عراقجي قال في مقابلة مع قناة الجزيرة إنّ إيران جاهزة تماماً لأي تصعيد محتمل في المنطقة، مؤكداً أنّ خطر نشوب حرب من جانب كيان له تاريخ طويل في العدوان لا يمكن إنكاره.
وأضاف: «احتمال شنّ الحرب من قِبل كيان عدواني أشعل حروباً متعدّدة في منطقتنا، وآخرها هجومه على بلدنا الصديق والشقيق قطر، أمر متوقَّع، لكننا مستعدّون تماماً لأيّ وضع».
تفاصيل المقابلة الكاملة
سؤال: الجميع اليوم يخشون عودة الحرب، وهناك تقارير وتحليلات إعلامية تتحدث عن احتمال تجدّدها. هل تتوقعون اندلاع حرب جديدة؟
عراقجي: من الواضح أننا مستعدّون لكل الاحتمالات. فالكيان العدواني الذي أشعل حروباً عدّة في منطقتنا، وكان آخرها الهجوم على قطر، قد يكرّر ذلك، ولا أحد يمكنه إنكار هذا الاحتمال. لكننا على أتمّ الجاهزية لكل سيناريو.
وأؤكد بثقة واطلاع أننا اليوم أكثر استعداداً مما كنا قبل حرب الاثني عشر يوماً، من حيث الإمكانيات والمعلومات والدوافع والمعنويات. وإذا كرّروا تجربة تلك الحرب الفاشلة، فسوف يواجهون النتيجة نفسها، لأن تجربة فاشلة لا تفضي إلا إلى فشل جديد.
ففي تلك الحرب لم يحقق الكيان الصهيوني أيّاً من أهدافه، وإذا أعاد التجربة، فسيصطدم بالنتائج نفسها، بل أسوأ، لأننا اليوم أكثر استعداداً، بعد أن تعرّفنا جيداً إلى نقاط ضعفنا ونقاط ضعف العدو، وأصبحنا قادرين على العمل بقوة أكبر.
سؤال: ما هي نقاط الضعف التي أشرتم إليها؟
عراقجي: بعضها يتعلق بالتكتيكات العسكرية، لكن تبيّن لنا أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية قابلة للاختراق بالكامل. رغم أن دولاً أخرى ساعدتها وأضافت طبقات دفاعية متعددة، إلا أنّ صواريخنا تمكّنت من اختراقها.
لقد اكتسبنا خبرات تقنية مهمة، إذ جرى اختبار صواريخنا لأول مرة في حرب حقيقية، ونجحت في ذلك، ونحن نعرف اليوم كيف نطلقها بدقة وقوة أكبر.
يُقال أحياناً إنّ طائرات إسرائيلية حلّقت فوق أجواء إيران خلال حرب الاثني عشر يوماً، لكنهم لا يقولون الجزء الثاني من القصة: أنّ سماء إسرائيل كانت في تلك الأيام تحت سيطرة الصواريخ الإيرانية، ولم يتمكنوا من الدفاع بفاعلية. نحن اليوم أكثر خبرة وجاهزية، وإذا كرّروا التجربة، فسيواجهون نتائج أشدّ سوءاً.
سؤال: هل حدث تطوّر كبير في عدد الصواريخ الإيرانية ونوعيتها؟
عراقجي: نعم، لقد حدث تحوّل شامل في جميع الجوانب.
سؤال: في حال اندلاع حرب جديدة، هل تتوقعون أن تتحوّل إلى حرب إقليمية واسعة؟
عراقجي: لكل حرب طبيعتها، لكنني كدبلوماسي أفضل الحديث عن الدبلوماسية لا عن الحرب.
إنّ جاهزيتنا العسكرية هي في الحقيقة أفضل وسيلة لمنع الحرب، لأن من يستعدّ للحرب يبعدها عن نفسه. وعندما أتحدث عن استعداد إيران، فإنني أقصد أننا لا نريد حرباً، لأن تبعاتها ستكون ثقيلة على الجميع في المنطقة.
لقد حاولنا في المرة السابقة السيطرة على أبعاد الحرب إقليمياً، رغم أن الكيان الصهيوني حاول توسيعها إلى الخليج الفارسي عبر هجومه على منشآتنا النفطية والبتروكيميائية، لكننا نجحنا في احتوائها إلى حد كبير.
لا نرغب في حرب أو توسيعها، لكننا نواجه كياناً عدوانياً يسعى لجرّ المنطقة كلها إلى الصراع.
وتابع: «تجربة قطر كانت درساً مهماً، كما أن هناك تجارب سوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى تهديدات الكيان الصهيوني لبقية دول المنطقة. هذا الكيان يتحدث عن “إسرائيل الكبرى”، أي أنه يطمع في أراضي دول أخرى».
وأضاف: «نحن نواجه كياناً توسعياً وعدوانياً، ويجب أن نكون مستعدين لمواجهته عسكرياً ودبلوماسياً معاً».
