرى الثامنة عشرة لرحيله الذي صادف أمس الخميس 30 أكتوبر، يحيي أهل الثقافة والأدب في إيران ذكراه كأحد رواد الشعر الملتزم والإنساني؛ الشاعر الذي علّمنا كيف يمكن للغة البسيطة أن تحمل أعمق المعاني.
في هذه المناسبة، نشر عدد من الشعراء قصائد جديدة تكريماً له، كما نشرت الصفحة الرسمية التي تديرها عائلته على مواقع التواصل الاجتماعي قصيدة غير منشورة له بعنوان «بوي سيب» أي «رائحة التفاح»، جاء فيها: «لا يزال بياض الفجر.. لا تزال ذهبية الشمس.. لا يزال يمكن سماع ضحكات الآية العالية.. لا يزال يمكن تنفس صمت الجبل البعيد.. لا يزال يمكن تنفس بداية قصيدة جديدة.. ».
كما كتب الشاعر موسى عصمتي في رثائه: «قل للغيم أن يُمطر على كل الدفاتر.. على ثلاثاء هذه الأيام الأخيرة.. على ثلاثاء الأيام التي لا عودة لها.. على ثلاثاء الأرض الصفراء المنهكة.. على ثلاثاء نادى الله فيه الجبل..».
وكتب محمد سعيد ميرزايي في وداع شاعر «تنفس الصباح»: «أنت ترحل، ولم تعد هذه المحطة مكان الهواء.. لم يعد مناسباً تحليق قصائد قلبك.. لم يعد يهوى الإنشاد.. فالهواء لم يعد هواء القصيدة، ولا هواءك..».