سيحوّل إيران إلى محور التجارة البرّية بين الشرق والغرب

ولادة أضخم شريان سككي بالقرن الحادي والعشرين في آسيا

مع تقارب التعاون السككي بين إيران وباكستان وتركيا والصين، توشك قارة آسيا على تشكيل ممر تاريخي عملاق؛ طريق يمكن أن يحدث تحولاً في وقت وتكلفة نقل البضائع بين جنوب آسيا وغرب آسيا وأوروبا، ويحول إيران إلى محور التجارة البرية بين الشرق والغرب.

توشك قارة آسيا على تجربة تحول جديد في خريطة نقلها. التعاون المتزايد بين إيران وباكستان وتركيا في إطار الممر السككي “إسلام آباد-طهران-إسطنبول” (ITI) وإمكانية ربطه بمشروع “الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني” (CPEC) يبشر بتشكيل ممر عملاق يمتد من المحيط الهندي إلى أوروبا.

 

وقد تقرر مؤخرًا في مؤتمر “إسلام آباد” أن يبدأ تشغيل قطار “إسلام آباد-طهران-إسطنبول” مرة شهريًا اعتبارًا من ديسمبر/كانون الأول 2025.

 

تفاصيل الممر ومساره

 

يمتد ممر “إسلام آباد – طهران – إسطنبول” بطول يقارب 6500 كيلومتر، مبتدئًا من إسلام آباد، عابرًا كويتة وزاهدان، مارًا بطهران وتبريز، ثم یدخل إلى الأراضي التركية عبر معبر رازي الحدودي. هذا الطريق، الذي كان مطروحًا في وثائق منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) منذ عقود، يخرج الآن من مرحلة المخططات الورودية ويدخل حيز التنفيذ.

 

المحورية الإيرانية والربط مع الموانئ

 

يتم السعي لإحياء هذا الخط الحديدي في وقت تحتل إيران موقعًا مركزيًا في هذه المعادلة. فأكثر من 2600 كيلومتر من مسار الممر يمر عبر الأراضي الإيرانية، ومع استكمال مشروع سكة حديد تشابهار–زاهدان، ستتاح إمكانية الربط المباشر لهذا الطريق بالمياه الحرة للمحيط الهندي.

 

في هذه الظروف، يمكن لميناء تشابهار أن يصبح نقطة التقاء الممرين “إسلام آباد-طهران-إسطنبول” و”الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني”، وأن يلعب دورًا محوريًا في نقل البضائع من جنوب آسيا إلى غرب آسيا وأوروبا.

 

إتفاقيات جديدة وإرادة سياسية

 

إستنادًا إلى الاتفاق الجديد بين الدول الثلاث في اجتماع “إسلام آباد” الأخير بحضور الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي، تقرر أن يسير قطار بضائع واحد على الأقل شهريًا على هذا الطريق.

 

على الرغم من أن القدرة الفعلية لهذا الممر لا تزال بعيدة عن الطاقة الإمكانية البالغة خمسة ملايين طن سنويًا، إلا أن الخطوات الأخيرة تشير إلى تشكل إرادة جديدة للاستفادة المنتظمة من هذا الطريق.

 

المزايا التنافسية والتحول اللوجستي

 

تتمثل الميزة الرئيسية لهذا الشريان السككي في توفير ملحوظ في وقت وتكلفة النقل، إذ تستغرق الرحلة البحرية الحالية بين كراتشي ومرسين في تركيا حوالي 45 يومًا؛ لكن مع تفعيل ممر “إسلام آباد-طهران-إسطنبول”، يمكن قطع نفس المسافة في 12 إلى 14 يومًا فقط.

 

مثل هذا التحول يمكن أن يحدث ثورة في خريطة التجارة البرية في آسيا ويزيد من القدرة التنافسية للمنطقة في مواجهة الطرق الأوروبية والبحرية.

 

التحديات والعقبات

 

مع ذلك، فإن طريق التطور لا يخلو من التحديات. فاختلاف عرض السكة بين إيران وباكستان، وقلة عربات النقل في منطقة بلوشستان، وضعف البنية التحتية الجمركية عند معبر ميرجاوة الحدودي، تُعدّ من العوائق الهامة أمام تحقق هذا المشروع بالكامل.

 

التوقعات المستقبلية والدور الإستراتيجي

 

يعتقد الخبراء أنه إذا تمكنت إيران من إشراك مصالح الشركاء الثلاثة الآخرين، يعني الصين وباكستان وتركيا، في هذا الطريق في وقت واحد، فلن يخلق هذا الممر مصدر دخل مستدام غير نفطي لإيران فحسب، بل سُيثبت موقع إيران الإستراتيجي كـ”جسر آسيا البرّي”.

 

مستقبل التجارة الإقليمية

 

في حال تحقق الربط بين ممر “إسلام آباد-طهران-إسطنبول” و”الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني”، سيرسم خريطة جديدة للتجارة البرية في القارة العجوز؛ خريطة تعود فيها إيران من الهامش إلى المركز، ويصبح جابهار بوابة دخول الشرق إلى الغرب؛ ولادة ممر عملاق آسيوي يمكن أن يعيد كتابة التوازن الجيواقتصادي في العالم.

 

 

 

المصدر: وكالات