وأوضح عراقجي أنّ إيران خلال العام الماضي انتهجت سياسة حسن الجوار ووسّعت علاقاتها في منطقة الخليج الفارسي بسرعة، وخاصة بعد حرب الاثني عشر يوماً، ما أسفر عن تفاهم مشترك بين دول المنطقة بشأن من هو العدو الحقيقي.
وقال: «اليوم يدرك الجميع أن العدو الحقيقي هو إسرائيل، وكل الدعايات السابقة التي حاولت تصوير إيران كتهديد قد تهاوت. حتى إنني أقول أحياناً لأصدقائي إنّ نتنياهو، رغم كونه مجرم حرب لم يتردد في ارتكاب أي جريمة، إلا أنه قام بعمل إيجابي واحد: لقد أثبت للجميع أن العدو الحقيقي هو إسرائيل، وليس إيران ولا أي بلد آخر في المنطقة».
سؤال: وصل إليكم عبر الرئيس بوتين رسالة مفادها أن نتنياهو لا يسعى إلى إشعال حرب جديدة ضد إيران، ما تقييمكم لذلك؟
عراقجي: نحن لا نثق إطلاقاً في أقوال مسؤولي الكيان الصهيوني، ونفترض دوماً احتمال الخداع. أصدقاؤنا في روسيا نقلوا لنا هذه الرسالة، لكنهم أنفسهم شككوا في صدق نتنياهو. سمعنا الرسالة، لكن جاهزيتنا باقية بل ومتزايدة.
سؤال: الحرب السابقة اندلعت أثناء المفاوضات مع الجانب الأمريكي، فهل كانت مفاجِئة؟
عراقجي: كما ذكرتم، انعدام الثقة بالولايات المتحدة مسألة خطيرة. لم نثق يوماً بإسرائيل، لكننا للأسف خضنا تجارب سيئة جداً مع واشنطن.
في عام 2015 توصّلنا إلى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، والتزمنا بالكامل، لكن أمريكا انسحبت بلا سبب. وفي عهد حكومة الشهيد رئيسي جرى اتفاق آخر يقضي بإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية مقابل تبادل الأسرى مع أمريكا، فوفينا بالتزاماتنا، بينما واشنطن نقضت عهدها؛ إذ نُقلت الأموال من كوريا إلى قطر ثم جُمّدت من جديد.
وفي العام الجاري، وبعد خمس جولات من التفاوض مع الولايات المتحدة، كان من المقرر عقد الجولة السادسة في 15 يونيو، لكن قبل يومين من ذلك شنّت إسرائيل هجوماً علينا بموافقة أمريكية، كما اعترف ترامب لاحقاً قائلاً: “نحن شاركنا في ذلك”. ثم طلبوا من سكان طهران إخلاء المدينة وطرحوا الاستسلام غير المشروط، وبعدها انضمت أمريكا عملياً إلى الحرب وقصفت طائراتها منشآتنا النووية السلمية. وهذه كانت نتيجة مفاوضاتنا مع أمريكا حتى الآن.
وفي ما يتعلق بملف “سناب باك” (عودة العقوبات الأممية)، أوضح عراقجي أن إيران تفاوضت مجدداً مع الأوروبيين والأمريكيين، لكنها واجهت «مطالب غير منطقية ومفرطة»، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق، فقاموا من جانبهم بتفعيل الآلية، بينما روسيا والصين ومعهما 120 دولة من حركة عدم الانحياز اعتبروا الإجراء غير قانوني ودعموا موقف إيران.
سؤال: هل كانت الحرب إسرائيلية أم أمريكية؟
عراقجي: الاثنتان معاً! كانت حرباً أمريكية-إسرائيلية بكل وضوح. فإسرائيل لا تستطيع التحرك دون إذن أمريكا، ثم دخلت واشنطن بنفسها في المعركة.
سؤال: ما موقفكم من عودة العقوبات (سناب باك)؟
عراقجي: كما أوضحت، هناك خلاف قانوني واضح في مجلس الأمن، فروسيا والصين تعتبران الإجراء غير قانوني، وأربع دول أخرى لم تؤيده، و120 دولة دعمت موقفنا. وهذا يعني عدم وجود إجماع دولي حول العقوبات. حالياً هناك إشكال قانوني وسياسي داخل مجلس الأمن حول ما إذا كانت العقوبات قد عادت فعلاً أم لا.
سؤال: ولكن قانونياً لا يمكن نقض “سناب باك” وتُعتبر العقوبات عائدة؟
عراقجي: هذه هي النقطة الجوهرية. نحن نرى أن الدول الأوروبية الثلاث لا تملك قانوناً ولا سياسياً الحق في تفعيل سناب باك، وبالتالي فهو من وجهة نظرنا ووجهة نظر روسيا والصين غير قانوني، ولم تعد العقوبات الأممية.
سؤال: وهل تعتقدون أن روسيا والصين ستمتثلان لهذه العقوبات؟
عراقجي: لقد صرّحتا بأنهما لن تلتزما بها. وما سيحدث عملياً سيتضح في السنوات القادمة. لكن في الرسالة المشتركة التي قدّمتها إيران وروسيا والصين إلى مجلس الأمن، تمّ التأكيد بوضوح على رفض إعادة فرض العقوبات.